مكتبة الأدب العربي و العالمي

حكايا من القرايا ” الجنّي ” عمر عبد الرحمن نمر

 

كان الصوت منها والفرج من الله، تصيح بصوت عالٍ كأنه صراخ ينادي على الناس كلهم، صوتها مخيف…أرعب عائلتها… زوجها وطفليها…

حملوها إلى الطبيب… رحلتها إلى الطبيب كان صعبة جداً ومرهقة للزوج وأخوه وأخته… شعروا أنهم يحملون ثقلاً عظيماً وهم يضعونها في السيارة… وأعانهم الله… عندما وضعوها أمام الطبيب… نظر فيها، ارتعب الحزين… شعر منكوش تمزّق شاله، وعينان كأنهما مقلوبتان… محمرتان… ووجه كأنه الجمر… وصوت مرعب… مسكوها، وأعطاها الطبيب إبرة سكّنتْها…

نامت ساعتين، وأفاقت على حال أمرّ من ذي قبل… زاد صياحها وعلا… وصامت عن الطعام والشراب، ولم تعد تعرف أحداً… حتى أنها تنكّرت لطفليها وزوجها…

ما دهاها المسخمة، قالت الحجة ساميّة، شو صرلها…؟ مره مثل الزرافة، من أحسن النسوان، طيبة، تحب الناس كل الناس… شو صرلك يا جميلة؟ امبارح بقت مثل الوردة… وفاضت عينا الحجة ساميّة بالدموع… وقال الجار سالم: أكيد ظربها جن، يمكن أنها كبّت ماء في الليل، وصادف الماء طريق الجني، فغضب عليها وظربها… وقال من عنده بعض العلم، بل قل مسّها جني… رد سالم: لا فرق سيدي بين مسّها وظربها ولمسها… وزوجها واجم يمناه على خده، وكذلك أبوه وأمه… وأدلت خيرية المحمود برأيها: هاي تلبّسها جني لعين، مثل ما تلبّس نوفه المحمد هذيك السنة، والله ما طلع منها إلا تا حطّوا تشوم مصاري لكاتب الحجابات… وللشيخ اللي ظل يقرا على راسها، ويقاوح في الجن ويتحايل عليه تا أقنعه يطلع منها، بعد ما حشّر عليه إشي وشْوَيْ، ووقّفه عند حدّه…

قال الزوج المسكين، سآخذها غداً إلى رجل وصفوه لي في المدينة… وهات يا نوم… لا هي نامت ولا تركت الآخرين ينامون… في الصباح الباكر كانت جميلة والجن وزوجها وأخوه باب الرجل الذي يطرد الجن من أجساد الناس… وما أن سمع الرجل قصتها… حتى تحايلوا عليها وربطوها بأمر منه… ثم قرأ عليها وبدأ يضربها بمحجانة كانت في يده على أنحاء جسدها المختلفة… علا صياحها… أشفق زوجها عليها، ونزلت دموعه، قال الشيخ: لا تخف… جميلة لا تصيح… والذي يصيح هو الجني… وأنا لا أضرب جميلة… بل أضرب الجني اللعين الذي تلبّسها… صبر زوج جميلة… وصبر أخوه… ولم تصبر جميلة… ولا جنيّها… وتركوا الشيخ في نهاية الجلسة الأولى على أمل اللقاء في جلسة ثانية حدّدها الشيخ بعد يومين… وفرّ ثلاثتهم والجني معهم… وذهبوا إلى عيادة الطبيب الذي حقنها إبرة أنامتها وأراحتها من صياحها المتواصل… في المساء استيقظت جميلة، وبصوتها الأصلي الناعم، وقالت: كأنني كنت في حلم طويل… أين أولادي؟ أنا جائعة يا زلمة، وابتسمت لزوجها… جائعة جداً. وكأن الرحلة انتهت… وبدأت الحياة تدبّ ثانية في أنحاء البيت…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق