الرئيسيةبارعات العالم العربيمقالاتمنظمة همسة سماء
الكلمة التي سقط عرشها… والأمم التي نامت على أنقاضها
حقوق النشر: © 2025 الدكتورة فاطمة أبوواصل إغبارية – جميع الحقوق محفوظة

في الجاهلية، لم تكن القبيلة بحاجة إلى دستور مكتوب؛ كان شاعرها هو دستورها. قصيدة واحدة قد تعلن حرباً، أو توقفها قبل أن تُراق الدماء. الكلمة كانت قانوناً يُطاع، وسلاحاً أشد مضاءً من السيوف. لم يكن الشاعر زينة للمجالس، بل كان وزير إعلام القبيلة، ووزير خارجيتها، ودرعها النفسي أمام أعدائها.
ثم جاء الإسلام، فأخذ الكلمة إلى أفق أرحب. تحولت البلاغة إلى رسالة، والشعر إلى منبر للحق. كان الشاعر يُحارب بالكلمة، فيرد على السيف بسطر، ويصنع من اللفظة جبهة مقاومة. الكلمة إذن لم تكن حروفاً، بل كانت أمة تمشي على لسان رجل واحد.
أما اليوم؟
أمة بأكملها تكتب، تغنّي، تخطب، ترفع آلاف الشعارات… ولا تهتز شعرة في ميزان القوة. صارت القصائد ترفاً ثقافياً، لا وقوداً للأمة. غابت الكلمة عن ساحات القرار، وانسحبت من مجالس الحكم، لتستقر في مقاهي النخبة وصفحات التواصل.
السبب؟
- السلطة اغتالت الكلمة: حوصرت القصيدة داخل قوالب الاحتفالات الرسمية، وصار الشاعر موظفاً يصفّق أكثر مما يهتف.
- الجماهير نامت: لم تعد تصغي، صارت تستهلك. تستمع للقصيدة كما تستمع لإعلان تجاري.
- المعركة تغيّرت: من كان يملك قديماً بيت شعرٍ يملك جيشاً، أما اليوم فالأمم الضعيفة تملك دواوين عظيمة… لكنها بلا حرية، بلا قرار، بلا فعل.
إن الشعر لم يمت، لكنه مُكبَّل. الكلمة لم تُقتل، لكنها أُسرت في أروقة الاحتفالات. الأمة هي التي نامت، ونامت معها كل المعلقات.
ما قيمة معلقة تُقرأ في قاعة مغلقة بينما الأرض تُنهب؟
ما جدوى قصيدة تُصفق لها أيادٍ مخدّرة بينما العروش تُبنى على جراح الناس؟
لقد آن الأوان أن نعيد للكلمة عرشها:
- أن تتحول القصيدة من زخرف إلى موقف.
- أن يخرج الشعر من المهرجانات إلى الشوارع.
- أن يصبح البيت الشعري سلاحاً ضد الظلم، لا هدية في حفل تكريم.
صرخة الضمائر أيها النائمون…أفيقوا!
الكلمة تصرخ، والقصيدة تتلوى في سجون الصمت، والأمة تموت بلا ضجيج.
انفضوا عنكم غبار الرتابة، وانظروا حولكم: التاريخ يُكتب بلاكم، والثقافة تُسرق، والمستقبل يُباع.
هل ستسمحون لعروشكم أن تُبنى على جراحكم؟ هل ستتركون الكلمة صامتة، بينما الجهل يحتفل بالانتصار؟
قفوا الآن، لا لتقرأوا فقط، بل لتفعلوا.
لتصبح القصيدة صوتكم، والكلمة سلاحكم، والضمير جيشكم.
لن يعود العرش للكلمة إلا حين تعود الأمة للأذن الواعية، والقلب الصادق، والعقل اليقظ.
استيقظوا… فالمعلقات لم تفقد قوتها، أنتم الذين ضيعتم القدرة على الاستماع.
لقد آن الأوان أن نعيد للكلمة عرشها:
- أن تتحول القصيدة من زخرف إلى موقف.
- أن يخرج الشعر من المهرجانات إلى الشوارع.
- أن يصبح البيت الشعري سلاحاً ضد الظلم، لا هدية في حفل تكريم.
لن يعود العرش للكلمة إلا حين تعود الأمة للأذن الواعية، والقلب الصادق، والعقل اليقظ.
استيقظوا… فالمعلقات لم تفقد قوتها، أنتم الذين ضيعتم القدرة على الاستماع استفيقوا . وإلا سنبقى نعلّق قصائدنا في المتاحف، بينما تُكتب تواريخنا بأقلام غيرنا.

