الرئيسيةمقالات

تربيّة أبنائكم ( طلّابنا) / نديم شرقاوي

حضرة أولياء الأمور الكِرام
تحيّة وبعد
الموضوع: تربيّة أبنائكم ( طلّابنا)
سلامي لكلّ امرأةٍ أرادت أن تكونَ أُمًّا فذاقت ثِقَل الحمْلِ وآلام المخاض ، ذَرَفت دمعًا حتّى وَلَدَت فابتَسَمتْ
لكلّ رجل أرادَ أن يكونَ أبًا حقيقيّا جوهريّا بعيدًا عنِ كلّ أشكالِ العبوديّة الذّكريّة المستوطِنة في أرجاء عاهات المجتمعِ البائس المُتَصَنِّع أمامَ جبروت وطاغوت النّفوس المريضة المُهَيْمِنة على هذه الأرض الطّيّبة
أبعثُ إليكم تحيّةَ عِتابٍ ولوْمٍ كبيريْن مِن حُرقَةِ يوميّاتِ معلّم
شديدة الأسى على ما آلت إليه نفوسنا وأشدّ أسَفًا على ما وصَلْنا إليه اليومَ
قصّتي وقضيّتي هي قصّة الملايين ممّن يعانون مثلي لكنّ الفرق بيني وبينهم أنّني قرّرتُ كسْرَ حاجِزِ الصّمتِ واختِراق كلّ طريقٍ تسير والتّيّار مستسلِمَةً من أجلِ نيْلِ المكاسب والمصالح وكسْب الوجوه الزّائفة للاستِمراريّة بلا مناص خائفين من تيه المصير والتّغيير
أسمحوا لي أيّها الكِرام أن أستهِلَّ حديثي وأبدأ بما قاله أمير الشّعراء في قصيدته ” العِلم والتّعليم ” فقال:
ليس اليتيمُ مَن انتهى أبَواهُ مِن همِّ الحياةِ وخلّفاه ذليلا
بل اليتيم الّذي تلقى له أُمًّا تَخَلَّت أو أبًا مشغولًا ”
أصبحنا نعاني من غياب الوالِديْن عنِ أبنائهم في مدارسِنا
وحين يستدعينا الأمر بطلب الحضور فيحضِر أحدُهما أو لا أحد
وغالِبًا ما بتنا نفتقِد الصّوت والحضور الأبويّ بسبب انهماكه بالعمل
وما فائدة العمل وكسب المال في سبيل نيْل لقمة العيش التّي تصبّ في نهاية المطاف في السّفر وشراء الملابس باهظة الثّمن واللّهو في ملاذّ الحياة والعِناية بالشّكل والمظهر متجاهلين مبتعِدين عن جوهر رسالة الوالِديّة إن صحّ القوْل ؟
ما فائدة التّعب الجسديّ واحتمال ضغوط المهام اليوميّة والمشاقّ ليلَ نهار
إن لم نُحسِن العمل على تربية أبنائنا وكسب محبّتم وتعزيز ثقتهم وتواجدهم بحياةٍ صحّيّة سليمة لمجابهة ما يعتريهم في الحياة؟
أذكُر جيّدًا حين كنت أتعلّم في المدرسة قبل أن أختار هذه المهنة السّامية ، أنّ الكلّ حضَرَ وشارك في اتّخاذ القرار
لم يكن أيّ فرد يقفُ على الهامِش كما نرى اليوم ، حضَر الطّالب والأهل والمعلّم والمدير حتّى أغلقت الفجوة وحُلَّت المشكلات
وأمّا اليوم لا أجد دافعيّة لدى الطّلّاب للتّعلّم وكسب المعرِفة
لا ثقافة ، لا حضور ولا شعور ! والسّبب أنّه متأكّد كلّ التّأكيد من عدم مقدرة تواجد أهله في المكان
على الرّغم من تقدّم كلّ الأشياء وتوفّر كلّ الاحتياجات الّتي أعتقِد أنّها السّبب الرّئيس الدّاعِم لما نحن عليه اليوم .
لماذا ؟
وهل باتت مهنة المعلّم تشكِّلُ عبئًا يومِيًّا لأنّه أصبح وحيدًا في باحةِ الملعب
عليه أن يكون آلةً تدير كلّ الأشياء في آنٍ واحِد بكبسة أزرار !
أينكم أيّها الأهل الأعزّاء مَعَنا ؟
لماذا تصحون من سُباتكم وتثبتون حضورَكم فقط عندما تحدث مشكلة ما أو تلاحظون علامة ابنكم المتدنيّة في نهاية الفصلِ الدِّراسيّ
أين أنتم في مسيرتنا التّربويّة منذ البداية؟
بمَ تنشَغلون؟ ما الشّيء الأكثر أهميّة من متابعة ابنائكم كلّ لحظة؟
كيف تعيشون معهم وكيف تقضون وقتكم ؟
ماذا تعرفون عنهم ؟
هل حضرتم اليوم للمدرسة فجأة وألقيتم النّظر عليهم من نافذة الصّف لتراقبوا حالهم؟ أم ما زلتم تنتظرون هاتف المعلّمة لتشكو لكم وتتضجّر من حالهم ؟
أتعجّب من حضور الطّالِب صباحًا إلى المدرسة بزِيٍّ لا يليق بالمدرسة ، تُرى من المسئول؟
وحين تسأل الطّالب عن سبب عدم ارتِدائه لزيّ المدرسة الموحّد يجيب بكلّ استهزاء بأنّ ملابسه في الغسيل ..بالله عليكم أيّها الأهل أهذا جواب مقنِع؟
تشترون لهم ما هبّ ودبّ من ملابس ملوّنة واخرى ممزّقة تتماشى والعصر ولا تملكون المال لشراء مجموعة مخصّصة من زيّ المدرسة الّتي تليق بحضورِه كطالب في المدرسة ؟
وأعتقد أنّ معظم الطّلّاب اليوم يملكون هواتف ذكيّة فلماذا يحضر ابنك متأخِّرًا صباحًا ؟ هل اتّصلت به أيّها الأب الكريم المواظِب على عملِك وسألته فيما إذا وصل المدرسة بالوقتِ المُحدَّد؟
هل راقبت محتوى هاتفه وما يغوص ويغرق به كلّ يوم ؟
هل راقبته صباحًا وأمعنت النّظر في حقيبتِه وكتبه وما تحتويه الحقيبة من زادٍ وعِتادٍ مدرسيّ؟
هل حاولت مراقبة احدى واجباته المدرسيّة المطلوبة اليوم بشكلٍ مفاجئ ولو بطريق الصّدفة ومن باب الفضول ؟
للأسف معظم الطّلّاب يعودون لبيوتهم لا يراجعون ولا يعيرون أيّة أهميّة للوظائف والدّروس لدرجة أنّه يحضر للمدرسة في اليوم التّالي ولا يعرف بتاتا ما حديث أو موضوع الدّرس ويبدأ المعلّم يصارع المواد القديمة من جديد على مضض
إذًا كيف وماذا تتوقّعون أن تكون الحال؟
لا دُخان بدون نار
المسئوليّة تقع أوّلًا واخرًا على كهولنا كأهل
المعلّم انسان أيضًا ولا يستطيع البقاء مصارِعًا في حلبَةِ الضغط اليّوميّ من تعليم وتوجيه وتربيّة ومراقبة وتطبيق وتحليل واحتواء ومواجهة ما يُحتَمل وما لا يحتمل …
وكيف يجرؤ أبنكم على التّمادي والصّراخ في وجه معلّمه وكأنّ المعلّم من فئة جيله؟
كيف يسمح لنفسه وبأيّ دافع يقوى على فتح باب غرفة الصّفّ أثناء الدّرس والخروج بلا استئذان وكأنّ المعلّم شفافًا لا وجود له ؟
كيف يشتم زميلته ويمسّ بعِرضِها وهي تضحك وربّما تردّ عليه بنفس مستوى الكلام المتسفّل؟
كيف يتنمّر على زملائه في المدرسة بدون اكتراث لأحد ؟
كيف يسمح الطّالب لنفسه بالقيامِ من مكان جلوسه والتّنقّل بحرّيّة فجأة بين زملائه أثناء الحصص بحجّة أنّه يعاني من فرط حركة وصعوبة في التّركيز ؟ وعلى المعلّم قبول ذلك والتّرحيب بالأمر
منذ متى وكانت هذه المواقف مسموحًا بها ومقبولة ؟
كثير من الأحيان نتوجّه للأهل بشأنِ سلوك ابنهما فيطلبون منّا مساعدة إعانة بشأنه
وماذا نتوقّع إذًا من الابن إن لم يقدر من أنجبَه على تدبير تربيته ؟
نعم من واجب المعلّم أن يكون انسانا مِهَنِيّا محِبًّا صادِقًا متنوِّعًا بأساليب تدريسه مثقّفًا عارِفًا متمكِّنًا منفتِحًا محتلَنًا قريبًا من عالم الطّالب وذهنه أبًا حقيقيّا أو أمّا حقيقيّة لكنّه ليس ساحِرًا قطُّ .
مشكلتُنا الحقيقيّة أنّنا قبلنا ما لا يقبله عقلٌ أو دين !

أخيرًا وليس آخِرًا أتوجّه لكلّ والدة ووالد حقيقيْن بأخْذ الموضوع على محمل الجدّ بحذافيره
واقعُنا بات مؤلِمًا ولا يمكن التّخلّي عن الواجب !
التّربيّة التّربيّة قبل أيّ تعليم
عزّزوا قيمة الاحترام
المحبّة
التّواضع
تقبّل الآخر كما هو
التّحلّي بالصّبر
وحبّ القراءة
لا تحلّلوا الحرام وتحرِّموا الحلال كما تشاء أهواؤكم
والممنوع لا ينبغي أن يكونَ مرغوبًا البتّةَ
علّموه أنّ المدرسة بيته الثّاني وغرفة الصّف هي غرفته
وزملاءه اخوته ومعلّميه أهله
وواجبه الانصياع للقوانين لتجنّب إحداث الفوضى
أفهِموه حقّه واجعلوه يميّز بينه وبين الواجب
قولوا له أنّ المعلّم طيّب القلب الهادئ الّذي يحتويه ويتعامل معه باحتِرام هو مكسَبٌ له وممنوع استغلال واستنفاذ طاقاته ولا بأيّ شكلٍ من الأشكال
أبعِدوه قدر المستطاع عن كلّ سوء وأشغلوه بدورات وفعاليّات حسب ميوله استعاضةً عن الهواتف والغرق في قصص الحُبّ الوهميّ والصّداقات الافتِراضيّة والبرامج والمشاهد الإباحيّة
فيما يتلاءم والجيْب
إمّا أن نخلِقَ معًا التّغيير أو نبقى كما نحن برايَةٍ منكوسة نلقي اللّوْم على الآخرين وعلى الزّمان والظّروف ونشتم حضورَنا ونسبّ ولادتنا حتّى الموْت !
أنا أحبّ مهنتي هذه لكنّني بِتّ أفكّر ألف مرّة بالتّواجد بها فلا أستطيع أن أقبل بالموجود !

ة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق