الرئيسيةمقالات

* لقاء الغرباء

لقيته ذات يوم بحديقة الحب سابقا تقع على القرب من قصر المؤتمرات
وجدته مستلقيا على العشب الأخضر يداعب ورقات بيضاء ناصعة تختطف الأرياح بعضها من حين لأخر .
عرفته أول مرة في ليلة شديدة القر كثيرة المطر .إرتبكت فرائصي وأقشعر جلدي ووقف شعري كالسنابل . كان ذلك في قاعة سنمائية بسيطة تسمى الحمراء نادرا ما يدخلها مترفو المدينة فلا يختلف إليها إلا الحلاّقون والقصّابون والفلاّحون واللحّامون والنجّارون والحدّادون اي كل من الطبقة الشغّيلة الكادحة وبعض التلاميذ والطلاب والغرباء عن المدينة الذين يقضّون الليل في غسل الصحون بالمطاعم والذين يضحّون بساعات نومهم في تنظيف مراحيض المطار والقاعات الفخمة بالبلاد
كانت القاعة بسيطة متواضعة وكان الفيلم المعروض في تلك الامسية بعنوان ” وحدثت ذات مرة الثورة ” أذكر جيدا أننا جلسنا بالقرب من بعضنا ولكني لا أذكر كيف بدا الحديث بيننا . تحدثنا عن بلادنا وعن الوضع الإجتماعي والسياسي وعن مواضيع شتى منها الديبلوماسية وغيرها مواضيع كانت مبتورة لضيق الوقت .
وبإنتهاء الفيلم وشوشت له بأذنه
-ما قولك في “سرجيو ليوني” ؟
فأجابني بإقتضاب
-بهبار وبوّال
ضحكت لرده ثم سألته مرة أخرى
– ما رأيك أن كان لدينا ممثلون مثله
لم يجبني هذه المرة بل أكتفى بالقول
-سنلتقي في مرة أخرى
خرجنا من القاعة فإنطلق بإتجاه باب بحر وإنطلقت بإتجاه ساحة المنحي بالي منها لساحة البرتغال سابقا حيث محطة الحافلات
وبعد مدة طويلة إلتقيته بهذا المكان المعشوشب الأخضر الفائح بشتى روائح الزهور يداعب ورقات بيضاء ناصعة تتخطف الأرياخ بعضها من حين لأخر . سلم علي سلاما حارا ثم أمرني بالجلوس الى جانبه ففعلت وسألته في غير كلفة
– هل بقيت تتذكر ذلك البهبار البوال
فإرتسمت على ثغره إبتسامة وأجاب
-ما أكثر البهبارين والبوالين
سكتنا هنيهة ومرت ريح خفيفة أرادت أن تعبث بورقاته فمسكها بكلتا يديه ثم نزع( فيستته) وغطاها بها . توجهت اليه بسؤال
-هل تكتب رسالة الى الاهل
قال في جدية
أني أعد رواية في شكل أطروحة جديدة
فإستفز جوابه إهتمامي فعدت اسأل
-عن الادب والثقافة والإعلام ؟
فقال في لهجة فيها إزدراء
-سخفات
إندهشت لجوابه ثم سألته من جديد
-إذن في الجغرافيا؟
لم يغير من لهجته وقال
-سخافات
فكرت مليا ثم قلت
-أبي نواس
فقال
-لن تكون الاطروحة الأولى
-عن الفن المعماري وناطحات السحاب وانا مشرأب العينان نحو اسم نزل ابى نواس
-الوقت ثمين
-إذن أخبرنا يا….
– يوسف وانت ؟
-محمد
وقال محمد وقد نظر الى الأفق البعيد
-إني أعد أطروحة عن قبيلة القمبار الموجودة بافريقيا السوداء وهي تحكمها ملكة أسمها تاكيبا
فسألته في جدية
-ومن أين إليك هذا الاختيار لهذه القبيلة المجهولة ؟
-أنها قبيلة عربية وأقل من الثلث من سكانها مسلمون
فقلت مندهشا
-ومتى كان العرب يجعلون على رأسهم أنثى ؟
-انهم عرب سود لا يؤمنون أبدا بقيمة الرجال ولا برجولتهم لأن سبب هزيمتهم ووقوعهم تحت سيطرة البيض هو تواطؤ ملوكهم الأولين مع ملوك البيض ومنحهم إياهم حق التجارة الحرّة في أرض السود فإستعاضوا عن الرجل بالمرأة وقدموها في كل المهام السامية
سكت ردحا وأدهشني كلامه وبقيت أنظر إليه فاغر الفاه . ثم أخذ يتصفح الأوراق التي غطاها قبل حين( بفيستته )
وأخرج منها بعد عسر ورقة محبرة ثم عاد يقول مافيها
* نشأة قبيلة القمبار
*إنتخاب تاكيبا بالاجماع على قبيلة القمبار
*المرأة والإسلام في نظرة الفلاسفة المسلمين
* المنجزات التي حققتها تاكيبا
-إزدهار التجارة والزراعة عند القمبار
-العادات والتقاليد
-التراث الشعبي وأسباب إنتشاره
-قبيلة القمبار من أشهر القبائل الافريقية في حذق دق الطبول يحتل الطبالون فيها ثلاثة أرباع الفرقة الموسيقية
القبيلة تفكر في إرسال فرقتها الى القبائل المجاورة لتمثيلها في مؤتمر الموسيقى وتوصيتها بتقديم فاصل طبلي كإنتاج محلي وتراث أصيل
هذه رؤوس اقلام لأطروحتي وسنلتقي إن شئت السنة القادمة في نفس المكان وأقرأ عليك فصولا كاملة من هذه الاطروحة
قام وصافحني مصافحة حارة ثم حمل أوراقه وفيستته ومضى .
أخرجت من جيبي بلوك نوت ودونت موعد السنة المقبلة.

محمد طه العمامي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق