اقلام حرةالرئيسية

في حضرة الذاكرة ..(شتاء أيام زمان )…

محمد جبر الريفي

 

يعيدني فصل الشتاء دائما إلى أعوام ماضية كانت الأمطار لا تنقطع عن الهطول في غزة وفي وقت لم تكن هناك شبكة كهرباء كما هو الآن رغم انقطاعات لساعات طويلة حيث لا توجد مصابيح كهربائية في الشوارع ولا لمبات إضاءة كهربائية في البيوت إلا نادرا فقط عند بعض الميسورين من الناس فغالبية البيوت طينية ومعظم الشوارع ترابية وكل افران الخبز تعمل بالحطب ..حياة طينية أن صح التعبير كانت تسود في حياتنا لكنها مليئة بالدفء. .الدفء من البرد القارص الذي يجمد المياة والزيت ويسري في عروق الأصابع والدفء في العلاقات الاجتماعية حيث المحبة والمودة بين الناس من كل الفئات الاجتماعية فلا آحقاد ولا كراهية ولا نفاق ولا غش ولا انتهازية ولا وصولية ولا تسول مهني ولا تعصب عائلي وقبلي ومدني وجهوي. .شتاء غزة كان عامل وحدوي يقاسي فيه كل الناس بدون تمييز سياسي واجتماعي شراسة الطبيعة في هجمتها الجنونية القادمة عبر منخفضات جوية من الشمال والغرب والتي تستمر لأيام تمتلىء فيها الشوارع بالسيول التي تجرف أمامها كل شيء .. كل ما وجد على الأرض من أوراق دفاتر وشجر واعواد خشب وعلب سجائر فارغة وقطع زجاج صغيرة من بقايا أوعية مهشمة ..في بيتنا الطيني كنا نجلس في ليالي الشتاء الباردة حول كانون كبير من الطين كل واحد منا يمد يده للحظة فوق الفحم المتقد المتوهج ثم يسحبها ليعطي الفرصة ليد أخرى باردة وكانت يد امي رحمها الله تأخذ نصيبها الأكثر من ألدفء مما جعلني أدقق النظر في اصابعها الطويلة فارى العروق الزرقاء بارزة على قفا كفها. .أمي طويلة ونحيفة غير مكتنزة كباقي نساء الجيران اللواتي كن يجتمعن بجانب فرن التنور ومع كل واحدة منهن قرص كبير من العجين..دخان الأفران كان يتصاعد في شوارع حارتنا الترابية قرب المغرب فيشم المرء وهو يمشي رائحة الخبز من بعيد وها أنا في هذه اللحظة من استدعاء الذاكرة في فصل الشتاء حيث المطر والريح اترحم على خبز امي وقهوة امي …

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق