الرئيسيةمقالات

الاردن ينتظر بذعر شرك ترامب

 

هآرتس – تسفي برئ
(المضمون: صفقة القرن لا تبشر المملكة الاردنية بالخير. والملك عبد الله غير معني بأن تستخدم بلاده كوطن للاجئين الفلسطينيين، لكنه في نفس الوقت يخشى من تقليص المساعدات الاقتصادية ومن انتفاضة جماهيرية في الاردن. وايضا مصر ودول الخليج غير محصنة).
الاردن مرة اخرى يبحث عن ملجأ سياسي. عندما سيسمع رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو هذا الاسبوع في واشنطن تفاصيل صفقة القرن فان الملك عبد الله سيكون عليه تخمين جودة الشرك الذي نصبه له الرئيس الامريكي. وحسب تصريحات مصادر رفيعة في الاردن فان المملكة لا يزال يلفها الظلام، وهي لا تعرف ماذا سيكون نصيبها. التخمينات والتقديرات تستند اساسا على التسريبات في وسائل الاعلام الاسرائيلية، والتخوف الشديد جدا من تحويل الاردن الى وطن بديل للفلسطينيين.
“ما الذي يعنيه ضم غور الاردن بعد اعتراف ترامب بالقدس كعاصمة اسرائيل، واعطاها الاذن لضم هضبة الجولان، واعترافه بشرعية عدد من المستوطنات؟”، تساءل محلل كبير من الاردن في محادثة مع “هآرتس”. وحسب قوله “كل ذلك معناه أن الاردن كف عن أن يكون مركب جوهري في العملية السلمية. ولا يقل عن ذلك أن صفقة القرن تلغي حل الدولتين وهي تخرب المبادرة العربية من العام 2002 التي كانت دائما حجر الزاوية في أي اقتراح للحل. وهي تلغي حق عودة الفلسطينيين وتطالب الاردن باستيعاب مئات آلاف الفلسطينيين وربما الملايين”.
هذه التخوفات عبر عنها بشكل علني الاردن عند انعقاد مؤتمر البحرين في حزيران 2019، الذي قدم تفاصيل عن المساعدات الاقتصادية بالمليارات لفلسطين والاردن، حيث في اطار هذا الحل سيطلب من الاردن بأن يكون وطنا للفلسطينيين وأن يتحول الى دولة فلسطينية.
الاردن يواجه الآن ثلاثة تهديدات تعتبر تهديدات وجودية. التهديد الاول يتعلق بالضغوط المتوقعة عليه من قبل الادارة الامريكية كي يوافق على تبني صفقة القرن. وهذه يمكن أن تشمل تقليص المساعدات الاقتصادية والدعم العسكري واحباط مساعي الملك عبد الله لتجنيد الاموال من مؤسسات التمويل الدولية، وحتى تأييد طلب السعودية بأن تكون هي المسيطرة على الاماكن المقدسة في القدس.
التهديد الثاني والاكثر خطورة سيأتي اذا قرر الجمهور في الاردن الخروج للتظاهر ضد الصفقة وطلب قطع العلاقات مع اسرائيل، وحتى الغاء اتفاق السلام معها. والتهديد الثالث سيأتي اذا تبنت اسرائيل حقا صفقة القرن وقامت بضم غور الاردن والمستوطنات التي سيتم الاتفاق عليها، وبذلك تفصل الضفة الغربية عن الاردن. خيارات الاردن لمعارضة الصفقة محدودة.
لا يوجد للاردن أي بديل عن التحالف مع الولايات المتحدة والسعودية. ورغم محاولة التقرب من روسيا عن طريق الغاء القطيعة مع سوريا، إلا أن روسيا ليست بديل سياسي أو اقتصادي عن الدعم الامريكي. علاقات الاردن مع السعودية متوترة ليس من الآن، ضمن امور اخرى، على خلفية معارضة الاردن بأن يتم استخدام اراضيه كقاعدة هجومية على سوريا قبل اربع سنوات. وبعد ذلك بسبب تلميح السعودية عن نيتها أن تكون الوصية على الاماكن المقدسة.
ولكن السعودية ودولة الامارات ما تزال تشكل السند الاقتصادي الحيوي، حيث منحت الاردن نحو 2.5 مليار دولار في العام 2018 لمساعدته في اعادة تأهيل اقتصاد الدولة وتهدئة المظاهرات القوية التي اندلعت في بداية نفس العام. السعودية ودولة الامارات هما الركيزتان الاساسيتان لصفقة القرن وللدول التي وافقت في السابق على التطبيع مع اسرائيل. والمواجهة مع هذه الدول على خلفية تأييدها لصفقة القرن هي عملية خطيرة.
السؤال المقلق هو هل الغاء اتفاق السلام مع الاردن يمكن أن يستخدم كرافعة تهديد أو وسيلة ضغط من قبل الاردن ضد صفقة القرن. المنطق السياسي في الاردن يقول إن الغاء اتفاق السلام لن يلغي التهديدات التي تضعها صفقة القرن امام الاردن. وهو لن يردع اسرائيل عن ضم الغور، حيث أن هذا الضم لا يضر فقط الاهمية الاستراتيجية للغور، بل سيضر بالصراع السياسي في اسرائيل الذي يزداد بشكل عام حول اعتبارات استراتيجية. ولنفس السبب هو ايضا لن يمنع ضم المستوطنات.
إن الغاء اتفاق السلام سيبعد الاردن بشكل نهائي عن تأثيره ورعايته للاماكن المقدسة في القدس. وفي المقابل، سيحول الاردن الى جزء مما سمي ذات مرة “الجبهة الشرقية”، أي دولة عدوة. وفي النقاشات التي جرت في الاردن قبل سنة حول تداعيات الغاء اتفاق تأجير المناطق في غور الاردن وفي العربة، التي شاركت فيها شخصيات كبيرة في الجيش وفي الحكومة، طرحت ايضا مسألة اتفاق السلام الهش.
وحسب اقوال مصادر في الاردن فان الاستنتاج القاطع هو أن خيار الغاء اتفاق السلام غير موجود ومحظور أن يكون موجودا. لأنه سيفيد اسرائيل أكثر مما سيساعد الاردن. ولكن في الوقت الحالي، من شأن الظروف أن تتغير. ورغم تبني اتفاق السلام كمركب حيوي وحتى وجودي بالنسبة للاردن، من الصعب معرفة كيفية رد الاردن على انتفاضات عنيفة وجارفة من قبل جمهور واسع في المملكة، يعتبر نشر صفقة القرن فرصة للتصادم مع النظام حتى لاسباب لا صلة لها بالصفقة.
مصر غير معفية ايضا من ردة فعل شعبية
مصر تنظر في هذه الايام الى اللقاء المخطط له بين ترامب ونتنياهو وكأن الامر يتعلق بموضوع اسرائيلي – فلسطيني، أو على الاقل كصفقة اسرائيلية – امريكية لا تمسها. حتى الآن لم يسمع أي تصريح رسمي للرئيس عبد الفتاح السيسي أو من شخصيات رفيعة في النظام حول اللقاء المرتقب في واشنطن.
واذا حكمنا حسب الردود في الماضي على صفقة القرن، فان مصر ما تزال تتمسك حتى الآن بحل الدولتين، وتعارض ضم مناطق لاسرائيل وتعارض خطوات أحادية الجانب. يبدو أن مصر تعتمد على اسرائيل وعلى الخلافات السياسية فيها التي ستفشل الصفقة دون أن تضطر الى الانضمام الى الاصوات التي تعارضها.
مصالح مصر تتعلق بالاساس بالتطورات في قطاع غزة وبالطريقة التي سترد فيها حماس وسكان القطاع على عرض الصفقة، أكثر مما تتعلق بمضمونها. وخلافا للاردن، فان الصفقة كما هي معروفة الآن، لا تهددها، وإن كانت كنتيجة لها ستحصل على عدة مليارات من اجل تطوير مناطق صناعية مشتركة، مصرية – فلسطينية، التي هي بالتأكيد لن ترفضها. واعتماد حماس على مصر سيستمر، سواء تم تطبيق الصفقة أم لا، وأيضا اعتماد اسرائيل على مصر كوسيط في كل الصدامات التي يمكن أن تحدث نتيجة العرض الذي سيقدمه الرئيس ترامب.
ولكن ايضا الدول التي لا يتوقع أن تتضرر من الصفقة مثل مصر ودول الخليج، غير معفية من التخوف من ردود فعل الجماهير. واحياء القضية الفلسطينية في الخطاب العام العربي وظهورها مجددا في جدول الاعمال السياسي هو فرصة لاندلاع احتجاج مبرره سيكون في الصفقة، ولكن اساسه سيكون بسبب الاحباط والمرارة التي تراكمت خلال السنوات الاخيرة ضد الانظمة. وخلافا لضعف الرأي العام قبل اندلاع ثورة الربيع العربي، الآن يوجد لرد الجمهور مكانة وقوة ذات امكانية كامنة لاسقاط حكومات واملاء خطوات سياسية.
صفقة القرن استقرت في وسائل الاعلام العربية كصفقة غبية استهدفت تصفية القضية الفلسطينية، والسماح لاسرائيل بضم المناطق. والآن هي تظهر كـ “هدية” امريكية لبنيامين نتنياهو في جهوده للحفاظ على حكمه على حساب الفلسطينيين. واذا كانت المخاوف من اليد الحرة التي ستمنح لاسرائيل ضم المناطق ستتحقق، فمن الاحرى اذا تحقق هذا السماح أن يتطور الاحتجاج الى حركة عربية عامة تقتضي رد من قبل الحكومات. تسويق الصفقة في الدول العربية سيكون حينها مهمة مستحيلة، هذا قبل أن يكون بالامكان التطرق للضرر الذي سيحل بمكانة الولايات المتحدة في المنطقة.
المنبر الفتحاوي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق