أخبار عالميه
أوباما يضرب أسس “كامب ديفيد”
“دوف زاخيم” في مجلة “فورين بوليسي” عن الخطوات الأمريكية المرتقبة في شبه جزيرة سيناء المصرية
___
أصبح من الواضح منذ بعض الوقت، رغم بعض العثرات في الشرق الأوسط، أن الرئيس أوباما قد نجح في مهمةٍ فشل فيها جميع سابقيه: استطاع أوباما إحداث تقارب بين إسرائيل والعرب، خاصةً عرب الخليج، أكثر من أي وقتٍ مضى، متحدين في ارتيابهم وخيبة الأمل من سياسات واشنطن في المنطقة.
اليوم يذهب أوباما خطوةً أبعد. يستعد الرئيس الأمريكي لإعادة نشر القوة الأمريكية الصغيرة التي تقود القوة متعددة الجنسيات في سيناء، بدعوى أن تمرد الإرهابيين الإسلاميين ضد نظام السيسي في مصر يهدد سلامتها. تنظيم الدولة الإسلامية هو السبب الرئيسي لاستعداد أوباما لنقل القوات الأمريكية من معسكر الجورة، بالقرب من قطاع غزة، إلى قاعدةٍ بالقرب من شرم الشيخ في الجزء الجنوبي من شبه الجزيرة، حيث تمثل داعش خطرًا أقل. لكن في استعدادها لسحب القوة متعددة الجنسيات، ضمنت واشنطن أن القاهرة وتل أبيب لن تستمرا فقط في المزيد من التعاون، وإنما سوف يفعلان ذلك بدون أخذ المصالح الأمريكية في الاعتبار.
القوة متعددة الجنسيات (والتي يطلق عليها أحيانًا قوة حفظ السلام) هي مؤسسة فريدة. أنشئت القوة عام 1981 كنتيجةٍ لاتفاقية كامب ديفيد الموقعة عام 1978، لضمان التزام مصر وإسرائيل بالقيود التي وافقا عليها المفروضة على تعزيز القوات العسكرية في سيناء. القوة التي تتبع اسمًا للأمم المتحدة تتكون حاليًا من أقل من 2,000 جندي ومدني من اثنتي عشرة دولة، منهم حوالي 700 من الولايات المتحدة. تدير القوة التي يقع مقرها في روما نقاط تفتيش وتقوم بدوريات استطلاع وتكفل حرية الملاحة عبر مضيق تيران وخليج العقبة، وتتحققبانتظام من جميع البنود الأخرى لمعاهدة السلام المصرية الإسرائيلية التي تطبق على شبه جزيرة سيناء.
تكّون فرع تنظيم الدولة الإسلامية الذي يعمل في الجزء الشمالي الشرقي من شبه جزيرة سيناء عام 2011، وكان يعرف في البداية باسم أنصار بيت المقدس، حيث كان هدفه الرئيسي هو إسرائيل. مع الانقلاب على حكومة مرسي في القاهرة، وانتخاب الجنرال عبد الفتاح السيسي رئيسًا لمصر في حزيران/يونيو 2014، أعلن التنظيم الولاء لزعيم تنظيم الدولة الإسلامية أبو بكر البغدادي في تشرين الثاني/نوفمبر من نفس العام، وغيّر اسمه إلى تنظيم الدولة الإسلامية. ورغم أنه ليس التنظيم الإسلامي الوحيد الذي يقوم بعملياتٍ في سيناء، فإنه يعتبر أخطرهم جميعًا؛ أعلن التنظيم مسؤوليته عن إسقاط طائرةٍ تقل سائحين روس في أيلول/سبتمبر 2015، مما أسفر عن مقتل جميع ركابها البالغ عددهم 224.
تدفع إدارة أوباما بأنها يمكنها مراقبة تحركات القوات باستخدام أنظمةٍ غير مأهولة وبالتالي لا تحتاج إلى وضع أفراد القوة في خطر. علاوةً على ذلك، فعمليا سمحت إسرائيل لمصر بالفعل بنشر قواتها الأمنية في مناطق من سيناء تتجاوز تلك التي تسمح بها الاتفاقية، حيث مكّن استعدادها لتجاهل ملحق معاهدة السلام الموقعة عام 1979 مع مصر القاهرة من محاربة المتشددين، بينما تفيد تقارير مستمرة بأن الجيش الإسرائيلي يوفر استخبارات لدعم عمليات نظيره المصري ضد تنظيم الدولة الإسلامية.
إذا كانت إعادة نشر القوات التي تخطط لها إدارة أوباما خطوة معزولة، فربما لم تكن لتسبب الكثير من القلق في القدس والقاهرة. لكن على العكس، في منطقةٍ حيث لا تُرى التصورات كحقيقةٍ فقط، ولكنها عادة ما تخلقها، فإن أي تغير في عمليات القوة متعددة الجنسيات سوف يتخذ أبعادًا أكبر بكثير من إعادة تموضع قوة في حجم كتيبة صغيرة.
في إطار تردد أوباما بشأن تخصيص موارد كبيرة للقيام بتدمير تنظيم الدولة الإسلامية، فإن إعادة نشر القوة متعددة الجنسيات سوف تبدو كخطوةٍ أولى تجاه التخلي عن الالتزامات الأمريكية بموجب اتفاقية كامب ديفيد، والتي تشكل الأساس لمليارات الدولارات التي حولتها واشنطن إلى كلٍ من مصر وإسرائيل منذ عام 1979. وتمامًا كما ستستمر مصر وإسرائيل في العمل معًا في سيناء، فإنه من المرجح أن يحاول كليهما تقوية علاقاتهما المتنامية بالفعل مع روسيا، التي كانت يومًا وتعود اليوم لتصبح القوة الكبرى الأخرى في الشرق الأوسط. سوف يسفر ذلك عن تسجيل انتصارٍ استراتيجي محتمل لفلاديمير بوتين، وزلة أخرى كبيرة لإدارة أوباما.