الرئيسيةبارعات العالم العربيمنظمة همسة سماء
الفصل الاول :عقول بلا عمق، جيل بلا تفكير- حين يغفل المجتمع المعنى، ويحتفل بالتفاهة
بقلم الدكتورة فاطمة ابوواصل اغبارية
السطح يحكم والعمق يُنسى
في زمنٍ صار فيه البصر أقوى من البصيرة، والمظهر أهمّ من الجوهر، تحوّل السطح إلى قانونٍ يحكم، وأصبح العمق ترفًا لا يحتمله كثيرون.
أيُّ بؤسٍ هذا أن يُقاس الألم بدرجة الإضاءة في الصورة، وأن يُختزل الفكر في جمال الإخراج؟
العقول التي لا ترى أبعد من حدود العين هي التي أنجبت بؤس المدارس وضياع الفكر، ومع آباءٍ وأمهاتٍ يقيسون النص بابتسامةٍ أو لونٍ، كيف ننتظر جيلًا يقرأ أو يفكر؟
وجعٌ يمشي بيننا
نكتب عن وجعٍ يسير في أروقة المدارس، عن جرحٍ ينزف في قلب الوطن، وعن طالبٍ رحل بلا سببٍ سوى غياب العدالة…
لكن العيون تمرّ سريعًا، تبحث عن ابتسامةٍ في صورة، أو لونٍ في الخلفية، وكأنّ المعنى الحقيقي لا يُرى إلا بعدسات الهواتف.
حين تُصبح التفاهة ثقافة
ما أصعب أن نعيش في مجتمعٍ نسي جوهر الأشياء، وانغمس في تفاصيل تافهة، حتى غدا كلّ حزنٍ وزمنٍ مريرٍ مجرد زخرفةٍ بصرية!
السفاسف صارت عنوان الفكر، والمظاهر صارت ميزان القيمة.
وحين تغيب الفكرة، يحلّ البريق محلّها، فنغرق جميعًا في ثقافة السطح التي تبتلع الوعي ببطءٍ وهدوء.
السطحية تُنبت جيلًا ضائعًا
العقول التي لا تقرأ إلا بما تُرى بالعين، هي ذاتها التي تزرع بذور البؤس في مدارسنا وجامعاتنا.
ومع أجيالٍ تربّت على المظاهر، لا على الفكر، تُصبح القراءة فعلًا نادرًا، والتفكير عبئًا.
كيف نأمل جيلًا ناقدًا ومفكرًا إذا كانت القراءة نفسها تُستبدل بالصور اللامعة والمقاطع العابرة؟
الكلمة تصرخ بصوتٍ أكبر من الصورة
نمرّ على النصوص الصادقة كما يمرّ أحدهم على واجهة محلّ: نلتقط ما يُسلي ونترك ما يُربّي الفكر.
ولا نعلم أن الكلمة الصادقة تصرخ بصوتٍ أعلى من كل صور العالم، وأن الحروف قد تحمل من الألم ما لا تحمله آلاف اللقطات.
المأساة الحقيقية
ما أصاب مدارسنا وجامعاتنا من ضياع ليس وليد المناهج وحدها، بل هو نتاج مجتمعٍ اختار الرتوش على الجوهر، والظاهر على الحقيقة.
مجتمعٌ فقد حسّ العمق، واعتاد على السطحية، حتى صار المعنى ثقيلًا والفكر مملًّا، وكأنّ التأمل ترفٌ لا طائل منه.
صوتنا الأخير
ما أكثر الأصوات، وما أقلّ العقول!
وما أكثر التعليقات، وما أقلّ من يقرأ بنصف إنصاف!
حين يصبح النقد خفيفًا كريشة، والمعنى ثقيلًا كجبل، ندرك أننا نقترب من العمى المعرفيّ، حيث يُحتفى بالضجيج ويُغتال الوعي في صمت.
لن نتوقف عن الكتابة
سأكتب، وسأظل أكتب.
لأن الكلمة هي الدرع، والمرآة، والنور الأخير.
علّها توقظ شيئًا من الوعي قبل أن تُبتلع العقول في دوامة السطحية، ويختفي المعنى بين ضجيج التفاصيل التافهة.
لن يُبنى جيلٌ يفكر ما دام المظهر هو المعيار، وما دامت العقول السطحية تُنجب مجتمعاتٍ تبحث عن البريق لا العمق.
دمتم بخير ووعي
✒️ الدكتورة فاطمة أبوواصل إغبارية
جميع الحقوق الفكرية والأدبية محفوظة

