مكتبة الأدب العربي و العالمي

#برهان_وحسناء_وادي_الياقوت الجزء الرابع الضفدعة المتوحشه

في أحد الأيّام خرج الأمير برهان الدّين للصّيد في الغابة بعدما سمعه من جمالها ،وكثرة حيواناتها ،طارد الأمير ورفاقه الغزلان، لكنها كانت تفرّ في الغابة الكبيرة ،و تختفي بين النباتات الكثيفة ،وهذا ما زاد في بهجة الأمير. فهو لا يحبّ السّهولة، و يفضّل أن يتعب لصيد فريسته ،قال أحد الصّيادين للأمير: يبدو أنّنا لن نصطاد شيئا اليوم ، قال برهان الدين :سنرى ذلك ، لا يجب أن نقترب ،وأكثرنا دقّة في الرّمي هو من سيربح اليوم .بعد قليل شاهد ظبية أ،خذ قوسه ،ووضع سهما ،ثم أطلقه ، فأصابها في جنبها ،لكنّ الظبية تحاملت على نفسها ،وجرت إلى داخل الغابة .أسرع الأمير خلفها ،وقال في نفسه : سأتبعك ولو تعلقت بأذيال السماء . صاح به رفاقه: لا تبتعد فقد تضيع ، وتصبح طعاما للغيلان والوحوش، لكنه لم يستمع لهم، حاولوا اللحاق به لكنه إختفى عنهم ،ولم يعودون يرونه .
دخلت الظبية في شق بين جبلين ،ولكنّ الأمير كان مصرّا على اصطيادها، نزل عن جواده ،ودخل ورائها ، لكنّه وقف متعجّبا، فهذا المكان لا يشبه بقيّة الغابة، تبدو الأشجار أكثر ضخامة ،كانت الحشرات تطير ، وتصدر صونا مزعجا، شاهد اليعاسيب بحجم العصافير ،أمّا العقارب فكانت شوكتها كالسيف ،قال في نفسه : يجب أن أخرج من هنا ،وإلا هلكت ،هذه أرض الغيلان ،عندما دار رأى ورائه ضفدعة ضخمة كأنها بعير. أخرجت لسانها ،وأرادت اصطياده، لكنه ضربه بسيفه ،وقطعه ،فثارت، وقفزت وراءه ،فهرب، لكنّها لحقته ،أخذ قوسه ورماها في عينها ففقئها ،فصاحت صيحة عظيمة .
كانت قمر الزّمان في تلك الأثناء تقطف الزّهور، فسمعت الصّيحة ،قالت: سأرى ما يحصل ،لمّا ذهبت شاهدت برهان الدّين يتصارع مع الضفدعة التي حصرته بين الصّخور ،قالت في نفسها: لم أر إنسانا نجا من هذه الضّفادع المتوحّشة، لها مخالب لو ضربت بها حجرا لقسمته نصفين ،سأنقذ هذا الفتى لشجاعته ،لقد غطته الجراح ورغم ذلك لا يزال ثابتا . طلعت فوق الصّخور، وأدلت له حبلا وقات له : اصعد بسرعة وإلا مزّقتك .استجمع الأمير ما بقي عنده قوّة ،وصعد وعندما وصل سقط على الأرض دون حراك ،جرّته قمر الزمان إلى مغارة صغيرة ،وضمدت جراحه ووضعت عليها بعض الأعشاب وخلعت ردائها وغطته به ،وقالت لقد بذلت ما بوسعي وإن كان جسده قويّا فسيقاوم الحمى ،وسمّ الضّفدعة ،وإلا سيهلك .سأمر بعد يومين ،وأرى ما سيكون من أمره .
لكنها لم تقدر على الانتظار، فمنذ مدّة طويلة لم تر أحدا من الإنس، حملت طعاما وماءا وذهبت إليه، كان نائما، وقد سال منه عرق غزير حتى تبلل ثوبه ،قالت :هذه علامة جيدة ، قريبا ستنتهي الحمّى، ويخرج السمّ .غيّرت ثوبه ،وجدّدت ضماداته ،وأسندت راسه ليشرب ، تأمّلته قمر الزّمان ، كان الفتى جميل الوجه ،قويّ البدن ،تدلّ هيئته ،وأثوابه أنه من أبناء الأشراف ،لكن من يكون ؟
أصبحت تأتي إليه كلّ صباح، وبعد خمسة أيّام فتح عينيه ،ورآها بجواره ،قال: هل متّ ،وأنت من حور الجنّة ،ضحكت، وقالت: أنت حيّ ،لكن هنا جنّة الغيلان أمّا جنّة السّماء فلم يحن وقتها بعد ،يجب أن تأكل شيئا لتستعيد قواك ،لم اكن قادرة على إعطائك سوى الماء ،و شراب الفواكه . قال: لا اقدر ان أحرّك يدي، ردت: هذا من تأثير السّم ،لكنه يزول بعد مدّة هذه الضّفدعة تقدر على اصطياد فرائس أكبر منها بفضل سمّها الذي يشلّ حركتها ،فتأكلها وهي حيّة ،من حسن حظك أنّي كنت قريبة من هنا وإلا افترستك ببطء .
جلست بجانبه ،وأطعمته حتّى شبع ،وقالت له: عندما تتعافى عليك أن تخرج من هنا فالغيلان تعرف رائحة الإنس، ولا آمن عليك منها ، وسأدلّك على طريق الخروج ،و عليك ان تعدني أن لا تخبر أحدا بما رأيته، هذا المكان بقي على حاله من قديم الزّمان لأن البشر لم يعرفوه ، وأريده أن يبقى كذلك . قال برهان الدّين أعدك هذا سرّي وسأدفنه في قلبي.
بعد أيام  تعافى الأمير، واندملت جراحه ، وذات يوم جلس برهان الدين مع قمر الزمان في باب المغارة وقال لها أريد أن أسألك ماذا تفعل جارية حسناء في هذا المكان الموحش ، أجابت هذا المكان اسمه وادي الياقوت وأنا سيدة الغيلان والأقزام وكل الغابة المسحورة وما حولها من قرى، تعجب الفتى وقال إذن أنت ملكة التي يتحدث عن قوتها وحكمتها الشعراء والقصّاص.
كنت أعتقد أنك من خيال الناس ولا وجود لك ،ابتسمت ،ما قالوه هو الحقيقة لا شك في ذلك .قال لها أنا برهان الدين ابن السلطان النعمان ،أجابت لقد سمعت كثيرا عن عدله و مروءته ،ثم أضافت ما رأيك أن نتنافس في رمي السهام ،قال هيا لنرى ماذا علمك الغيلان، قالت هل رأيت ذلك الجذع به فجوة صغيرة ،قل لها إنه بعيد لا يكاد يرى ،أخذت قوسها ثم أطلقت السهم فمرق من الفجوة ،صاح الأمير هذا مدهش أنا أيضاً أقدر على فعل ذلك رمى سهمه فمرق أيضا من الفجوة ،تعجبت قمر الزمان وقالت كنت أعتقد أني الوحيدة التي يمكنها فعل ذلك .
سأذهب الآن ،وأنت إياك أن تخرج في غيابي ،عندما ابتعدت قليلا التفتت ورائها ،كان الأمير واقفا ينظر إليها ،أحسّت بشعور غريب ،فلقد كانت تحس بالسّعادة ،وبأنّ وادي الياقوت أكثر روعة وجمالا ..


يتبع الحلقة الخامسة

من قصص حكايا ألعالم الاخر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق