ان تقدم دار دلمون الجديدة على هذه المبادرة الطيبه لتوجيه تحية إلى ذكرى المطران هيلاريون كبوجي يشكل بداية محاولة صادقة لتصحيح الخطا المرتكب بحق هذا الرمز القومي المقاوم .
الخطأ ناجم عن التقصير بحق المطران و تجربته الرائدة في مقاومة الإحتلال و خرقه المحظورات المسلكيه التزاما بواجبه القومي و الإنساني في فترة من التاريخ لم يكن قد ظهر فيها ما صار يعرف في الكنيسة الكاثوليكية ب” لاهوت التحرير ” .
وهنا فعلا يجب ان يطلع جيل الشباب على سيرة هذا الرجل الاستثنائي الذي نوجه إليه اليوم تحية ، مجرد تحية ، ولا اقول تكريم لأن تكريم إنسان من طينته و مثاله يكون من خلال تحرير فلسطين ، تماما كحال الشهداء الذي لا يليق بهم تكريم أقل من تحرير كامل فلسطين التي من أجلها قدموا الشهاده .
المطران كبوجي سوري حتى نخاعه العظمي ، يعتبر ان الإنتماء السوري انتماء استثنائي و يستوجب مسيرة حياة تليق بهذا الإنتماء . و هو بالتالي مسؤولية ترقي من مستوى حاملها بقدر ما تحتم عليه موجبات لا تترتب على حاملي أي هوية أخرى .
ماذا يعني ان تكون سوريا ؟؟؟… موضوع كان يطرحه معي دائما و يسترسل في شرح معنى الإنتماء لسوريه … سوريه أعظم مصهر للثقافات و الأعراق و الاثنيات و الأديان و اللغات صقلت العربية بألوانها الاخاذة وجذورها المتنوعة ما أولد العروبة الحضارية التي شع نورها و تألق فصارت هي المنارة الجذابة و البوصلة المضمونة التي لا تخطئ السبيل القومي .
ضمن هذا المفهوم كانت قناعة المطران كبوجي بسوريته تحمل دعوة للناس ، كل الناس ، إلى التأمل مليا بهذا المصهر الحضاري العظيم الذي هو نقيض لكل العنصريات و منها العنصريه الصهيونيه بخاصه .
ماذا يعني ان تكون سوريا ؟؟؟… و يجيب المطران كبوجي : سوريه رسالة إلى الإنسانية جمعاء ، لذلك هي مستهدفة من الاستعمار الشرير ، البربري ، المتمثل بالغرب و هو « بربري بطبعه » كما كان يردد دائما و قناعاته في ذلك ظلت تترسخ أكثر فأكثر حتى سلم الروح لعاطيها .
كان مبدأ الإنتماء الوطني-القومي شديد الوضوح عند المطران المقاوم ، فيعبر عنه كالآتي :
ان تكون سوريا يعني ان تحمل فلسطين في عقلك و في قلبك .
هذا ما يفرضه الإنتماء إلى هذه الأرض التي اولدت الحضارات العظيمه ما جعل من هذه الأمة هادية للأمم .
هكذا يكون الإنتماء إلى سوريه بحد ذاته ثقافة . و كان المطران يعيش هذه القناعه بكل جوارحه . لذا أشدد على القول بضرورة ان بتعرف جيل الشباب على سيرة المطران كبوجي لأنها مدرسة بكل معنى الكلمه ، مدرسة في الوطنية كما في الثقافة .
– وأعود إلى نقطة البداية المتعلقة بخرق المطران كبوجي المحظورات المسلكية ولجوئه إلى السلاح في معرض مقاومة الإحتلال الصهيوني لأرض فلسطين . بدأ ذلك مع تأسيس اول خلية مقاومه مسلحه في القدس منذ الايام الأولى للإحتلال . يعني أنه استبق صدور لاهوت التحرير عن الفاتيكان ب 19 سنه اذ لاهوت لاهوت التحرير صدر عام 1986 و جاء فيه أنه في حال تعرض شعب ما للظلم مدة طويلة يصبح من الطبيعي في نهاية المطاف ، و بعد استخدام كل أشكال المقاومه غير العنفيه ، ان يلجأ إلى السلاح شرط عدم تعريض الأبرياء للظلم . يعني ان الفاتيكان أعطى مشروعية ، ولو متأخرة ، لخيار المقاومه المسلحه في حالة الدفاع عن فلسطين و بهدف تحريرها من نير الإحتلال .
و هنا ايضا ادعو جيل الشباب للانتباه بدقة و تمعن إلى الآتي :
– المطران كبوجي لم يقلد أي ظاهرة سابقة من ظواهر المقاومه المسلحه التي شارك فيها كهنة كاثوليك كما في أمريكا اللاتينية و أفريقيا و الذين كانوا على خلاف شديد مع الفاتيكان بل و على عداء شديد معه ، وهم ما درج على تسميتهم أحيانا بالكهنة الحفاة في إطار ما سمي بكنائس الشعوب . هو لم يقلد احد إذا بل إن لاهوت التحرير التقى به . و اما السبب في ذلك فيعود إلى قناعة مطران القدس كبوجي بأن سوريه أمة خصها ألله بما لم يخص به غيرها لا من قبل ولا من بعد اذ أنعم الله عليها ب لاهوت قومي متمثل بالرسالتين السماويتين المسيحية و الإسلام ، وهما بحكم الموروث المتوارث عبر الأجيال مع تنوع حقبات الازمنه تشكلان جزءا لا يتجزأ من جناتنا الثقافيه ، ناهيك عن كون العلاقة وثيقة بين الرسالتين إلى حد يمكن فيه القول ، بل الجزم ، بأنه لا يكتمل اسلام المسلم إلا بمسيحيته ….
– عودوا إلى القرآن تجدون هذه الحقيقه ظاهرة متألقة جذابه … و بذلك يكون المطران كبوجي قد مارس المقاومه من خلال التزامه بلاهوته القومي .
هذا هو المفهوم الصادق للدين ، و ما سواه من طائفيات و مذهبيات حقيره ثبت بما لا يقبل الشك بأنها تجارة طائفيات و مذهبيات قطعت منذ أزمان و أزمان حبل السره الذي كان يربطها بالدين و باتت مشتبكة مع الدين معادية له في الواقع العملي ، و بأت روادها أهل فتن يستخدمهم الإستعمار لتدمير بلادنا و سماسرة بيع عقارات وهمية في الجنه .
و هذا ما يميز كبوجي عن غيره من مرتدي الزي الذي درج على تسميته بالزي الديني …هذا ما يميزه هو … هو الذي استحق سوريته و استحق عروبته الحضارية و استحق مسيحيته فصار خير قدوة لجيلنا وللأجيال التي لم تولد بعد .
من الأجيال الشابه ان تقبل إلى الاطلاع هذه التجربه الانسانيه ، الوطنيه ، الثقافيه ، الدينيه الواجب تعميم نموذجها .
المطران بموجب كما عرفته ؟…
هو طفل كبير ، بعيني نسر مجروح ، يجر أحزانه العميقة عمق جذور ذاك الفرح المهاجر من أرض كنعان .
رقيق يذوب لطفا و تهذيبا و خفة ظل و استعداد بركاني للخدمة و الأغاثه…وقبل كل شيء ، و بعد كل شيء ، هو عاشق سوريه عاشق فلسطين عاشق العروبه … يطيب له ان يطرب ولا يشبع من سائليني يا شام و قرات مجدك في قلبي و في الكتب ولا يشبع من زهرة المدائن و من جسر العوده و كم و كم عشت تدفق دموع العشق الجريح المنهارة من عيني النسر عينيه … خصوصا ، خصوصا و هو يردد شعرا لمحمد يوسف حمود جاء فيه :
ما خطونا خطوة إلا ذكرنا ميسلونا
و سمعنا من فلسطينا نداء اسكندرونا
فاطمئني يا بلادي نحن في يوم التنادي
لن تكوني لسوانا يا شرايين دمانا
سوريانا سوريانا
صفحة الاعلامي جورج جلوي