قبل أكثر من عشر سنوات، في مستهلّ السنة الدراسيّة، وفي أواخر حصّة التعبير طلبت من تلاميذي في الصفّ التاسع قراءة المقدّمة، شارك الطالب الأول وقمنا بالتعليق على موضوعه وإعطاء تغذية راجعة ناقدة. بالكاد تبقّى للحصّة بضع دقائق، فرأيتُ طالبة تجلس في السرب الأخير تستميت لتقرأ. قرأت الطالبة مقدّمة موضوعها، ومع الكلمة الأخيرة منها رنّ الجرس فعلّقتُ بالإيجاب سريعًا على موضوعها وأشدتُ بكتابتها وأخبرتهم أنّنا سنكمل التعليق الحصّة القادمة.
بعد انتهاء دوامي رنّ هاتفي وإذ بوالدة الطالبة تعاتبني لأن ابنتها عادت إلى البيت محبطة بسبب عدم اهتمامي الكافي بما قرأته. فسّرتُ للوالدة ما حدث. فأبدت تفهمّها وحدّثتني عن ابنتها أنها تكتب الخواطر والشعر وتنشر في موقع محلّي في بلدتهم.
أذكر أن ضميري لم يتركني وشأني يومها، فقد لمتُ نفسي أن سببتُ للطالبة تلك المشاعر. دخلتُ إلى المواقع وبدأتُ أنبّش عن كتاباتها.
في اليوم التالي، دخلتُ إلى الصف، كتبتُ على اللوح أسماء 3 شعراء كبار مشهورين، ثم أوضحت لطلابي أني سأفحص مدى قدرتهم على استنتاج اسم الشاعر الذي كتب القصيدة التي سأقرأها لهم. بدأت بقراءة القصيدة التي كتبتها الطالبة ونشرتها في موقع محلّي، وبدأ الطلاب بالاستنتاج هذا يقول كتب القصيدة نزار قباني، وذلك يطرح اسمًا آخر وأنا أرصد الإجابات على اللوح بما يشبه لعبة التصويت. وفي الوقت نفسه كنت أسترق النظر الى الطالبة فأجد ملامح الدهشة والصدمة تعلوها.
قلت للطلاب: أعزّائي، من كتبت هذه القصيدة زميلة لكم تجلس بينكم! ثم كشفتُ عن اسمها فصفّقوا لها بحرارة وأثنوا عليها.
اتصال هاتفي من والدتها وردني مجدًدا ولكن هذه المرّة كان اتصالا يحمل من الانفعال والتقدير ما يحمل…
بكلمة واحدة يمكن للمعلّم/ة أن يغيّر مجرى حياة الطالب/ة..بتصرّف واحد يمكن أن يعزّزه أو يحبطه..