خواطر

العلم نور / اسماء إلياس

 

كل واحد فينا لديه موهبة مغمورة داخل الروح مستورة.. منذ صغري الكتاب لم يفارق يدي.. لهفتي عليه مثل لهفة طفل لوالدته، لذلك تكونت لدي ثروة لغوية لا بأس بها، كنت أقرأ بشغف منقطع النظير.. الرواية لم تكن تستغرق لدي أسبوعا، مهما كان عدد صفحاتها.. قرأت الرواية القصة القصيرة.. وأكثر ما شدني الأدب الروسي المترجم.. لعدة كتاب روس مشهورين.. والدي كاتب وشاعر، لديه عدة مؤلفات.. لذلك هو الذي جعلني أعشق الكتاب، أعشق المطالعة.

رامز إنسان موهوب، أحب المطالعة منذ نعومة أظفاره.. لكن والده الفلاح البسيط، الذي يمتلك قطعة أرض صغيرة بأطراف البلدة يزرعها بالخضروات

الموسمية.. لذلك لم يكن لدى رامز الوقت الكافي حتى يغني موهبته بالقراءة.. فهو الشاب الوحيد بين ست بنات.. المفروض أن يساعد والده كل يوم بعد عودته من المدرسة.. والده سعيد المسعود صحيح هو فقير لكنه محب للعلم وللثقافة، لذلك، دائما يشجع أبناءه على اتمام دراستهم، وأهم شيء المطالعة.. الذي قال لهم عنها: الأمي هو أعمى.. أما المتعلم فهو بصير.. يا أبنائي بالعلم تنهض الأمم من كبوتها.. وتصبح من مصاف الشعوب المتطورة.. لذلك أوصيكم بان تسيروا على هذا النهج، حتى تكونوا مؤثرين بالحياة.. فالإنسان الذي لا يترك أثرا بالحياة.. عندما يموت، ولا كأنه كان، لكن عندما يترك قبل مماته شيئاً مثل تأليف كتاب، فسوف يعيش أبد الدهر.. وأهم شيء أن يكون لديه سمعة طيبة.. من يسمع عنه يذكره بالخير.. وانا يا أبنائي أريد منكم أن تكونوا مثالا يحتذى به.. وهذه وصيتي لكم قبل أن افارق الحياة.

رامز استمع لنصيحة والده، وصمم أن يكمل دراسته الجامعية خارج البلاد.. فتح هذا الموضوع مع والده، الذي قال له: لكن يا ولدي نحن أناس فقراء، لا نمتلك بالدنيا سوى قطعة هذه الأرض، التي نعيش منها، كما تعلم.. نعم يا والدي أنا أعلم ذلك، لكن هناك مؤسسات تعطي منحا للطلاب الفقراء.. وقد قدمت طلبا، اليوم وصلتني رسالة بالموافقة عليه.. وأخرج من معطفه رسالة مختومة بختم رسمي.. النص: لقد وافقنا نحن مؤسسة النهوض بالشباب العربي، على منحك منحة تعليمية في المانيا.. مع فائق الشكر.. الاسم والإمضاء مع ختم المؤسسة.

عانق سعيد المسعود ابنه رامز.. وكانت الدموع ترقرق في عينيه.. قال له بصوت متهدج من التأثر.. ربي يوفقك يا ابني، أدعو لك كل يوم بالتوفيق.

بعد أن أنهى المرحلة الثانوية، سافر رامز بدعوات والديه.. سافر حتى يكمل تعليمه.. فقرر أن يدخل مجال الطب البشري.. حتى عندما يعود يفتح عيادة يعالج أهل بلدته الفقراء، والميسورين، لم يكن يفرق بينهم، لأن والده رباه على محبة الغير وتقبل الآخر.

بعد سبع سنوات عاد رامز مع زوجته الألمانية، وقد رزقا بطفل اسمياه سعيدا تيمنا بوالده.. فقد كانت زوجته عربية الجذور، من أب فلسطيني وأم المانية.

ومثلما وعد والده بقي على وعده.. لم يتخلّ عن حلم، لأن الغربة لم تغيره، بل زادته حبا وتمسكا بأهله وبأهل بلدته…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق