هل جاء دور العلاقات العامة لتعصف بها رياح الذكاء الاصطناعي، محدثة بيد من رقائق الكترونية تغيرات جذرية في هذا العلم وذلك الفن وتلك المهنة الإنسانية المحضة؟ هل دخول الذكاء الاصطناعي لمجال العلاقات العامة سيؤدي إلى تغيير الثوابت المهنية والعلمية التي درسناها ومارسناها على مدى سنوات عملنا لتفاصيل هذه المهنة يوميا كما يسوق بعض علماء الذكاء الاصطناعي ناشرين الرعب بين العملين في العلاقات العامة والهلع على مستقبلهم؟
يبدو ان الأمر كذلك إلى حد ما ، فمع دخول الثورة الرقمية معظم تفاصيل حياتنا اليومية تسلل إلينا شعور احدث مشكلة وهي اننا في منافسة بين ما نستطيع ان نؤديه نحن بقدراتنا المحدودة، وبين ما يستطيع الذكاء الاصطناعي تأديته بالسرعة والدقة والمهارة التي تسبقنا وتحبطنا في ذات الوقت والذي يفوق قدراتنا بمئات آلاف المرات وبالتالي فإن البركان المعرفي والمهني الذي احدثه دخول الذكاء الاصطناعي في العلاقات العامة، أدى إلى انتهاء أدوار كانت المهنة تؤديها ، وتولد عنها مهن اخرى بديلة تؤدي الأدوار المطلوبة من العاملين في العلاقات العامة بما يناسب طبيعة التقنية الجديدة .
إذا ما هي الأدوار والمهام الجديدة التي استولى عليها الذكاء الاصطناعي في العلاقات العامة؟ وما الأعمال التي ستبقى حكرا على الانسان في العلاقات العامة؟ تعالوا نجيب عن السؤالين الأول بالتعرف على المهام التي سيكون للعلاقات العامة فيها منافس قوي هو الذكاء الاصطناعي، والثاني “ما هو مستقبل الانسان في اعمال العلاقات العامة وإلى أي مدى سيبقى للجهد الإنساني دور في العلاقات العامة بوجه خاص وفي العمل الإعلامي بشكل عام.
أن فهمنا للأدوار التي سيقوم بها الذكاء الاصطناعي في العلاقات العامة سيتيح لنا اكتشاف مسافة الشراكة والاحتراف بينهما .
اول مجال تدخل فيه الذكاء الاصطناعي في العلاقات العامة، هو المجال التقني، اذ بات الذكاء الاصطناعي يلعب دورا مهما في منصات التواصل الاجتماعي، حيث خصصت كبرى الشركات المالكة لأهم منصات التواصل الاجتماعي، أموالا طائلة لإدارة كبرى المنصات الإعلامية، مثل: “الفيس بوك، أكس، لينكد إن ” ، لمعرفة الأنشطة التي تحدث في هذه الشبكات.
وذلك باستخدام منهجية «التعلم العميق» للتعرف على سلوك الأعضاء، لاستخدامها في التسويق عبر المنصات، ولتحليل الآراء، وتقييم المواقف، والمشاعر تجاه القضايا والأحداث كما استثمرت الشبكات الاجتماعية، في بحوث الذكاء الاصطناعي، فمثلا: موقع الفيس بوك دشن مختبرا بحثيا مخصصا في مجال الذكاء الاصطناعي، كما استحوذ محرك البحث جوجل على شركة Deepmind المتخصصة في بناء الخوارزميات بقيمة 400 مليون دولار.
وبدأت كبرى المؤسسات الصحفية مثل وكالة بلومبرج, ورويترز, وأسوشيتد برس، استخدام الروبوت الصحفي، المعتمد على الذكاء الاصطناعي لإنتاج التقارير الصحفية التي تعد أكثر كفاءة من تقارير الصحفيين العاديين.
وأصبح استخدام الأتمتة والبيانات الضخمة، معمولا به في كبرى الصحف الأمريكية، حيث يساعد على توفير قاعدة بيانات تفاعلية ضخمة، وإنتاج محتوى مرئي بكفاءة عالية.
ويوفر الذكاء الاصطناعي فرصا كبيرة للقائمين بالاتصال مثل الإعلاميين ومحترفي العلاقات العامة والتسويق الرقمي من خلال الطرق التالية:
إنتاج المحتوى بشكل احترافي حيث ان صناعة المحتوى، هي الأكثر أهمية، التي يمكن للذكاء الاصطناعي ان يقوم فيها بدور كبير، من خلال مواءمة استراتيجية تسويق المحتوى مع الذكاء الاصطناعي استنادًا إلى البيانات التي تم جمعها ، مثل عمليات البحث عن العملاء، وسلوك الشراء والاهتمامChatbots هي مثال آخر لدور الذكاء الاصطناعي في تعزيز تجربة المستخدم. حيث يمكن برمجة Chatbots للتفاعل مع العملاء على أساس البيانات التي يتلقاها. كما يمكن الاستفادة من تقنية الواقع المعزز Augmented Reality لتوفير خيارات أفضل للمستهلكين لرؤية المنتج قبل الشراء، وهي عنصر آخر من عناصر الذكاء الاصطناعي، مما يجعل عملية صنع القرار سهلة للعملاء لإدراك المنتج حتى قبل الشراء، مما يسرع من استجابة العملاء وبالتالي زيادة الإيرادات.
معلومات الجمهور: اعتقد جازما انه على مدى سنوات يسعى التجار إلى معرفة كل، واقل وأكبر المعلومات عن عملائهم، ليتمكنوا من مواكبة رغباتهم، وتطلعاتهم بخصوص منتجاتهم؛ ويبدوا انهم وصلوا إلى هذا الهدف ،عبر بوابة الذكاء الاصطناعي، إذ يساعد الذكاء الاصطناعي في معرفة مشاعر الجمهور، تجاه المنتجات، والعلامات التجارية؛ ولا يقف الأمر هنا! اذ يمكن للذكاء الاصطناعي تحليل المشاعر، والذي يعد جزءًا مهمًا من أدوات وسائل الإعلام الاجتماعي، لقياس مدى شعور العملاء بالمنتج أو الخدمة أو العلامة التجارية، ويتيح الذكاء الاصطناعي لمحترفي العلاقات العامة، والتسويق اتخاذ قرارات تسويقية، مرجعها ما حصلوا عليه من بيانات دقيقة عن عملائهم، وكل ذلك باستخدام الذكاء الاصطناعي، خاصة ما يتعلق بقرار إطلاق الحملات الاعلانية او التسويقية.
الإعلان بشكل أفضل: بعد نجاح الذكاء الاصطناعي المساعدة، في أطلاق الحملات التسويقية والاعلانية، يأتي دور الذكاء الاصطناعي يجمع وتحليل بيانات المستخدم، ويتنبأ بسلوك المستخدم يمكن للعلامات التجارية إنشاء إعلانات وفقا لرغبات العملاء وسيشاهد المستخدمون الإعلانات التي تهمهم استنادًا إلى اهتماماتهم نظرا لأهمية الإعلان في تعزيز العلامة التجارية.
التنبؤ بالمبيعات: وما دمنا نتحدث عن دور الذكاء الاصطناعي في اتخاذ قرار إطلاق الحملات التسويقية ،والإعلامية ، فإنه بمقدور الذكاء الاصطناعي توقع حجم المبيعات، تبعا لتحليل البيانات الدقيق الذي يجريه؛ لاسيما ان للسوق تباينات يومية واسبوعية وشهرية وربما تحدث التغيرات على مدار الساعة وبالتالي يمكن تنفيذ اتجاهات التسويق الرقمي اللازمة مما يوفر قدرا كبيرا من الجهد والوقت.
قياس أداء حملات العلاقات العامة: وإذا كان الذكاء الاصطناعي يساعد في اتخاذ قرار الحملات التسويقية والاعلانية ويعرف اهتمامات العملاء ويساعد على نشر الإعلان بصورة أفضل فسيكون بالتأكيد قادرا على قياس أداء الحملات التسويقية وكيف سيكون العائد على الاستثمار أفضل مع استخدام تقنية الذكاء الاصطناعي للتعرف على صور المستهلكين، وهي ميزة مهمة تجعل عمليات الدفع أسرع مما هي عليه الآن.
استهداف الصحفيين والمؤثرين : ربما نتفق جميعا او نختلف ان الطرق المستخدمة للتواصل بين إدارات العلاقات العامة ووسائل الاعلام ومشاهير التواصل الاجتماعي لم تعد مناسبة كما كانت سابقا إلا ان الذكاء الاصطناعي لعب دورا محوريا في تنظيم العلاقة بين المؤثرين وادارات العلاقات العامة فباستخدام تقنية الذكاء الاصطناعي يمكن تحليل رسائل المؤثرين لمعرفة نفوذهم، كما يمكن تحليل المشاركات السابقة التي كتبوها، وكيف يتعامل المنافسين مع المؤثرين في اطلاق حملات المنتجات، كما يمكن تصنيف أصحاب النفوذ الذين لديهم معدلات أعلى للردود والتأثير.
وبعد ان استعرضنا الخدمات المتنوعة والحلول الكبيرة التي يمكن للذكاء الاصطناعي إنجازها في مجال العلاقات العامة نحاول الرد عن السؤال الثاني وهو هل يمكن للذكاء الاصطناعي ان يكون بديلا لرجال العلاقات العامة؟ من وجهة نظري الشخصية المتواضعة ان للعلاقات العامة شقها الإنساني الذي لا تستطيع خوارزميات الذكاء الاصطناعي القيام بها فقبل كل شيء مهنة العلاقات العامة مهنة إنسانية بالدرجة الأولى بالنظر إلى حقيقة مهمة هي ان الانسان اجتماعي بطبعه وليس آليا ولذلك فإن جميع الخدمات التي يقدمها الذكاء الاصطناعي في مجال العلاقات العامة تبقى أدوارا تنظيرية تنظيمية تقوم على التخطيط لكنها تحتاج إلى العنصر البشري ليتفاعل معها ولذا فإنه من الصعوبة بمكان ان تتحول اعمال العلاقات العامة الى الكترونية صرفة ولكن ما ندعوا إليه هو ان تتكاتف الجهود للاستفادة من خدمات الذكاء الاصطناعي في المهنة والفن والعلم ولكن ليس على حساب اللمسة الإنسانية المهمة في العلاقات العامة .
ولعلي هنا في ختام مقالي متفقا معه استشهد برأي استاذنا عثمان العمير رئيس تحرير موقع ايلاف والصحفي الكبير حين قال مؤخرا في حوار على قناة BBC عربي ما معناه ان العنصر البشري سيبقى محافظا على دوره المهم في المجال الإعلامي عموما مهما تدخل الذكاء الاصطناعي لأن العمل اعلامي قائم على الفكر الإنساني بالدرجة الأولى ولذلك سيكون الذكاء الاصطناعي مجرد منفذ لما يقرره الإعلامي .