مقالات

تسارع وتيرة التطبيع مع كيان عدواني غاصب

بدأ قطار التطبيع مع الكيان الصهيوني يمعن في السير شرقا باتجاه الخليج، وجنوبا باتجاه القارة الإفريقية، حيث اليوم تشاد وغدا السودان كما يشاع في الأخبار، وربما بعد ذلك مملكة البحرين، كما يتوقع الكثيرون من المراقبين السياسيين المهتمين بتحقيق تسوية سياسية في الشرق الأوسط. التطبيع المتسارع مع كيان عدواني غاصب يشكل بؤرة توتر حقيقي في المنطقة، بما يقوم به بين الحين والآخر من اعتداءات وحروب على قطاع غزة وسوريا ولبنان، يدلل في الواقع على عدم اكتراث المجتمع الدولي بما يحدث في هذه المنطقة من عدوان على القانون الدولي، ومن عدم الاهتمام بالأمن والسلم الدوليين، وزيارة رئيس تشاد إدريس ديبي قبل أيام إلى تل أبيب تأتي أيضا ضمن هذا الاستهتار والاستخفاف وعدم المبالاة، وقد استقبله نتنياهو بحفاوة بالغة حيث اعتبر هذه الزيارة من رئيس دولة افريقية إسلامية هي عضو مراقب في جامعة الدول العربية، بل وتم قبل سنوات موافقة الجامعة على طلب انضمامها اليها بصفة الحصول على العضوية الكاملة. لقد اعتبر نتنياهو هذه الزيارة بعد أن قام بزيارة سلطنة عمان واستقباله من قبل السلطان قابوس إنجازا كبيرا تحققه سياساته اليمينية، في وقت تضيق حلقة المعارضة من حوله، سواء من قبل بعض وزراء حكومته الائتلافية المتطرفة، حيث استقال منها وزير الدفاع ليبرمان أو من قبل بعض النواب في الكنيست، الذين يطالبون بإجراء انتخابات مبكرة، وكذلك من قبل المستوطنين في غلاف غزة الذين أشعلوا إطارات السيارات تعبيرا عن معارضتهم لاتفاق التهدئة الذي توصل إليه مع فصائل المقاومة بجهد الوفد الأمني المصري.

حقيقة ما كان لقطار التطبيع مع الكيان الصهيوني العدواني أن يواصل سيره ليصل إلى أحد الدول الأفريقية الإسلامية، لولا أن توفرت لعبوره إشارة الضوء الأخضر، حيث الكثير من الدول العربية سبقت تشاد في الصعود إلى عرباته، وبمختلف الخطوات السياسية والأمنية والإعلامية، خاصة دول الخليج العربية التي بدون حياء تعلن عن عزمها على إبرام اتفاقيات تحالف عسكري معه ضد ما يسمى بالتمدد الإيراني. ومن الجدير ذكره هنا، أنه بعد عدوان يونيو حزيران 1967 قطعت الدول الأفريقية علاقاتها السياسية والدبلوماسية مع الكيان الصهيوني تضامنا مع مصر، واستمر ذلك حتى حرب أكتوبر عام 1973، ثم بتوقيع اتفاقية كامب ديفيد التي تم بموجبها الاعتراف بالكيان الصهيوني من قبل مصر عادت العلاقات الإفريقية الإسرائيلية إلى سابق عهدها، لكن عنوانها الأبرز هذه المرة كان هو التدخل في الشؤون الإفريقية ( تقسيم السودان وسد النهضة بإثيوبيا كمثال)، وتوريد السلاح الإسرائيلي إلى دولها ،وكذلك تحريض الأفارقة السود في جنوب القارة ضد عرب شمال أفريقيا.

بعد مكسب الحصول الإسرائيلي على الاعتراف العربي والإفريقي من خلال اتفاقيات كامب ديفيد وأوسلو ووادي عربة، وإعادة العلاقات السياسية والدبلوماسية بعد انقطاع طويل مع دول القارة الإفريقية، يحقق الكيان الصهيوني الآن مكسب التطبيع المتتابع وبشكل علني صارخ، بعد أن كان يجري في الخفاء خوفا من موقف الجماهير العربية، وذلك رغم جوهر المشروع الصهيوني الذي لم يتغير منذ تأسيس الكيان عام 1948، والقائم بشكل أساسي على الاستيطان والتطهير العرقي للشعب الفلسطيني.

حالة غير مسبوقة من التطبيع في تاريخ الصراع العربي الصهيوني يتم فيها الآن النظر للكيان الصهيوني الذي يرفض الاعتراف بالحقوق الوطنية، وكأنه تطور طبيعي لمشروع قومي وليس جزءا من مخطط استعماري يستهدف تشويه هوية المنطقة ذات النسيج الاجتماعي الحضاري الواحد، وهذه الحالة التطبيعية الناشطة على الساحة العربية والتي تمتد إلى الساحة الإفريقية تستوجب طرح أسئلة ضرورية ملحة مثل : لماذا يحقق الكيان الصهيوني كل هذه الإنجازات في مجال الاعتراف والتطبيع وهو ما زال يؤدي وظيفته العدوانية في المنطقة، وبارتباط سياسته الخارجية بسياسة الولايات المتحدة عدوة الشعوب المتطلعة إلى التحرر والتقدم والخلاص من علاقات التبعية بكل أشكالها مع النظام الرأسمالي العالمي الامبريالي ؟ أين دور العالم الإسلامي في إطار الصراع مع كيان عدواني غاصب يقوم الآن بتهويد القدسوباستباحة المسجد الاقصى يوميًا كمقدمة لتقسيمه زمنيا ومكانيا كما حدث للحرم الإبراهيمي في الخليل ؟ ما مستقبل ومصير المفهوم السياسي لفكرة العروبة وشبة الجزيرة العربية مستودع الهجرات العربية التي شكلت حدود الوطن العربي يهرول حكامها من أصحاب الجلالة والسمو بكل خسة ومذلة لكسب ود الكيان الصهيوني العنصري العدواني الدخيل الذي أقيم على أنقاض شعب عربي مسلم ؟ ثم أيضا أين عدالة موقف المجتمع الدولي من القضية الفلسطينية التي مر عليها سبعون عاما دون إيجاد حلا سياسيا عادلا يلزم الكيان الصهيوني بدفع استحقاقاته ؟

حقيقة هي أن الشعوب العربية والإسلامية وغالبيتها محكومة بأنظمة سياسية قمعية غير ديموقراطية، تدرك جيدا أن الإجابة عن هذه الأسئلة ممكن الوصول إليها من خلال قراءة للواقع السياسي المأساوي الذي يميز عالم اليوم، الذي يجري في كثير من بلدانه الصراعات حول المصالح الاقتصادية وحول الهويات القومية، عالم تسوده القوة الغاشمة والبلطجة العسكرية الفاشية، حيث لا مكان فيه للدول والشعوب الضعيفة المقهورة التي لا مسعى لها في إطار السياسة الدولية، إلا بتقديم الشكوى تلو الأخرى للأمم المتحدة لعل جمعيتها العمومية تصدر قرارا غير إلزامي يبقى أعوام وأعوام بدون تنفيذ في أدراج إرشيفها الذي يختزن العديد من مآسي القضايا السياسية والإنسانية العادلة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق