مقالات

القدس في الاتفاقيات الفلسطينية الاسرائيلية إعداد الباحث :د. حنا عيسى – أستاذ القانون الدولي

القدس قبل عام 1967

تمّ تحديد القسمين العربي واليهودي لمدينة القدس رسمياً في22/7/1948، دون أن تتوقف الأمم المتحدة عن اقتراح الحلوللإعادة وحدة المدينة، وفي مقدمتها اقتراح أن توضع القدستحت إدارة دوليّة، وهو ما جاء في قرار التقسيم الصادر عنالأمم المتحدة تحت الرقم 181 لعام 1947. وفي حين وافقتالدول العربيّة على تدويل القدس، فقد رفضته إسرائيل، ولمتوافق إلاّ على تدويل المدينة القديمة التي لم تكن تقع حتى ذلكالوقت تحت سيطرتها، والبالغة في ذلك الحين ما نسبته نحو66% من المساحة الكليّة للقدس. وفي حين منح قرار التقسيملليهود الحقّ في إقامة دولتهم على 57% من أرض فلسطين،وهي الأرض الساحليّة الأكثر خصوبة، فإن عدد السكان اليهودفي فلسطين لم يكن يتجاوز الـ 7% من مجموع عدد السكانفي فلسطين.

لقد اعتُبرت القدس، وفق قرار التقسيمجسماً منفصلاً، تحتحكم دولي يستمر لمدة عشر سنوات يتمّ بعدها الاستفتاء علىمستقبلها، وتكون خلال ذلك مدينة منزوعة السلاح، حدودها منالشرق أبو ديس ومن الغرب عين كارم ومن الشمال شعفاطومن الجنوب بيت لحم.

مهما يكن، فقد استمر القسم الغربي للمدينة خاضعاً للهيمنةالإسرائيليّة، فيما احتفظت المملكة الأردنيّة الهاشميّة بالقسمالشرقي منها بموجب مؤتمر آريحا الذي انعقد عام 1949 وضم زعامات فلسطينية طالبت بوحدة الضفة الغربية معالمملكة الأردنية الهاشمية. وقد تمّ وضع الضفة الغربيّة، بمافيها القدس الشّرقيّة، وديعة في أيدي الأردن (إلى أن تمّ فكّالإرتباط الإداري والقانوني بين الأردن والضّفة عام 1988).

في السنوات التي أعقبت نكبة 1948 وحتى منتصف العام1967، وقبل الإحتلال الإسرائيلي للجزء الشرقي من القدس،كان عدد سكان المدينة من العرب الفلسطينيين يصل إلى66000 نسمة، ظلوا يخضعون، من الناحيتين الإداريّةوالقانونيّة، للأنظمة والقوانين السائدة في الأردن، ويُعاملونمعاملة المواطن الأردني، ويحملون، أسوة بأبناء الضفة الغربيّة،الهويّة وجواز السفر الأردني. أمّا على المستوى الإقتصادي،فقد مارس سكان القدس العربيّة العمل في قطاع السياحة،والسياحة الدينيّة منها بشكل خاص، كون القسم الواقع فيالجانب العربي للمدينة احتوى على العديد من أهم دورالعبادة، المسيحيّة والإسلاميّة، من كنائس ومساجد تتفرّدبخصوصيتها وأهميتها الروحيّة. كما مارسوا  التجارة، التياعتمدت على تدفُّق الحجاج وزائري الأماكن الدينيّة علىالمدينة. إضافة إلى الصناعات الحرفيّة المختلفة التي مارسهاأهالي المدينة ومدينة بيت لحم المجاورة، من أشغال خشبالزيتون والصدف والقشّ والمطرّزات والزجاج الملوّن.. وغيرها.

القدس بعد احتلال عام 1967

فور الإنتهاء من الأعمال العسكريّة على الجبهات العربيّة معإسرائيل، وما أن أحكم جيش الاحتلال الإسرائيلي قبضته علىالقدس بكاملها (ضمن ما سيطر عليه من مناطق واسعة فيثلاث دول عربيّة: مصر وسوريا والأردن)، حتّى كان الحاخامشلومو غورين، حاخام الجيش الإسرائيلي في ذلك الوقت، يقيمالشعائر الدينيّة اليهوديّة بالقرب منحائط البراقعلى جدارالمسجد الأقصى، الذي تُطلق عليه إسرائيل تسميهحائطالمبكى، معلناً أن حلم الأجيال اليهوديّة قد تحقق اليوم، وأنالقدس التي أصبحت في أيدي اليهود هي عاصمتهم الأبديةالتي لن يتراجعوا عنها. وبالفعل، فقد أثنى القادة السياسيونوالعسكريون على ذلك، وفي مقدمتهم موشي دايان وزيرالدفاع الإسرائيلي آنذاك، وإسحق رابين وغيرهم، ليتدفقوا بعدذلك أفراداً وجماعات على القدس القديمة، منتهكين حرمةالأماكن الدينيّة، الإسلاميّة والمسيحيّة في المدينة. ففي اليومالأول لاحتلال القدس، وقف وزير الدفاع الإسرائيلي عند حائطالبراق (المبكى) مُعلناً بكلّ وضوح: “.. لقد أعدنا توحيد المدينةالمقدّسة وعدنا إلى أكثر أماكننا قدسيّة ولن نبارحها أبداً“.

وفي مقابلة صحفية مع صحيفة يابانيّة، تحدّث دافيد بنغوريون عن مستقبل المناطق التي احتلتها إسرائيل في حربهاتلك، فقال: إن إسرائيل ستنسحب من شبه جزيرة سيناء بعدتوقيع اتفاقيّة سلام مع مصر، والأمر نفسه سيحدث معسوريا، وفي الضفّة الغربيّة ستقوم دولة تتمتّع بحكمٍ ذاتيّوبرعاية الأمم المتحدة، أمّا القدس فإننا سنحتفظ بها إلى الأبدعلى الرغم من جميع القرارات التي ستصدر عن الأمم المتحدة. فالقدس كانت على امتداد ثلاثة آلاف سنة عاصمة لإسرائيل،وستبقى كذلك في المستقبل!

وعلى الفور، شرعت جرافات الجيش الإسرائيليّ وآلياته فيهدم حيّ المغاربة المجاور للحائط، والقريب من باب المغاربة،أحد أبواب القدس القديمة السبعة، حتّى سوّت بيوته فيالأرض، وتم طرد 135 عائلة فلسطينيّة من بيوتها التي كانتتسكنها ( قدِّرت بـ650 نسمة)، وحوّلت المكان إلى ساحة لإقامةالصلوات والشعائر الدينيّة اليهوديّة. وفي الوقت نفسه، عملتالجرّافات السياسيّة، بالمعنى المجازي للكلمة، على الشروع فيتبديد المعالم القديمة للقدس العربيّة، والبدء في عمليات التهويدوالأسرلة التي لم تتوقف منذ ذلك اليوم وحتى الآن.

ففي تاريخ 27/6/1967 بدأت إسرائيل بإصدار القرارات التياستهدفت تهويد وأسرلة المظاهر السياديّة والإداريّة للمدينة،فعملت على تعديل القوانين التي كانت سائدة قبل الحرب،وتطبيق القانون الإسرائيلي على القدس. وفي اليوم التالي،أصدرت الحكومة الإسرائيليّة مرسوماً يقضي بسريان قانونالدولة العبريّة على مساحة 70 ألف دونم من الأراضي التيتشمل القدس بقسمها الشرقي، بما فيها المدينة القديمةوالمناطق المحيطة بها، والقسم الغربي الذي كانت قد احتلتهفي العام 1948. وهي تبلغ اليوم مساحة تصل إلى 127 كيلومتراً مربعاً.

وفي 29/ 6/ 1967 صدر أمر عسكري بحلّ بلدية القدسالعربيّة. وقد أقرّ الكنيست تعديل قانون السلطة والقضاء،وقانون البلديات، ووافق على ضمّ القسم الشرقي للمدينة إلىبلديّة للقدس الكبرى، وإخضاعها لكافة القوانين والنظمالإداريّة الإسرائيليّة. وفي 30/7/1967، وافق الكنيست على ماأُطلق عليهالقانون الأساسيّ للقدس الموحدة، الذي اعتبرالقدس، بشطريها، مدينة موحدة وعاصمة أبديّة لدولة إسرائيل،ومقراً للرئاسة والحكومة والبرلمان والمحكمة العليا.

بذلك، فقد تمّت أسرلة المدينة من كافة الجوانب، البلديّة،والقضاء، والمرافق العامّة، والاقتصاد، والمناهج المدرسيّة، وكافةالتفاصيل الإداريّة المتعلِّقة بحياة المواطنين العرب المقيمين فيالقدس.

وفور استيلائها على المدينة، باشرت إسرائيل بحفرياتها فيمحيط المسجد الأقصى بحثاً عن الهيكل المزعوم، لم تتوصّلإلى أيّة إثباتات تتعلّق بهذا الإدعاء، رغم مواصلتها التنقيب منذما يزيد عن الأربعة عقود ومواصلة أعمال الحفر التي تسببتفي تصديع عدد من المباني الإسلاميّة في الجوار، وهي تتهدّدأساسات المسجد الأقصى، حيث امتدّ الحفر إلى أسفلالأرض التي يقوم عليها المسجد. وفي نيسان 1968، أي بعدأقل من عام على احتلال شرق القدس الشرقيّة، بدأت إسرائيلفي إعادة ترميم وبناء الحيّ اليهودي، فجدّدت بيوته بعدالاستيلاء على عقارات المسلمين فيه، وبنت سوقاً تجاريّةوكنيس يهوديّ. وقد تمّ طرد وتشريد 550 نسمة من سكانهومالكي بيوته من الفلسطينيين.

ومما يشار إليه، أن أعمال الحفر التي ابتدأت في وقتٍ مبكِّرمن زمن الإحتلال، لم تصل بعد إلى القناعة أو لا تريد الاقتناعبأن الحفريات لم تؤد إلى شىء ولن تفضي إلى أيّة نتيجة. وقبل وقت قريب (في أيلول/ سبتمبر الماضي 2009)، كشفتمؤسسة الأقصى عن مخطط إسرائيلي بالغ الخطورة، حيثأوعزت المؤسسة السياسيّة الإسرائيليّة لأذرعها التنفيذيّةبالشروع في حفر نفق تحت بلدة سلوان القريبة من سورالمسجد الأقصى إلى الغرب من القدس. وقد وصل طول النفقالجديد حتّى الآن إلى أكثر من 120 متراً، بعرض مترٍ ونصفالمتر وارتفاع ثلاثة أمتار، وهو يتجه صوب الأقصى ويتقاطعمع شبكة الأنفاق التي جرى حفرها هناك في أوقات مختلفةبعد احتلال القدس الشرقيّة.  

لقد تُوِّجت الاعتداءات الإسرائيليّة، في السنوات الأولىللاحتلال، حين أقدم أحد المتطرفين اليهود، في 21/8/1969 وبدعم من جهات رسميّة إسرائيليّة، بإحراق المسجد الأقصى. وقد أتى الحريق على منبر صلاح الدين الذي ينطوي على قيمةدينيّة وتاريخيّة وجماليّة عالية.

جاء هذا الإعتداء الإجرامي في سياق سلسلة مترابطة منالاعتداءات الإسرائيليّة على الأماكن الدينيّة الإسلاميّةوالمسيحيّة في القدس، كسرقة محتويات كنيسة القيامة،والاستيلاء على العديد من أراضي وأملاك الأديرة ودور العبادةالأخرى والأوقاف الإسلاميّة.

ولم ينجُ المواطن المقدسي من الإجراءات الإسرائيليّة الإحتلاليّةالظالمة. فهدم حيّ المغاربة وتشريد أهله في اللحظة الأولىلبسط الإحتلال سيطرته على المدينة، كان الخطوة الأولىلعمليات مصادرة البيوت العربيّة في الحيّ القديم للمدينةالمقدّسة، ومنها حيّ الشّرف، وأحياء باب السلسلة، والباشورة. وخلال فترة قصيرة من عمر الإحتلال، تمّ تهجير أكثر من7400 مواطناً عن منازلهم التي تمّ هدمها أو مصادرتها. أمّاخارج الأسوار، فقد تمّ مصادرة مساحات من الأرض تصلإلى 3345 دونماً. وبعد ثلاثة أيّام من التاريخ المذكور، تمّمصادرة 116 دونماً تضم 595 عقاراً. ثمّ تواصل نهم غولمصادرة البيوت المقدسيّة وهدمها تحت ذرائع واهية، أو دونإبداء أيّة أسباب. كما تمّت مصادرة أراضي القرى المحيطةبالقدس لغايات استيطانيّة.

والحديث عن الاستيطان في القدس يطول، فهو حديث عنتجليات النهب الاستعماري الكولونيالي والعدوان والمصادرةفي أقبح صوره.

فما أن وضعت حرب 1967 أوزارها، حتى اندلعت معاركالاستيطان التي شملت أراضي الضفّة الفلسطينيّة منأقصاها إلى أقصاها، ولم تنج المدينة المقدّسة من مشاريعالاستيطان الشّرسة التي تفاقمت على مدى الأيّام والسنين،وما زالت متواصلة منذ أكثر من اثنين وأربعين عاماً. فخلالالشهور الأولى للاحتلال وضعت السلطات الإسرائيليّة يدهاعلى الممتلكات والأراضي التي كانت مسجّلة باسم الحكومةالأردنيّة، لتقيم فوقها المستوطنات بحجة أن هذه أراض عامةمتنازع عليها، ولتشق إليها الطرق الالتفافيّة. إلاّ أن غولالاستيطان الإسرائيلي النهم، لم يتوقف عند هذا الحدّ، إذشرعت في مصادرة الأراضي من المواطنين الفلسطينيين،أصحابها الشرعيين، تحت الذريعة التي منحتها إسرائيللنفسها من خلالقانون الاستملاك للمصلحة العامّة“. وقدتمت مصادرة 116 دونماً في البلدة القديمة، بما فيها من بيوتومتاجر وجوامع ومدارس، وذلك من أجل توسعة السّاحة التييقع فيها حائط البراق، كما جرى توسيع حارة اليهود لترتفعمساحتها من 7 دونم لتصل إلى 130 دونم. ووضعت سلطاتالإحتلال القيود المعيقة لاستخدام الأراضي وحركة البناءالفلسطيني في جميع أنحاء القدس، كما عملت في الوقتنفسه، وبكل الطرق، على الإخلال بالتوازن الديمغرافي فيالمدينة لصالح الوجود الاستيطاني الشّرس الذي أخذ يتدفّقعليها من كلّ مكان. وأخذت الحركة الاستيطانية تفرض نفسهاعلى أحياء المدينة القديمة، ومنها حارة السعدية، وشارع الوادوعقبة الخالديّة وعقبة السرايا وسوق باب خان الزيت وبابالسلسلة وسوق الدباغة.

مع نهاية عقد الستينيات من القرن العشرين، كان البناء قد بدأفي ثلاث مستوطنات في محيط القدس: رامات اشكول،وجعفات همفتار، والتلّة الفرنسيّة، وذلك للربط بين القدسالشرقيّة والقدس الغربيّة.

وقد بدأ الاحتلال الصهيوني عام 1975 في بناء مستعمرةمعاليه أدوميمعلى أراضي أبو ديس والعيزرية المتاخمةللقدس، وفي منطقة الخان الأحمر، كمنطقة صناعية، وبهدفإسكان العمال وعائلاتهم. وبعد ثلاثة عقود ونيِّف من التوسُّع،أصبحت المستعمرة كبرى المستعمرات في الأراضيالفلسطينيّة المحتلة وأهمها على الإطلاق. ومعاليه أدوميم،التي تعتبرها إسرائيل واحدة من مدنه الرئيسية، مقامة علىقمم التلال التي تسيطر على الطريق المؤدي من القدس المحتلةإلى آريحا في الضفة الغربية ووادي الأردن، وتبعد عن مدينةالقدس أقل من 7 كيلومترات، ويجري توسيعها بشكل دائم،لتمتد من القدس وحتى غور الأردن شرقاً. فيما تجري الآنعملية بناء حي استيطاني في منطقةE1تصل المستوطنةبالقدس القديمة. ومما يجدر ذكره أن مساحة مستعمرةمعاليهأدوميم، وحدها، تبلغ عشرة كيلومترات مربّعة، وتصل مساحةمخططها الهيكلي إلى 35 كيلو متراً مربعاً.

والآن، تبدو مدينة القدس محاطة بطوق خانق من المستوطناتالتي تحيطها من كلّ الجهات، دون أن تلوح في الأفق أيّة بوادرلوقف الزحف الاستيطاني حول المدينة وفي كلّ الأراضيالفلسطينيّة المحتلة. ووسط ذلك، ما زال المطلب الدولي، وحتّىالأميركي، بوقف الاستيطان الإسرائيلي أو تجميده، يصطدمبالتعنت الإسرائيلي الرافض لهذه المسألة بشدة.

وتوجد في القدس الآن، بمساحتها الجديدة داخل الجدار،والبالغة بشطريها 289 كم2 نحو سبعين مستوطنة تُسيطر علىمساحة تُقدّر بـ163 كلم2، ويسكنها حوالي 270 ألفمستوطن.

ومن أهم المستوطنات التي تُشكِّل الطوق الداخلي للقدس(داخل الحدود البلديّة للمدينة): عطروت، نيفيه يعقوب، الجامعةالعبريّة، رامات اشكول، معاليه دفنا، التلة الفرنسيّة، جيلو،تلبيوت الشرقيّة، راموت، بسجات زئيف وبسجات عمير، ريخسشعفاط، جفعات همطوس، ماميلا، معاليه هزيتيم (حيّ راسالعمود)، وهارحوما (المقامة فوق جبل أبو غنيم).

ذلك في حين يتكوّن الطوق الشمالي للمدينة من مستعمرات: جفعات زئيف، جفعون وجفعون هدشاة، آدم (جفع بنيامين)،كوكاف ياكوف (بئر يعقوب)، هار أراد ونفي صموئيل.

أمّ الطوق الشرقي للمدينة، فهو يتكوّن من مستعمرات ميشورأدوميم، ومعاليه أدوميم (التي أشرنا إليها سابقاً كونها الأكبرمساحة من بين مستعمرات القدس والأراضي الفلسطينيّةجميعها)، متسبيه يريحو، علمون، كيدار، آلون.

وضمّ الطوق الجنوبي للقدس عدداً آخر من المستوطنات، هي: غوش عتصيون، كفار عتصيون، روش تسوريم ألون شيفوت،أليعيزر، هار جيلو، مجدال عوز، أفرات، نفي دانيال، هاداربيتار، جبعوت، بيت عين، بيت عيليت، ومستوطنة هارحوماه(المقامة على جبل أبو غنيم) في الجنوب الشرقي من المدينة.

وفي إطار أطماعها ومخططاتها التوسعيّة، يجري العمل علىإقامة مستعمرة البوابة الشرقيّة على أراضي شعفاط، إلىجانب مستعمرات كريات أربع، جاني بيطار، كدمات تسيون(على أراضي أبو ديس)، وجفعات يائيل، وحي استيطانيجديد في محيط مستعمرة أفرات، وآخر في محيط مطارقلنديا، ومشروع تهويد الحيّ المقدّس وحيّ البستان، إضافةإلى إقامة تجمع ديني يهودي في منطقة قبر راحيل،ومستعمرتين جديدتين على مقربة من هارحوما على جبل أبوغنيم.

لم تعد إسرائيل تخفي مشروعها الاستراتيجي الكبير الذييستهدف القدس، والمقرّر أن تبلغ حلقاته محطتها الأخيرة خلالالعقد الثاني من القرن الحادي والعشرين. فبحلول 2020،تخطط إسرائيل لوضع اللبنة الأخيرة والانتهاء من مشروعالهيمنة الكاملة على القدس، ومعها الجزء الأكبر من الأراضيالفلسطينيّة المحتلة. وهو مشروع خرج من السرّ إلى العلن،ويهدف إلى تهويد المدينة بالكامل وتحقيق الشعار الإسرائيليالتوسعي الذي يُنادي بالقدس عاصمة أبديّة موحّدة لإسرائيل،وإنجاز الغلبة الديمغرافيّة اليهوديّة السّاحقة في المدينة، عنطريق ضمّ المزيد من الكتل الاستيطانيّة المحيطة بالمدينةالمقدّسة إلى حدود بلديّة القدس، والتخلُّص من أكبر عدد منأهالي المدينة وسكانها من العرب الفلسطينيين، من خلال هدمبيوتهم بحجّة عدم استيفاء شروط ترخيص البناء، وعدم منحهمالتراخيص اللازمة لبناء بيوتهم في المدينة، ومواصلة سحبهوياتهم المقدسيّة، حيث بلغ عدد الذين تمّ سحب هوياتهم حتّىالآن نحو 50 ألف مواطن مقدسي. ذلك إلى جانب زيادةالضرائب التي أرهقت كاهل المقدسيين، وممارسة كافة أساليبالقمع والإذلال، على الحواجز وفي السجون والمعتقلات، وتصلإلى الحيلولة دون المواطن المقدسي والوصول إلى الأماكنالدينيّة لأداء الصلاة.

وفي سياق الحرب الديمغرافيّة التي تخوضها إسرائيل، والتيتهدف إلى الهبوط بنسبة المواطنين الفلسطينيين في المدينة إلى12% والارتفاع بنسبة اليهود فيها إلى 88%، سيتكفّل جدارالفصل العنصري بإخراج عدد كبير من السكان الفلسطينيينمن محيط القدس، مخالفة بذلك أبسط مباديء القانون الدوليالإنساني الذي يمنع طرد المواطنين الأصليين عن أرضهموبيوتهم والاستيلاء عليها. ومؤخراً، وضمن سياسة التطهيرالعرقي التي تنتهجها إسرائيل، قامت سلطات الإحتلال بتسليمقبيلة الجهالين أمراً بإخلاء مضاربهم القائمة في محيطالقدس، لتواصل مشروع ربط مستعمرةمعاليه أدوميمبالمدينة، وإقامة خمسين ألف وحدة سكنيّة جديدة تعزِّزالمشروع الاستيطاني الصهيوني على أرض فلسطين.

وتبدو القدس اليوم، في ظلّ الجدار الذي يعزل المدينة العربيّةعن محيطها العربي، محاطة بغلاف إسمنتي يتمثل في حزامإستيطاني وجدار فصل عنصري وطرقات إلتفافية وحواجزوبوابات وجدار فصل عنصري يطوّق المدينة ويمتد طوله أكثرمن 180 كيلومتراً (من أصل 730 كيلومتراً سيبلغها طولالجدار بمجموعة عندما يصل إلى مرحلته النهائيّة)، فيما يبلغارتفاع الجدار، الذي يشق العديد من قرى القدس وفلسطينإلى قسمين، ثمانية أمتار.

في الخامس عشر من آب/ أغسطس 2002، صدر الأمرالعسكري الإسرائيلي بإقامة جدار العزل العنصري بإشرافوزارة الدفاع الإسرائيليّة، تحت ذريعة المتطلبات الأمنية العليالدولة إسرائيل، وبعد سبعة أيّام من التاريخ المذكور، شرعتالآليات الإسرائيليّة في تنفيذ المشروع بدءاً من منطقة رافاتبالقرب من القدس، ماراً في قرى القدس الشماليّة وبطول 8 متر وعرض يتراوح بين 40 و 100 متراً، وضاماً إليه أراضيمطار قلنديا الواقع بين القدس ورام الله والمفترض أن يؤول إلىالسلطة الفلسطينيّة.

إن امتداد هذا الجدار يعني الاستيلاء على مزيد من الأراضيالفلسطينيّة والتوسع في مشروع القدس الكبرى، والتغلغل فيالمناطق الفلسطينيّة وعزلها بعضها عن الآخر، وعزل القدسعنها، وهو ما يسهم في عزل 55 ألف فلسطيني في القدسالشرقيّة عن مدينتهم، من بينهم ما يتجاوز الـ 3600 طالب لنيتمكنو من الوصول على مدارسهم. وقد بات الجدار يحول دونالفلسطينيين في مناطق السُّلطة وأداء صلواتهم في الأماكنالمقدّسة، وتسبب في انهيارات إقتصاديّة لأهالي القدسوالمناطق المحيطة، وخاصّة في القطاع التجاري، إضافة إلىالخراب الذي أُلحق في القطاع الزراعي نتيجة أنه شكّل عائقاًبين الفلاح الفلسطيني ومصدر رزقه.

إنّ الهدف الأساس للجدار العازل في مدينة القدس هو ضمّمساحةٍ أكبر من الأرض إلى حدود بلديّة المدينة، مع التخلُّصمن أكبر عددٍ ممكن من المواطنين المقدسيين المقيمين فيالمدينة. وبالرغم من أنّ المواطنين تصدوا لهذا المخطط  بشكلٍعفوي، من خلال الإنتقال بأعدادٍ كبيرة إلى الأحياء الموجودةداخله، إلا أنّ الجدار، ومع اكتمال البناء لحوالي 90% منه،تمكّن من عزل أكثر من 154 ألف مقدسيّ عن مدينتهم، معمصادرة أكثر من 163 كلم2 من الأراضي الفلسطينيّة.

وبقدر ما يُهدد هذا الأمر أسس الاقتصاد الوطني لمدينةالقدس، والذي يفتقر تماماً إلى وجود صناعات يُعتد بها، سوىالصناعات الحرفيّة التراثيّة، فإن مصدراً اقتصادياً آخرلأهالي القدس من العرب الفلسطينيين يتعرّض هو الآخر،سواء في محيط المدينة وقراها أو في بقيّة الأراضيالفلسطينيّة المحتلة،  لخطّة إسرائيليّة منهجيّة بهدف تدميره،ونعني زراعة الزيتون وتسويقه وتصنيعه، والذي يشكِّل للفلاحالفلسطيني واحداً من أهم مصادر الرزق، إن لم يكن مصدرالرزق الوحيد. فإسرائيل، تحول دون الفلاحين والوصول إلىحقولهم في مواسم قطاف الزيتون، ولا تتردّد في تجريفمساحات شاسعة من أشجار الزيتون المُعمِّرة دون إبداءالأسباب.

ورغم الإدانة التي أصدرتها محكمة العدل الدوليّة عام 2004 للمشروع الإسرائيلي ببناء الجدار، إلاّ أن إسرائيل ظلّتماضية في مشروعها العنصري دون أن تلتفت إلى الإرادةالدوليّة التي ما زالت عاجزة عن تنفيذ قراراتها على أرضالواقع.  

الوضع القانوني لمدينة القدس وفقا لقرارات الشرعيةالدولية

الوضع القانوني لمدينة القدس جاء وفقا لقرارات الشرعيةالدولية بدءا من تاريخ 29/11/1947م عندما اتخذت الجمعيةالعامة لهيئة الأمم المتحدة قرار رقم 181(2) الذي نص علىإنهاء الانتداب البريطاني على فلسطين وتقسيمها إلى دولتينمع الحفاظ على إتحاد اقتصادي بينهما وتحويل القدسبضواحيها إلى وحدة إقليمية مستقلة ذات وضع دولي خاص.

​​

وان الحل الجذري للمشكلة الفلسطينية لا يكمن تحقيقه إلاعلى أساس قرار 181 الذي يمنح كلا شعبي فلسطين حقالوجود المستقل المتكافئ، إلا أن إسرائيل منذ قيامها حتىتاريخه تستمر بخرق أصول ميثاق هيئة الأمم المتحدة، الذييطالب بالاعتراف بحق كل شعب في تقرير المصير والسيادةالوطنية والاستقلال، وعلاوة على ذلك استمرارها غير المبرر فياحتلال أراضي الغير المجاورة لحدودها عن طريق شنهاللحروب المتعاقبة.

ففي عام 1967 أتخذ مجلس الأمن قرار رقم 242، الذي نصعلى سحب القوات الإسرائيلية من الأراضي التي احتلتهاخلال حرب حزيران 1967 وضرورة إحلال سلام وطيد عادلفي الشرق الأوسط، وبما أن الاحتلال الإسرائيلي بقي علىالأراضي الفلسطينية (الضفة الغربية، قطاع غزة والقدسالشرقية) فإن البت في مستقبلها بعد انسحاب القواتالإسرائيلية ليس مجرد مهمة إنسانية بل هي قضية ذات طابعدولي سياسي صرف ولها علاقة مباشرة بمسألة إحقاقالحقوق الوطنية الثابتة للشعب الفلسطيني.

وتبدي الأوساط الحاكمة الإسرائيليةحرصهابخاصة علىالقدس التي أعلنت إسرائيل قسمها الغربي بصورة غيرمشروعة عاصمة لها منذ عام 1950. وكانت هذه الخطوةالمخالفة للقانون قد رفضت بحزم من جانب المجتمع الدولي.

وفي 7 يونيو 1967 احتلتإسرائيلمدينة القدس بأكملهاعقب عدوانها الذي بدأ في 5 يونيو من نفس العام، وفيأغسطس عام 1980 أقدمتإسرائيلعلى ضم القدسالمحتلة، واعتبرتها عاصمتها الموحدة. وإذا لاحظنا تاريخالضم، (ضمإسرائيللمدينة القدس)؛ وكذا تاريخ ما أقدم عليهالكنيست الإسرائيلي من تشريع القانون الأساسي، الذيفحواه: أن القدس عاصمةإسرائيل، حيث نصت المادة الأولىمنه على أن: «القدس الكاملة والموحدة هي عاصمةإسرائيل‘» (30 يوليو 1980). وهو «القانون/التشريع». الذي قام علىأساسه الضمنقول: إذا لاحظنا هذا وذاك. يتبدى واضحاًأنإسرائيل‘: وإن كانت خلال سلامها مع مصر تخفيمطامعها في تكريس ضم القدس نهائياً وتوحيدها تحتالسيادة الإسرائيلية؛ فإنها فيما يبدو لم تعد تجد حاجة لإخفاءشيء بعد التوقيع على المعاهدة «المصريةالإسرائيلية» (في: 26 مارس 1979).

واستناداً إلى قانون الكنيست المشار إليه، أصبحتإسرائيلتعتبر السيادة الكاملة على القدس حقاً لها، لا ينازعها فيهأحد، ضاربة بعرض الحائط القرارات التي صدرت عن مجلسالأمن: إما تحذيراً لها من مغبة اتخاذ قرار كهذا (القرار رقم476)، أو استنكاراً للقرار الإسرائيلي واعتباره باطلا وفقاً لـ«الشرعية الدولية» (القرار رقم 478).

والواقع أن هذه لم تكن المرة الأولى التي تضرب فيهاإسرائيلبعرض الحائط القرارات الدولية، إذ يمثل قرارإسرائيلباتخاذالقدس عاصمة أبدية لها تحدياً صارخاً للشرعية الدوليةوقراراتها، وفي مقدمتها: القرار رقم 250 لعام 1968، والقراررقم 253 لعام 1968، الذي اعتبر جميع الإجراءات الإداريةوالتشريعية التي قامت بهاإسرائيل، بما في ذلك مصادرةالأراضي والأملاك، التي من شأنها أن تؤدي إلى تغيير فيالوضع القانوني للقدس، إجراءات باطلة.

وهناك القرارات الصادرة عن الجمعية العامة ومجلس الأمنالدولي التابعة لهيئة الأمم المتحدة بشان القدسللذكر لاالحصر ‘,وهي :

1. قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 181 (د2) بتاريخ 29 تشرين الثاني /نوفمبر 1947 .

2. قرر الجمعية العامة رقم 273 (د3) بتاريخ 11 أيار /مايو1949, قبول إسرائيل عضوا في الأمم المتحدة.

3. قرار الجمعية العامة رقم 303 (د4) بتاريخ 9 كانون الأول /ديسمبر 1949, إعادة تأكيد وضع القدس تحت نظام دوليدائم.

4. قرار الجمعية العامة رقم 2253 (الدورة الاستثنائية الطارئة-5) بتاريخ 4 تموز/يوليو 1967, دعوة إسرائيل إلى إلغاءالتدابير المتخذة لتغيير وضع مدينة القدس والامتناع منها فيالمستقبل.

5. قرار الجمعية العامة رقم 2254 (الدورة الاستثنائية الطارئة-5) بتاريخ 14 تموز /يوليو 1967, إبداء الأسف للتدبير التياتخذتها إسرائيل لتغيير وضع مدينة القدس.

6. قرار الجمعية العامة رقم 2851 (د26)بتاريخ 20 كانونالأول /ديسمبر 1971, مطالبة إسرائيل بان تلغي جميعالإجراءات لضم أو استيطان الأراضي المحتلة, والطلب مناللجنة الخاصة الاستمرار في عملها.

7. قرار الجمعية العامة رقم 2949 (د27)بتاريخ 8 كانون الأول/ديسمبر 1972,التعبير عن القلق الشديد لاستمرار الاحتلالالإسرائيلي للأراضي العربية, ومناشدة الدول جميعا ألاتعترف بالتغييرات التي قامت بها إسرائيل في الأراضيالعربية المحتلة وان تتجنب أعمالا, بما في ذلك المعونة, التييمكن أن تشكل اعترافا بذلك الاحتلال.

8. قرار الجمعية العامة رقم 35/207 بتاريخ 16كانون الأول / ديسمبر 1980, إدانة العدوان الإسرائيلي على لبنان و الشعبالفلسطيني بشدة, والتأكد من جديد على الرفض الشديد لقرارإسرائيل بضم القدس.

9. قرار مجلس الأمن رقم 250 (1968) بتاريخ 27 نيسان /ابريل 1968, دعوة إسرائيل عن الامتناع عن إقامة العرضالعسكري في القدس.

10. قرار مجلس الأمن رقم 251 (1968) بتاريخ 2 أيار /مايو1968,إبداء الأسف العميق على إقامة العرض العسكري فيالقدس .11

11. قرار مجلس الأمن رقم 252 (1968) بتاريخ 21 أيار /مايو1968, دعوة إسرائيل إلى إلغاء جميع إجراءاتها لتغيير وضعالقدس.

12. قرار مجلس الأمن رقم 267 (1969) بتاريخ 3 تموز/يوليو1969, دعوة إسرائيل مجددا إلى إلغاء جميع الإجراءات التيمن شانها تغيير وضع القدس .

13. قرار مجلس الأمن رقم 271 (1969) بتاريخ 15 أيلول / سبتمبر 1969, أدانه إسرائيل لتدنيس المسجد الأقصى, ودعوتها إلى إلغاء جميع الإجراءات التي من شانها تغييروضع القدس.

14. قرار مجلس الأمن رقم 298 (1971) بتاريخ 25 أيلول / سبتمبر 1971,الأسف لعدم احترام إسرائيل لقرارات الأممالمتحدة الخاصة بإجراءاتها لتغيير وضع القدس.

15. قرار رقم 465 (1980) بتاريخ 1 آذار /مارس 1980, مطالبة إسرائيل بتفكيك المستوطنات و التوقف عن التخطيطللمستوطنات وبنائها في الأراضي العربية المحتلة, بما فيهاالقدس.

16. قرار رقم 476 (1980) بتاريخ 30 حزيران /يونيو 1980, إعلان بطلان الإجراءات التي اتخذتها إسرائيل لتغيير طابعالقدس.

17. قرار مجلس الأمن 478 (1980)بتاريخ 20 آب / أغسطس1980, عدم الاعتراف بالقانون الأساسيبشان القدسودعوة الدول إلى سحب بعثاتها الدبلوماسية منها.

18. قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة 2334 هو قرار تبناه مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في 23 ديسمبر 2016، حث على وضع نهاية للمستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية، ونص القرار على مطالبة إسرائيل بوقف الاستيطان في الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية، وعدم شرعية إنشاء إسرائيل للمستوطنات في الأرض المحتلة منذ عام 1967. وهو أول قرار يُمرر في مجلس الأمن متعلق بإسرائيل وفلسطين منذ عام 2008.

وعلى ضؤ ما ذكر اعلاه فان القانون الدولي الإنساني اعتبرالقدس الشرقية جزء لا يتجزأ من الأراضي الفلسطينية المحتلةفي الرابع من حزيران سنة 1967 وتنطبق عليها اتفاقية جنيفالرابعة لسنة 1949 وان جميع الإجراءات التشريعية العنصريةالتي يقوم الكنيست الإسرائيلي بسنها باطلة وتنتهك جميعقرارات الشرعية الدولية المتعلقة بشان القدس المحتلة.

الوضع القانوني للقدس

احتلّت قضيّة القدس حيّزاً واهتماماً في القرار رقم 181 الصّادر عن الجمعيّة العامّة للأمم المتحدة في 29/11/1947 والقاضي بتقسيم فلسطين إلى دولتين عربيّة ويهوديّة. ففيالقسم الثالث من القرار، اقترحت المنظمة الدوليّة أن تكونالقدس كياناً مستقلاً منزوع السلاح وخاضعاً لنظام دوليخاص تديره الأمم المتحدة. وقد تم تعيين مجلس وصاية دوليليتولى أعمال السلطة الإداريّة في المدينة. ثمّ صدر القرار 194 عن الجمعيّة العامّة للأمم المتحدة مؤكداً على مسألة اللاجئين.

ومع الرفض القاطع لقرار التقسيم، وقرار التدويل، لم يجرالبحث في مسألة القدس أو التفاوض حولها، بعد أن احتلتإسرائيل 80% من مساحة المدينة، والتي عرفت بالقدسالغربيّة. ولم يعترف المجتمع الدولي، عبر قراراته المبكِّرة،بإجراءات الضم التي قامت بها إسرائيل، مع التأكيد علىحماية دور العبادة والأماكن المقدّسة فيها.

وطوال السنوات الممتدة من العام 1948 وحتى العام 1967،والتي خضع فيها القسم الشرقي من المدينة، إدارياً وقانونياً،مع ما تبقى من الأراضي الفلسطينيّة التي أصبحت تُعرف فيما بعد بالضفّة الغربيّة، للسلطات الأردنيّة، واصلت إسرائيلعام 1949 الاستيلاء على مزيد من أراضي القدس الشرقيّة،وشرعت في نقل مؤسساتها ووزاراتها من تل أبيب إلى القدس،ضاربة قرارات الشرعيّة الدوليّة الرافضة لذلك عرض الحائط.

بعد الإحتلال الإسرائيلي لما تبقى من القدس في حرب حزيران1967، عملت إسرائيل على تغيير الأوضاع الإداريّة والقانونيّةالتي كانت سائدة في المدينة، وذلك ضمن ما بات يُعرفبعمليات التهويد.

فبعد نحو ثلاثة أسابيع من الاستيلاء على المدينة، أقرالكنيست الإسرائيلي ضمّ القدس المحتلة إلى ما كان قد تمّاحتلاله عام 1948، وتطبيق القانون الإسرائيلي عليه. كماأصدر الكنيستقانون أساس: القدس، الذي يقوم على مبدأأن القدس الموحدة هي عاصمة لدولة إسرائيل. وانطلاقاً منذلك، شرّعت الدّولة المحتلّة لنفسها جميع الإجراءات التياتخذتها بعد ذلك، وهي العمل على تغيير الوضع العمرانيوالديمغرافي والهيكلي للمدينة، والشروع في الحفريات، خاصّةبالقرب من المسجد الأقصى، والقيام بهجمة استيطانيّة مازالت متواصلة بشراسة، حتى يومنا هذا.

ورغم قرارات الأمم المتحدة المتلاحقة التي كرّرت موقفها المتعلِّقبالوضع القانوني لمدينة القدس، باعتبارها مدينة محتلّة،والرفض القاطع للإجراءات الإسرائيليّة في القدس الشرقيّةوالقاضية بضمها وتغيير وضعها القانوني، فإن مثل هذهالقرارات ما زالت تتراكم دون أن تفلح في إيقاف إسرائيل عمّاهي ماضية فيه.

المفاوضات حول القدس

ظلت القدس طوال الفترة الطويلة التالية على احتلالها منذ نحو42 عاماً، نهباً لسلسلة طويلة من المخططات الإسرائيليةالرامية أولاً: إلى زيادة أعداد اليهود من خلال بناء عدد منالأحياء الاستيطانية داخل المدينة المقدسة وفي نطاق حدودهاالتي قامت إسرائيل بتوسيعها لتشمل مزيد من البلداتوالأحياء والمناطق العربية المجاورة، وثانياً: التضييق علىالسكان العرب والسعي إلى تهجيرهم من خلال جملة منالإجراءات المتراوحة بين منع تراخيص البناء لهم، وبين فرضعدد لا يحصى من الضرائب والغرامات، إلى جانب خنقالأنشطة الاقتصادية والتجارية والثقافية، وكل ما من شأنه أنيساعد على تمسك العرب بهوية مدينتهم الخالدة.

ومع أنه لم تجر أي مفاوضات جدية لحل النزاع التاريخي لمدةعشرين سنة لاحقة على الاحتلال، فقد بقيت إسرائيل تعتبرالقدس منطقة خارج كل تفاوض محتمل لتسوية الأزمة،باعتبارها محل إجماع قومي يهودي يصر على اعتبارهاعاصمة أبدية موحدة لا تقبل التفاوض عليها وترفض أيمساس بوحدتها، بل وتلزم نفسها بسلسلة من القرارات التيتحول دون أي حكومة إسرائيلية والقبول بإجراء أي مفاوضاتحول مستقبل المدينة المحتلة.

وقد جرى أول اختبار عملي لهذا الموقف الإسرائيلي المعلن عنهفي كل مناسبة، خلال المفاوضات المصرية ـ الإسرائيلية فيكامب ديفيد عام 1978.

اتفاقية كامب ديفيد

في عام 1978م عقدت اتفاقية سلام بين الرئيس المصريمحمد أنور الساداتورئيس وزراء إسرائيل السابقمناحيمبيغنبعد 12 يوما من المفاوضات في المنتجع الرئاسي كامبديفيد في ولاية ميريلاند القريب من عاصمة الولايات المتحدةواشنطن. حيث كانت المفاوضات والتوقيع على الاتفاقية تحتإشراف الرئيس الأمريكي السابقجيمي كارتر“. وكانت محاور الاتفاقية هي الضفة الغربية وقطاع غزة، وتتضمنانسحاب إسرائيل منهما حسب قرار 242 …كان غير واضحوطبعاً لم ينفذ. وعلاقة مصر وإسرائيل، وتمت بنجاح وعقدتمعاهدة السلام المصرية الإسرائيلية عام 1979. وعلاقةإسرائيل مع الدول العربية: وخاصة لبنان وسوريا والأردنللسعي للوصول إلى سلام شامل مع دول المنطقة.

أهم بنود معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية عام 1979كانت، إنهاء حالة الحرب بين مصر وإسرائيل، وعودة سيناءإلى السيادة المصرية مع بعض التحفظات العسكرية، وضمانعبور السفن الإسرائيلية من قناة سيناء ومضيق تيران بأمنوسلام.

أما حل نتائج الاتفاقية، فقد حازت إسرائيل على أول اعترافرسمي بها من قبل دولة عربية، وحصل الرئيسان على جائزةنوبل للسلام، وتمتعت كلا البلدين بتحسين العلاقاتالدبلوماسية والاقتصادية مع الدول الأوروبية والولايات المتحدة.وحصلت مصر وإسرائيل على الكثير من المساعدات الماليةوالعسكرية من أمريكا حسب الاتفاقية. وعادت حقول نفط أبوروديس في غرب سيناء إلى السيادة المصرية. وفتح الاتفاقوإنهاء حالة الحرب الباب أمام مشاريع لتطوير السياحة،خاصة في سيناء. وخسرت القضية الفلسطينية أقوى دولةعربية مساندة لها في ذلك الوقت وهي مصر. ورفضت الدولالعربية هذه الاتفاقية وطردت مصر من الجامعة العربية عام1979 ثم أعيدت عام 1989، واغتيل أنور السادات على يدخالد الاسلامبولي عام 1981.

كامب ديفيد والقدس

تضمنت الاتفاقية الموقعة أواخر العام 1979، بين كل منالرئيس الأميركي جيمي كارتر والرئيس المصري أنورالسادات، ورئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيغن، شرطاًمسبقاً بضرورة التوصل إلى حل للقضية الفلسطينية بإقامةحكم ذاتي للسكان في الضفة الغربية وقطاع غزة، من أجلتوقيع معاهدة السلام المصرية ـ الإسرائيلية.

غير أنه ضمن المبادئ العامّة التي شدّد عليها المفاوضالمصري، والمتعلِّقة بالقدس، وانطلاقاً من مبدأ عدم جوازالاستيلاء على أراضي الغير بالقوّة، وقرارات الأمم المتحدة،وفي مقدمتها القرار 242، طالبت مصر بالانسحابالإسرائيلي إلى حدود 1949 المعروفة بخطوط الهدنة، وإعادةالحقوق العربيّة التاريخيّة الشرعيّة لأصحابها، وضمنها القدسالشرقيّة، التي نادت بإعادتها كاملة إلى السيادة العربيّة، معإيجاد ترتيبات خاصّة للأماكن المقدّسة. غير أن إسرائيلرفضت المقترحات المصريّة جملة وتفصيلاً، مكررة طروحاتهاحول أن القدس الموحدة تحت السيادة الإسرائيليّة، وعاصمةلدولة إسرائيل، هي مسألة غير قابلة للتفاوض.

غير أن التوقيع على اتفاقيّة كامب ديفيد المصريّة الإسرائيليّةجاء، ولملابسات عديدة، دون الخوض في صلب مسألة القدس،وتمّ إحالة بحثها إلى وقت آخر لم يتحدّد.

السادات في الكنسيت بتاريخ 20/11/1977 وقضية القدس

الرئيس أنور السادات أولى قضية القدس جانباً مهماً منكلمته المطوّلة أمام الكنيست، حيث قال:

هناك حقائق لا بد من مواجهتها، بكل شجاعة ووضوح. هناكأرض عربية احتلتها، ولا تزال تحتلها، إسرائيل بالقوة المسلحة،ونحن نصرّ على تحقيق الانسحاب الكامل منها، بما فيهاالقدس العربية.

القدس التي حضرت إليها باعتبارها مدينة السلام، والتيكانت، وسوف تظل على الدوام، التجسيد الحيّ للتعايش بينالمؤمنين بالديانات الثلاث. وليس من المقبول أن يفكر أحد فيالوضع الخاص لمدينة القدس، في إطار الضم أو التوسع. وإنّما يجب أن تكون مدينة حرة، مفتوحة لجميع المؤمنين. وأهممن كل هذا، فإن تلك المدينة، يجب ألاّ تُفصل عن هؤلاء الذيناختاروها مقرًّا ومقامًا لعدة قرون. وبدلاً من إيقاذ أحقادالحروب الصليبية، فإننا يجب أن نحيٍي روح عمر بن الخطابوصلاح الدين، أي روح التسامح واحترام الحقوق.

إنَّ دُور العبادة، الإسلامية والمسيحية، ليست مجرد أماكنلأداء الفرائض والشعائر، بل إنها تقوم شاهد صدقٍ علىوجودنا، الذي لم ينقطع في هذا المكان، سياسيًا وروحيًاوفكريًا. وهنا، فإنه يجب ألا يخطئ أحد تقدير الأهمية والإجلالاللذين نكنّهما للقدس، نحن معشر المسيحيين والمسلمين. ودعوني أقُلْ لكم، بلا أدنى تردُّد، إنني لم أجىء إليكم تحتهذه القبة، لكي أتقدم برجاء أن تُجلوا قواتكم من الأرضالمحتلة. إن الانسحاب الكامل من الأرض المحتلة بعد 1967 ،أمر بديهي، لا نقبل فيه الجدل، ولا رجاء فيه لأحد أو من أحد.

ولا معنى لأي حديث عن السلام الدائم، العادل، ولا معنى لأيخطوة لضمان حياتنا معًا في هذه المنطقة من العالم، في أمنوأمان، وأنتم تحتلون أرضًا عربية بالقوة المسلحة. فليس هناكسلام يستقيم أو يُبنى، مع احتلال أرض الغير. نعم، هذهبديهية، لا نقبل الجدل والنقاش، إذا خلُصت النوايا وصَدَقالنضال، لإقرار السلام الدائم، العادل، لجيلنا ولكل الأجيال منبعدنا“.

وهكذا فإن أول معاهدة سلام عربية ـ إسرائيلية من نوعها،تجاهلت التطرق إلى موضوع القدس من قريب أو بعيد، وبدتكأنها خارج أي إطار تفاوضي في المستقبل، الأمر الذي شكلفي حينه نجاحاً للسياسية الإسرائيلية القائلة بأن القدسليست محل نقاش، بل وأنها خارج إطار النزاع الجاري،باعتبارها عاصمة أبدية موحدة للدولة العبرية، وهو ما شكلأحد أهم المآخذ العربية على تلك المعاهدة التي خرقت مبادئالإجماع العربي، وأخرجت القدس من جدول الأعمال اليوميلمرحلة طويلة لاحقة.

القدس ما بعد كامب ديفيد

بعد الفشل المدوي في كامب ديفيد، والإخفاق الذي رافق آخر جولة تفاوضية في طابا جرت قبل أيام معدودة من التبدل الذي كان منتظراً في واشنطن حيث أوشكت ولاية الرئيس كلينتون على الانتهاء، وفي تل ـ أبيب حيث كان ايهود باراك يتهيأ لفشله في انتخابات الكنيست ليحل محله أرئيل شارون، أقول بعد ذلك كله دخلت عملية السلام في طور من الجمود الطويل، وسط تشكيك إسرائيلي متواصل بعدم وجود شريك فلسطيني، فضلاً عن تفاقم الأوضاع الأمنية على الأرض، بصورة لم يعد معها من الممكن البحث في أي من موضوعات العملية السلمية، سواء تعلق الأمر بالقدس أو غيرها من موضوعات المرحلة الانتقالية.

وقد أثير موضوع القدس في مفاوضات طابا، حيث جاء في الوثيقة الأوروبية غير الرسمية التي أعدها المبعوث الأوروبي ميغال موراتينوس وفريقه، بعد مشاورات مع الجانبين المتفاوضين، أنه تم التفاهم بينهما فيما يتعلق بموضوع القدس على ما يلي:

1 ـ السيادة:

قبل الجانبان من حيث المبدأ إقتراح كلينتون بسيادة فلسطينية على الأحياء العربية في القدس ، وسيادة إسرائيلية على الأحياء اليهودية .

الجانب الفلسطيني أكد بأنه يرفض ولكنه مستعد لبحث مطلب إسرائيلي بالسيادة على بعض المستوطنات اليهودية في شرقي القدس التي بنيت بعد عام 1967، ولكن ليس على جبل أبو غنيم ورأس العامود .

الجانب الفلسطيني رفض سيادة إسرائيلية على مستوطنات في منطقة متروبوليتان القدس (القدس الكبرى) ، أي معاليه أدوميم وجفعات زئيف.

الجانب الفلسطيني فهم أن إسرائيل كانت مستعدة لقبول سيادة فلسطينية على الأحياء العربية في شرقي القدس، وبضمنها البلدة القديمة من القدس.

الجانب الفلسطيني فهم أن الجانب الإسرائيلي قبل مناقشة المطالب الفلسطينية بالأملاك الفلسطينية في غربي القدس.

2ـ مدينة مفتوحة:

كلا الجانبين يحبذان فكرة مدينة مفتوحة .

الجانب الإسرائيلي اقترح إنشاء مدينة مفتوحة ذات مجال جغرافي يحيط بالبلدة القديمة  زائد “الحوض المقدس” حسب التسمية اليهودية .

الجانب الفلسطيني كان يحبذ مدينة مفتوحة شريطة الحفاظ على التواصل والإستمرارية ورفض الإقتراح الإسرائيلي بخصوص مدينة مفتوحة ذات مجال جغرافي ، مؤكداً أن المدينة المفتوحة مقبولة فقط إذا كان مجالها الجغرافي يشمل الحدود البلدية الكاملة لشرقي وغربي القدس .

طرح الجانب الإسرائيلي فكرة إنشاء آلية للتنسيق اليومي، وتم اقتراح نماذج مختلفة من التنسيق والتعاون البلدي (يتعلق بالبنية التحتية والطرق والكهرباء والمجاري وإزالة النفايات ..) إلخ. يمكن صياغة مثل هذه الترتيبات في إتفاق مستقبلي مفصل. واقترح “نظام حدود مرنة” في القدس (بين القدس ويروشاليم) لتغطية مناطق الفسح، مثل طريق رقم (1)، بلافتات تعريفات خاصة لسكان القدس ويروشاليم بحيث توفر لهم إمتيازات “الحدود المرنة”. كما أن الجانب الإسرائيلي اقترح عدداً من الترتيبات الخاصة للسكان الفلسطينيين والإسرائيليين في المدينة المفتوحة تضمن بأن لا تؤثر ترتيبات المدينة المفتوحة عكسياً على حياتهم اليومية ولا التنازل عن سيادة كل جانب على منطقته في المدينة المفتوحة.

3ـ عاصمة لدولتين :

قبل الجانب الإسرائيلي أن تكون مدينة القدس عاصمة لدولتين: يروشاليم عاصمة لإسرائيل، والقدس عاصمة لدولة فلسطين.

عبر الجانب الفلسطيني عن إهتمامه الوحيد بأن تكون القدس الشرقية عاصمة لدولة فلسطين .

4ـ الحوض المقدس والبلدة القديمة :

هناك محاولة لوضع فكرة بديلة تتعلق بالبلدة القديمة ومحيطها، ووضع الجانب الإسرائيلي نماذج لعدة بدائل لمناقشتها، على سبيل المثال: إنشاء آلية لتعاون وتنسيق وثيقين في البلدة القديمة. وتم بحث فكرة نظام قوة شرطة خاص لكن لم يتفق عليه . وطلبت إسرائيل وضع أجزاء من الحي الأرمني تحت سيادتها (لضمان الوصول إلى البلدة القديمة).

عبر الجانب الإسرائيلي عن إهتمامه ومصالحه بخصوص منطقة الحوض المقدس (التي تتضمن المقبرة اليهودية على جبل الزيتون، مدينة داوود، وادي قدرون). أكد الجانب الفلسطيني بأنه يرغب في الأخذ بعين الإعتبار المصالح والإهتمامات الإسرائيلية شريطة أن تظل هذه الأماكن تحت السيادة الفلسطينية. خيار آخر بالنسبة للحوض المقدس، إقترحه الجانب الإسرائيلي رسمياً ، هو خلق نظام خاص أو إقتراح بعض التدويل للمنطقة كلها أو نظام مشترك مع تعاون وتنسيق خاصين. لم يوافق الجانب الفلسطيني على ملاحقة أي من هذه الإقتراحات، مع أن النقاش يمكن أن يستمر.

5ـ الأماكن المقدسة / الحائط الغربي وحائط المبكى :

    قبل الجانبان مبدأ سيطرة شخصية لكل جانب على أماكنه المقدسة (سيطرة وإدارة دينية). ووفقاً لهذا المبدأ، سيتم الإعتراف بسيادة إسرائيل على الحائط الغربي رغم أنه ستظل هناك خلافات تتعلق بترسيم المنطقة التي سيغطيها الحائط الغربي وخاصة ما أشير إليها في أفكار كلينتون كمساحة مقدسة لليهود تطالب بها إسرائيل.

إعترف الجانب الفلسطيني بأن لإسرائيل مزاعم وطلب إنشاء دمج للأجزاء المقدسة في الحائط الغربي ، لكنه أكد بأن مسألة الحائط الغربي/ أو حائط المبكى لم تحل بعد. كما أكد على أهمية التمييز بين الحائط الغربي وحائط المبكى، الذي يعرف بالنسبة للعقيدة الإسلامية كحائط البراق.

6 ـ الحرم الشريف/ جبل الهيكل:

إتفق الجانبان على أن مسألة الحرم الشريف/ جبل الهيكل لم تحل بعد. وعلى أي حال كان الجانبان قريبين من قبول أفكار كلينتون بخصوص السيادة على الحرم الشريف بالرغم من التحفظ الفلسطيني على المناطق المتصلة بالحائط الغربي/ حائط المبكى.

لاحظ الجانبان تقدماً بشأن ترتيبات عملية تتعلق بالحفريات والبناء والنظام العام في المنطقة (الحرم الشريف والحائط الغربي) وطرح إقتراح غير رسمي بشأن وضع الحرم الشريف/ جبل الهيكل لمدة سنة أو ثلاث سنوات تحت سيادة دولية: الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن والمغرب (أو وجود إسلامي آخر)، بحيث يكون الفلسطينيون “الحراس” خلال هذه الفترة. وفي نهاية هذه الفترة، يتفق كلا الطرفين على حل جديد أو على تمديد الترتيب القائم. وفي غياب إتفاق سيرجع الجانبان لتنفيذ صيغة كلينتون. لم يقبل أي جانب هذا الإقتراح أو يرفضه.

ثم وقعت الإنتفاضة الثانية بعد ذلك مباشرة، وترافقت مظاهرها العنيفة مع تداعيات أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وبدء ما عُرف بإسم الحرب على الإرهاب. وبدون استعادة الكثير من الواقع والذكريات المريرة من التدمير والحصار وإعادة الإحتلال لكامل الضفة الغربية، فقد جاءت محصلة هذه الأحداث في نهاية المطاف، وبالاً على الشعب الفلسطيني، وعلى السلطة الفلسطينية خاصة بعد أن نجحت إسرائيل في دمج حربها ضدنا بالحرب الدولية على الإرهاب، وأعادت احتلال الأرض التي كانت لنا فيها سيادة وسيطرة معترف بها، وحاصرت الزعيم الخالد الرئيس ياسر عرفات، وأقامت جدار الفصل العنصري، وراحت تعزل مدينة القدس عن محيطها أكثر، وأطلقت لنفسها عنان العدوان والتوسع والإستيطان، وذلك كله بذريعة حق الدفاع عن النفس ومحاربة الإرهاب، وأوصدت في الوقت نفسه الباب تماماً أمام العودة إلى مائدة المفاوضات.

في غضون هذه الفترة المليئة بالوقائع والأحداث والتطورات، جرى طرح وتقديم عدد من المقترحات والمبادرات والخطط المتفرقة، وذلك لإحداث التقدم المنشود على طريق عملية السلام المتعثرة، بدون أن يتمكن أي من المبادرين هؤلاء من تحقيق أي نجاح يعتد به على الأرض.

ولعل من المفيد هنا أن نذكر أنه في وقت مبكر من بدء عملية السلام، وبعد أن واجهت هذه العملية نوعاً من الاستعصاء، تم في حينه، وكان ذلك في 15/10/1995، الإعلان عما سمي آنذاك بخطة أبو مازن ـ بيلين، في إشارة إلى ما تم التوصل إليه بين طرفين يقود أحدهما الأخ محمود عباس أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، والآخر يقوده يوسي بيلين وزير العدل في حكومة اسحق رابين. حيث نشرت مجلة نيوزويك الأميركية نصاً قالت أنه تم التوصل إليه بعد محادثات جرت على مدى 18 شهراً بين عامي 1993 و 1995، وأن رابين لم يقرأ هذه الوثيقة جراء اغتياله قبل وصول المسودة النهائية إلى مكتبه.

حيث نصت المادة السادسة من هذه الوثيقة المتعلقة بمستقبل مدينة القدس على البنود التالية:

1ـ تبقى القدس مدينة مفتوحة وغير مقسمة يتاح دخولها لأتباعجميع الديانات السماوية من كل الجنسيات.

. 2ـ يوافق الطرفان أيضا على أن إصلاحا للنظام البلدي الحالي للقدس وتخومها يجب القيام به في موعد لا يتجاوز 5مايو / أيار 1999 ويجب ألا يخضع لتغيير آخر بموجب قانون أو غيره إلا باتفاق مشترك قبل الوفاء بأحكام البند (9) أدناه، ويجب أن يمتد هذا الإصلاح ليشمل التخوم البلدية الحالية للقدس وان يحدد حدود «مدينة القدس» لتشمل أبو ديس والعيزرية ، والرام ، والزعيم ، ومعالية ادوميم، وجبعات زيئيف، وجيفون والمناطق المتاخمة حسبما هو موضح في الخريطة / الخرائط المفرقة.

3 ـ وداخل «مدينة القدس» فإن مناطق الجوار التي يقطنها «إسرائيليون» سيتم تعريفها باعتبارها «أقساما إداريةإسرائيلية» وسيتم تعريف مناطق الجوار التي يقطنها فلسطينيون باعتبارها «أقساما إدارية فلسطينية»، وقد تم على نحو دقيق تخطيط وبيان حدود «مدينة القدس» والأقسامالإدارية الإسرائيلية والفلسطينية في الملحق (2) من اتفاق الوضع النهائي والخريطة / الخرائط المرفقة.

وسيعكس عدد الأقسام الإدارية الإسرائيلية والفلسطينيةالتوازن الديموجرافي الحالي ونسبته 1.2 وسيتم تحديث هذهالنسبة حسب الأشكال والمعايير والجدول كما هو موضح فيالملحق (3) من اتفاق الوضع النهائي.

4 ـ يوافق الطرفان على الإبقاء على بلدية «مدينة القدس» فيشكل مجلس بلدي أعلى مشترك يتكون من ممثلي الأقسامالإدارية، وينتخب هؤلاء الممثلون رئيس بلدية «مدينة القدس». وفي كافة الأمور ذات الصلة بمناطق «مدينة القدس» التيتخضع للسيادة الفلسطينية، يجب أن يسعى المجلس البلديالأعلى المشترك للحصول على موافقة حكومة فلسطين. وفيكافة الأمور ذات الصلة بمناطق «مدينة القدس» التي تخضعللسيادة الإسرائيلية يجب أن يسعى المجلس البلدي الأعلىالمشترك للحصول على موافقة حكومة إسرائيل.

5 ـ تتألف «مدينة القدس» من المجلس البلدي الأعلى المشتركوبلديتين فرعيتين أي بلدية فرعية «إسرائيلية» ينتخبها سكانالأقسام الإدارية الإسرائيلية وبلدية فرعية فلسطينية ينتخبهاسكان الأقسام الإدارية الفلسطينية ، ولجنة تعادل مشتركةلمنطقة المدينة القديمة حسبما هو موضح في البند (12) أدناه.

6 ـ يوافق الطرفان أيضاً على أن بلديةمدينة القدس“:

أ ـ ستفوض صلاحيات محلية قوية للبلديتين الفرعيتين تشملحق فرض ضرائب محلية والخدمات المحلية ونظام التعليمالمستقل والصلاحيات الدينية المفصلة وتخطيط الإسكانوالتقسيم لمناطق حسبما هو موضح تفصيليا في الملحق الثالثمن اتفاق الوضع النهائي.

ب ـ ستضع خطة أساسية مدتها خمسة وعشرون عاما «لمدينةالقدس» مع أجهزة متفق عليها لتنفيذها على نحو متوازنويشمل ذلك ضمانات مصالح الطائفتين.

ج ـ ستعمل على أن يدلي المواطنون الإسرائيليونوالفلسطينيون الذين يقيمون داخل حدود منطقة اختصاصيبلدية مدينة القدس والبلديتين الفرعيتين بأصواتهم وان يسعواإلى الترشيح لجميع المناصب التي يتم الاختيار لها عن طريقالانتخاب حسبما سيتم تحديده في اللوائح البلدية الخاصةبالقدس.

7 ـ يعترف الطرفان ـ داخل «مدينة القدس» ـ بالجزء الغربيمن المدينة باعتبار انه «أورشليم» وبالجزء الشرقي من المدينةالذي يخضع للسيادة الفلسطينية باعتبار انه «القدس» انظرالخريطة / الخرائط المرفقة.  

وفي الفترة اللاحقة على فشل مؤتمر كامب ديفيد وانفجارالإنتفاضة الفلسطينية الثانية، ومن ثم دخول الأطراف كافة فيدائرة عنف جديدة، كانت تتغذى من سياسة منهجية إسرائيليةمصممة على تقويض بنية السلطة الوطنية وإنهاء العمليةالسلمية بالكامل، أقول في تلك الفترة، برزت إلى السطحمبادرتان جرى إعداد كل منهما على حدة:

الأولى عرفت باسم مبادرة أيالون ـ نسيبه، أي بين الجنرالعامي أيالون مدير الإستخبارات الإسرائيلية الأسبق، وبينالبروفيسور سري نسيبه رئيس جامعة القدس، حيث نصت هذهالوثيقة على ما يلي:

يعترف الشعب الفلسطيني والشعب اليهودي كل واحد للآخربالحقوق التاريخية في ذات الأرض. فعلى مدى الأجيال سعىالشعب اليهودي إقامة الدولة اليهودية في كل أرجاء أرضإسرائيل، فيما سعى الشعب الفلسطيني هو الآخر علىإقامة دولة في كل أرجاء فلسطين..بهذا، يتفق الطرفان على حلوسط تاريخي يقوم على مبدأ دولتين ذات سيادتين قابلتينللعيش تعيشان جنباً إلى جنب، وإعلان النوايا التالي هو تعبيرعن إرادة أغلبية الشعبين. فالطرفان  يؤمنان بأن هذه المبادرةستتيح لهما التأثير على قياداتهم، وبالتالي فتح فصل جديدفي تاريخ المنطقة. كما يتحقق هذا الفصل بدعوة الأسرةالدولية إلى ضمان أمن المنطقة والمساعدة في ترميم وتطويراقتصادها.

إعلان النوايا – ومدينة القدس

    دولتان للشعبين: يعلن الطرفان أن فلسطين هي الدولةالوحيدة للشعب الفلسطيني وإسرائيلهي الدولة الوحيدةللشعب اليهودي.

الحدود: تتفق الدولتان على إقامة حدود دائمة بينهما علىأساس خطوط الرابع من يونيو1967، وقرارات الأمم المتحدةومبادرة السلام العربية (المسماة بالمبادرة السعودية).

التعديلات الحدودية ستقوم على أساس تبادل الأراضي بشكلمتساوٍ ( بنسبة 1:1) وفقاً للأغراض الحيوية للطرفين، بما فيذلك الأمن التواصل الإقليمي والاعتبارات الديمغرافية.

المنطقتان الجغرافيتان اللتان ستشكلان الدولة الفلسطينيةالضفة الغربية وقطاع غزةتكونان متصلتين.

بعد إقامة الحدود المتفق عليها لا يبقى مستوطنين في الدولةالفلسطينية.

القدس: القدس ستكون مدينة مفتوحة، عاصمة للدولتين..الحريةالدينية وحرية الوصول الكاملة إلى الأماكن المقدسة تكونمضمونة للجميع. لا يكون لأي طرف سيادة على الأماكنالمقدسة. دولة فلسطينية توصف كوصية(guardian) علىالحرم الشريف لصالح المسلمين. وإسرائيل توصف كوصيةعلى الجدار الغربي لصالح الشعب اليهودي. يجري الحفاظعلى الوضع الراهن في موضوع الأماكن المسيحية المقدسة. لاتجرى أي حفريات داخل الأماكن المقدسة أو في نطاقها.

حق العودة: انطلاقاً من الاعتراف بمعاناة وأزمة اللاجئينالفلسطينيين، فإن الأسرة الدولية وإسرائيلوالدولةالفلسطينية تبادر وتتبرع بالأموال لصندوق دولي لتعويضاللاجئين.

لا يعود اللاجئين الفلسطينيون إلا إلى دولة فلسطين، ولا يعوداليهود إلا لدولةإسرائيل“.

الأسرة الدولية تقترح منح التعويض لتحسين وضع اللاجئينالساعين إلى البقاء في الدولة التي يعيشون فيها حالياً أوالساعين إلى الهجرة إلى دولة ثالثة.

الدولة الفلسطينية تكون مجردة من السلاح والأسرة الدوليةتضمن أمنها واستقلالها.

نهاية النزاع: مع التطبيق الكامل لهذه المبادئ يوضع حد لكلالمطالب من الطرفين ويصل النزاعالإسرائيلي“-الفلسطينيإلى منتهاه.

أما المبادرة الثانية فقد عرفت باسم القائمين عليها من الجانبينالفلسطيني والإسرائيلي، وهما الأخ ياسر عبد ربه وزيرالإعلام الفلسطيني وعضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير فيحينه، والسيد يوسي بيلين زعيم حزب ميرتس اليساري. حيثجرى التوقيع على هذه الوثيقة يوم 1/11/2003 في سويسرا،وسط حضور فلسطيني وإسرائيلي دولي، حضرته شخصياتمرموقة وذات صفة رسمية في بلادها.

وقد جاء في هذه الوثيقة فيما يخص قضية القدس ما يلي:

الأهمية الدينية والثقافية:

يعترف الطرفان بالأهمية التاريخية، الدينية، الروحانية والثقافيةالعالمية للقدس، وبقدسيتها لليهودية، والمسيحية والإسلام. وانطلاقاً من هذا الاعتراف فإن الطرفين يعيدان التأكيد علىالتزامهما بالحفاظ على حرية العبادة في المدينة، احترامالتقليد القائم في الوظائف الإدارية في المدينة؛ والأنظمةالتقليدية بين المؤسسات الدينية المختلفة.

يقيم الطرفان هيئة دينية مشتركة تتشكل من مندوبي الأديانالثلاثـة تشير إلى الطرفين في المواضيع المتعلقة بالأهميةالدينية للمدينة وتحث التفاهم والحوار بين الأديان.

عاصمة الدولتين

عاصمة كل واحدة من الدولتين تكون في المناطق التي يسيطرعليها في القدس كل طرف يعترف بعاصمة الطرف الآخر.

السيادة

  السيادة في أراضي المدينة تتقرر وفقا للخارطة المرفقةبالاتفاق.

نظام الحدود.

    نظام الحدود يصمم وفقا للشروط المفصلة في البند 11،وفي ظل الأخذ بالحسبان الاحتياجات الخاصة في المدينة(حركة السياح وتواتر اجتياز الحدود.

نطاق الحرم

مجموعة دولية تتشكل للإشراف على تطبيق البند وتتشكلالمجموعة من مندوبيمجموعة التطبيقومندوبين آخرينيتفق عليهم الطرفان، بمن فيهم المؤتمر الإسلامي.

المجموعة الدولية تقيم وجودا متعدد الجنسيات في النطاقنفسه.

في ضوء قدسية النطاق والمعنى الديني والثقافي الخاص لهبالنسبة للشعب اليهودي، لا تجري أي أشغال حفر أو بناء فيالنطاق إلا إذا صادق عليه الطرفان.

دولة فلسطين تكون مسؤولة عن الحفاظ عن أمن النطاقوتحرص على عدم وجود أي استخدام معادٍ فيه ضد أهدافإسرائيلية.

في ضوء المعنى العالمي للنطاق، يسمح للزوار بزيارته وفقاًللاضطرارات الأمنية والرغبة في عدم عرقلة الصلاة والحجيجفي المكان، كما تقررها الأوقاف.

الحائط الغربي

الحائط الغربي يكون تحت سيادة إسرائيلية.

البلدة القديمة

يرى الطرفان في البلدة القديمة وحدة واحدة ذات طابعخاص. ويعمل الطرفان وفقا للأنظمة العالمية للحفاظ علىالتراث الثقافي لليونسكو، والتي تندرج فيها البلدة القديمة.

الحركة في حدود البلدة القديمة تكون حرة ودون عراقيل وفقاللقوانين والأنظمة في المواقع الدينية المختلفة.

نقاط الدخول والخروج من وإلى البلدة القديمة تشغلهاسلطات الدولة التي توجد هذه تحت سيادتها، بحضور وحدةحفظ النظام لـمجموعة التطبيق“.

سكان كل واحد من الطرفين والسياح لا يمكنهم أن يخرجوامن البلدة القديمة الى مناطق الطرف الآخر إلا إذا كانوايحتفظون بتأشيرات مناسبة تسمح لهم بعمل ذلك.

 لا يسمح لأي شخص بحمل أو حيازة السلاح في البلدةالقديمة، باستثناء قوات حفظ النظام المنصوص عليها في هذاالاتفاق.

مقبرة جبل الزيتون

المقبرة اليهودية في جبل الزيتون تكون تحت سيطرةإسرائيلية.

يكون هناك طريق يوفر حرية وصول غير مقيدة الى المنطقة.

ترتيبات خاصة للمقبرة

تقام ترتيبات بشأن المقبرة في جبل صهيون والمقبرة في الحيالألماني، لضمان حقوق الزيارة القائمة، بما فيها إمكانياتحرية الوصول.

نفق الحائط الغربي

نفق الحائط الغربي يكون تحت سيطرة إسرائيلية، بما فيها: حرية وصول إسرائيلية غير مقيدة وحق إقامة احتفالات دينية،مسؤولية عن الحراسة والصيانة للموقع وحفظ النظامالإسرائيلي.

تنسيق بلديات

تشكل السلطتان البلديتان المنفصلتان للقدس لجنة تنسيقوتطوير للإشراف على التعاون والتنسيق بينهما.

تقام لجان فرعية لمواضيع مياه الشرب، المجاري، جمعومعالجة المياه العادمة، المواصلات، جودة البيئة، الاقتصادوالتنمية، الشرطة وخدمات الطوارئ والخدمات البلدية فيالبلدة القديمة.

حق مواطنة إسرائيلي لفلسطينيين مقدسيين

فلسطينيون مقدسيون يعتبرون الآن كمواطنين إسرائيليينيفقدون هذه المكانة، حين تنتقل الأراضي التي يسكنون فيهاإلى سيطرة السلطة الفلسطينية.

ترتيبات خاصة

على طول الطريق من باب الخليل وحتى باب النبي داودتنطبق ترتيبات بشأن الإسرائيليين بالنسبة للعبور، حريةالحركة والأمن، كما يتقرر في الملحق للاتفاق.

القدس في مؤتمر مدريد عام 1991

وبعد سنوات طويلة ومريرة من كامب ديفيد الأولى في أواخرعقد السبعينات من القرن الماضي، جرى اختبار ثانٍ للموقفالإسرائيلي الرافض لأي مساس بالوضع القائم في القدس،وذلك حين تمت الدعوة لعقد مؤتمر سلام دولي في مدريد عام1991، مباشرة بعد حرب الخليج الأولى، حيث أثيرت في حينهمسألة تشكيل وفد فلسطيني، ضمن وفد مشترك مع الأردن،لحضور اجتماعات ذلك المؤتمر الذي حضرته جميع الدولالعربية، وتم استثناء منظمة التحرير الفلسطينية، وهي الممثلالشرعي الوحيد باعتراف عربي شامل، من المشاركة في أعمالمؤتمر مدريد.

في هذا الاختبار الذي يعتبر الثاني من نوعه، واصلت إسرائيلتمسكها الشديد بموقفها التقليدي القائل بعدم السماح لأيمقدسي بالمشاركة في عضوية الوفد الفلسطيني المشكل منشخصيات سياسية من الضفة الغربية وقطاع غزة، حرصاًمنها على عدم السماح لأي تدبير من شأنه أن يضعف منقبضة سياستها المتعنتة إزاء حاضر القدس ومستقبلها الذيتواصل تقريره من جانب واحد. وبالفعل فقد خضع راعييمؤتمر مدريد، الولايات المتحدة والإتحاد الروسي الوارث لمكانةالاتحاد السوفياتي حديثاً، لهذا المنطق الإسرائيلي المتعسف،فتم استثناء قيادات القدس المرموقة ومنعها من الانضمامرسمياً إلى عضوية الوفد الفلسطيني ـ الأردني المشترك، بمافي ذلك رفض مشاركة الأخ الشهيد فيصل الحسيني بصفتهشخصية مقدسية رغم أنه هو الذي كان يفاوض الجانبالامريكي ووزير الخارجية الامريكي جيمس بيكر.

وعليه لم يرد، في مؤتمر مدريد للسلام (تشرين الأول/ أكتوبر1991)، ذكر القدس في كلمات رعاة المؤتمر، وكانت إسرائيلقد أعلنت رفضها القاطع مشاركة شخصيات وطنيّة مقدسيّةضمن الوفد الأردني ـ الفلسطيني المشترك. ومع تواصلالمفاوضات في واشنطن، والتي استمرت حتّى آب/ أغسطس1993، حاول الوفد الفلسطيني فتح ملف القدس، كونالاستيطان يعمل على قضمها بتسارع، ولأن ما ينطبق علىولاية الحكم الذاتي ينطبق عليها، غير أن الجانب الإسرائيليعاد إلى تكرار مواقفه المعروفة حول القدس الموحّدة عاصمةلإسرائيل، ورفض أي مظهر سيادي فلسطيني في المدينة، معتأكيد الرفض المطلق لوقف الاستيطان.

اوسلو إعادة القدس إلى جدول الأعمال

على هذه الخلفية المليئة بالإخفاقات الدبلوماسية العربية، والنجاحات الإسرائيلية بالمقابل، فإنه يمكن اعتبار اتفاق أوسلو الموقع بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل في البيت الأبيض عام 1993، أول نجاح من نوعه على هذا الصعيد. حيث شكل هذا أول صدع في جدار الموقف الإسرائيلي المتصلب حول القدس، وذلك حين تم إدراج مستقبل المدينة المقدسة كواحد من الموضوعات الأساسية المتعلقة بقضايا الحل النهائي، ذلك الحل الذي كان من المقرر الشروع بالتفاوض وإنهاءه في فترة لا تتجاوز فترة السنوات الخمس المحددة لنهاية فترة الحكم الذاتي الانتقالي.

وتضمن اتفاق إعلان المبادئ المشترك المعروف باسم اتفاق أوسلو عدة قضايا مهمة، من بينها الاعتراف المتبادل بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، إلى جانب قبول إسرائيل لقراري مجلس الأمن الدولي 242 و 338، وسلسلة أخرى من الخطوات الانتقالية المفضية إلى عقد مفاوضات الوضع الدائم، التي تشمل القضايا الأساسية المعلقة، وفي مقدمتها قضية القدس، إلى جانب قضايا اللاجئين والمستوطنات والحدود والأمن والمياه وكل تفرعاتها، على أن تنتهي في مدة لا تتجاوز 5 سنوات كما ذكر سابقاً.

وكانت اتفاقية أوسلو التي استغرق التفاوض عليها نحو تسعة أشهر وراء أبواب مغلقة، نقطة انعطاف كبرى في مسيرة العمل الكفاحي الفلسطيني، حيث أرست المداميك الأولى لأول بناء كياني فلسطيني في العصر الحديث، وخلقت وقائع سياسية وديمغرافية واجتماعية لا تقبل الإمحاء، وأقامت أول سلطة وطنية منتخبة، وبنت سلسلة من الإدارات والمؤسسات والأجهزة التي لا تزال قائمة حتى يومنا هذا، وفتحت الأبواب أكثر من أي وقت مضى لحل القضية الفلسطينية من جميع جوانبها على قاعدة تفاوضية مباشرة محددة مدتها الزمنية وجدول أعمالها، بما في ذلك قضية القدس التي كانت خارج كل تفاوض محتمل حتى تاريخه.

احمد قريع مستقبل القدس على جدول أعمال مفاوضات الحل الدائم في اوسلو

ومع أننا لم نتمكن في مفاوضات أوسلو السرية من تحقيق ما هو أكثر من وضع مستقبل القدس على جدول أعمال مفاوضات الحل الدائم، ودون أي لبس من نوعه، إلا أنني وأنا الذي قدت الوفد الفلسطيني في تلك المفاوض، كنتُ أدرك تماماً أن إعادة القدس إلى جدول الأعمال، بعد طول تعنت إسرائيلي، يعد مكسباً أولياً بالغ الأهمية، من شأنه أن يكسر ما وصف حتى ذلك الحين أنه إجماع قومي إسرائيلي ويهودي على ضرورة استثناء وضع المدينة العربية المحتلة من أي مفاوضات يمكن إجراؤها لتسوية القضايا الكبرى المتعلقة بملف الوضع الدائم”.

على هذا الأساس، قلتُ غداة التوقيع على اتفاق أوسلو مباشرة، وقبل العودة إلى أحضان المدينة المقدسة ” إن الصراع حول مستقبل القدس سوف يكون بعد أوسلو أكثر فاعلية وأكثر صعوبة منه قبل التوصل إلى هذا الاتفاق، حيث أننا سنكون في غزة وفي رام الله وبيت لحم أقرب إلى القدس من أي منفى لنا في العواصم العربية”. وعلى هذا الأساس أيضاً اخترتُ العودة إلى أبو ديس التي كانت جزءاً من مدينة القدس ذاتها، وأدرتُ من هناك من مقر للسلطة الوطنية، سلسلة أخرى طويلة من المفاوضات اللاحقة، وسائر موضوعات الحل الانتقالي وقضايا الوضع الدائم.

على أي حال، فإنني أود أن أسجل بكل إخلاص أن أوضاعنا الذاتية الفلسطينية لم تكن تتيح لنا تحقيق كل ما كنا نصبو إليه، سواء تعلق الأمر بالقدس أو الاستيطان أو اللاجئين أو غير ذلك، الأمر الذي دفعنا إلى التمسك بمحاولاتنا المستميتة الهادفة إلى عدم إغلاق النقاش حول القضايا الخلافية الكبرى وتركها مفتوحة إلى زمن آخر أفضل نتمكن فيه من تحقيق مزيد من المكتسبات السياسية، ومراكمة المزيد من حقائق الأمر الواقع، على طريق إعادة التفاوض من مركز أفضل، وهو ما أعتقد أننا قد تمكنا من إنجازه بصورة أولية مرضية.

ومع أننا لم نستطع تحقيق ما هو أكثر من إدراج قضية القدس، إلى جانب القضايا الأساسية الأخرى، على جدول مفاوضات الحل النهائي والرسالة التي وجهها شمعون بيريز وزير الخارجية الاسرائيلي الى الرئيس الشهيد الراحل ياسر عرفات حول مؤسسات القدس الثقافية والدينية والاقتصادية والاجتماعية، وفق ما جاء في إعلان المبادئ المشترك، أي اتفاق أوسلو، إلاّ أنه يمكن القول أننا استطعنا خلال المفاوضات المتعلقة بتطبيقات المرحلة الانتقالية الوسيطة، إنجاز حقائق أساسية ملموسة فيما يتعلق بمستقبل القدس، وأعني بذلك انتزاع موافقة إسرائيل على مشاركة مواطني القدس في الانتخابات العامة التي جرت في أوائل عام 1996، الأمر الذي شكل خرقاً في جدار الرفض المبدأي الإسرائيلي لأي تفاوض حول القدس.    

وفيما بعد كانت السنوات الخمس المتفق عليها لتنفيذ اتفاق الحكم الذاتي الانتقالي، الذي عرف باسم اتفاق أوسلو ب ، سنوات حافلة بالتطورات السلبية التي حالت في واقع الأمر دون تنفيذ معظم بنود المرحلة الانتقالية. حيث شهدت هذه الفترة اغتيال رئيس الوزراء الإسرائيلي اسحق رابين، وعودة حزب الليكود بزعامة بنيامين نتنياهو لتولي مقاليد الحكم في الدولة العبرية، ونشوب أول مواجهة عسكرية دامية بيننا وبين نتنياهو على خلفية ما عرف باسم قضية النفق تحت المسجد الأقصى، والشروع بإقامة حي استيطاني جنوب القدس في جبل أبو غنيم، ومنطقة استيطانية في رأس العمود بالاضافة الى إستمرار التوسع الاستيطاني في المستوطنات المقامة في القدس وخارج حدودها.

وإذا ما تجاوزنا مرحلة نتنياهو بسنواتها الثلاث العصيبة، فإنه يمكن تسجيل واقعتين متعلقتين بالقدس في فترة حكم ايهود باراك بسنتيها الاثنتين الأشد صعوبة: الأولى: محاولة باراك القفز عن بنود الاتفاق الانتقالي المرحلي والتوجه مباشرة لفتح مفاوضات مباشرة حول قضايا الحل النهائي، الأمر الذي كان من شأنه أن يعيد القدس، إلى جانب القضايا الأخرى المؤجلة إلى صدارة جدول الأعمال التفاوضي. وهي على أي حال محاولة لم تكتمل جراء رفض الجانب الفلسطيني لهذه المحاولة التي تم النظر إليها من جانبنا على أنها مناورة من باراك للتنصل من التزامات إسرائيل المقررة من قبل، خصوصاً وأنه أرفق ذلك بمحاولة أكثر تصميماً لإعادة فتح المفاوضات حول القضايا والمسائل المتفق عليها من قبل، بما في ذلك اتفاق واي ريفر الموقع من قبل حكومة نتنياهو السابقة”.

“الثانية: تراجع باراك عن قرار صادق عليه مجلس الوزراء الاسرائيلي والكنيست الاسرائيلي وتعهد أعطاه للرئيس الأميركي بيل كلينتون بالانسحاب من ثلاث قرى تقع في محيط القدس، كدليل على حسن النية وإشارة على جدية التزامه بتنفيذ التفاهمات التي كان قد وقعها في شرم الشيخ مع الرئيس ياسر عرفات بحضور الرئيس المصري حسني مبارك. فبعد تعهده بتحويل كل من أبو ديس والعيزرية والسواحرة إلى مناطق أ، خشي باراك من اتهام اليمين الإسرائيلي له بأنه يقسّم القدس، مما حمل أبو عمار على تعليق المفاوضات في شباط 2000، وعمق الشك لدى الجانب الفلسطيني وأثار مخاوف الأميركيين من ميول باراك تحويل النزاع من كونه صراع قومي إلى صراع ديني لا نهاية له”.

“ولو رغبت في عرض القضايا الخلافية المثارة خلال هذه السلسلة الطويلة من الإجتماعات والمفاوضات المتتالية, لقلت بإيجاز: إنه بينما كان الجانب الإسرائيلي يرى أن إتفاقية الإطار للتسوية الدائمة تمثل نهاية المشكلة, كنا نرى أن تنفيذ إتفاقية الوضع الدائم بالكامل يضع حداً للمشكلة. وأنه في مقابل مطالبتهم بإنتزاع إقرار منّا بمبدأ تعديل الحدود, كنا نصر على أن أي تعديلات يجب أن تكون طفيفة أولاً, وبالتبادل من حيث القيمة والمِثْلِ ثانياً. وأنه في مقابل تمسكهم بالكتل الإستيطانية لترسيم الحدود, كنا نرفض أن يكون الإستيطان أساساً لترسيم هذه الحدود أو تلك. وفي حين راحوا يتدحثون عن تعديلات حدودية بنسب مئوية, رفضنا مبدأ النسب المئوية هذه. وعندما طالبوا بترتيبات أمنية داخل الأراضي الفلسطينية ووجود إسرائيلي طويل المدى داخل بعض المواقع, قلنا لهم بأننا لا نقبل بمثل هذا الوجود على أرضنا، وفي المقابل يمكن أن نقبل بوجود دولي لمدة محددة وبينما كانوا يرفضون حق العودة للاجئين الفلسطينيين، كنا نعتبر أن هذا حق من حقوق شعبنا أكده القرار 194 ويجب التفاوض في كيفية تنفيذه”.

“أما فيما يتعلق بالقدس, فقد إختلف الموقفان: الفلسطيني والإسرائيلي بشدّة, إذ طالبنا بسيادة فلسطينية تامة في نطاق حدود المدينة القائمة يوم 4/6/1967,  في مقابل أن تبقى المدينة بشقيها: الغربي والشرقي مفتوحة وعاصمة لدولتين, وأن نضمن حرية الوصول إلى الأماكن الدينية وأن نتفق على الترتيبات الأمنية, هذا بينما عرض الجانب الإسرائيلي موقفاً يدعو إلى توسيع المدينة, بضم معاليه أدوميم وغفعات زئيف, وعدداً من القرى الفلسطينية المجاورة, وذلك من أجل إعادة تقسيمها, بحيث تظل الحدود البلدية القائمة حالياً تحت السيادة الإسرائيلية, في حين يتم منحنا سيطرة على المناطق والقرى الفلسطينية المحيطة بالمدينة, ويجري تسمية هذه المناطق القروية باسم القدس, وتعلن عاصمة للدولة الفلسطينية, بينما تبقى (أورشاليم) بحدودها البلدية القائمة عاصمة إسرائيلية”.

معاهدة السلام الاردنية الاسرائيلية

وقع الاردن واسرائيل بتاريخ 24\10\1994 معاهدة السلام بينهما، (فيما يلي: المعاهدة الاردنية الاسرائيلية)، بعد ان وقع الملك حسين ويتسحاق رابين إعلان واشنطن بتاريخ 25\7\1994،  الذي اكد توصل الفريقين الى جدول إعلان مشترك، والتزامهما السعي للتوصل دائم وعادل وشامل يبن الدول العربية وإسرائيل (فيما يلي إعلان واشنطن)، وجاء في المادة 9 من المعاهدة الاردنية الاسرائيلية، وعنوانها “الاماكن ذات الاهمية التاريخية والدينية”، ما يلي:

1 سيمنح كل طرف لمواطني الطرف الاخر حرية دخول الاماكن ذات الاهمية الدينية والاريخية.

2 وفي هذا الخصوص، وبما يتماشى مع اعلان واشنطن، تحترم اسرائيل الدور الحالي الخاص للمملكة الاردنية الهاشمية في الاماكن الاسلامية المقدسة في القدس، وعند انعقاد مفاوضات الوضع النهائي ستولى اسرائيل اولوية كبرى للدور الاردني التاريخي في هذه الاماكن.

وقد جاء نص الفقرة 2 من المادة 9 للمعاهدة مطابقا تقريبا لنص البند 3 من اعلان واشنطن، الذي انتقده الجانب الفلسطيني في حينه انتقادا شديدا، إذ صرح مصدر فلسطيني مسؤول ان ليس من حق اسرائيل ان تعطي اي دور او اي تعهد بشأن القدس قبل بدء المفاوضات بين الاسرائيليين والفلسطينيين، وذلك لانها دولة محتلة، وأضاف ان التصرف الاسارئيلي ( …) يشكل انتهاكا واضحا للاتفاق الفلسطيني الاسرائيلي الذي يقضي بالبحث في الوضع النهائي لمدينة القدس ومقدساتها في المرحلة النهائية على المسار الفلسطيني الاسرائيلي.

وإزاء هذا الانتقاد غير المباشر للاردن وتصريحات اخرى تناقلتها وسائل الاعلام بهذا الشأن في تلك الفترة، اضطرت الحكومة الاردنية الى اصدار بيان اوضحت فيه موقفها، وجاء فيه: “ليس ثمة تناقض بين استرجاع السيادة السياسة على القدس العربية من خلال المفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية وبين استمرار الاردن بقيامه بدوره في ممارسته لولايته الدينية في المقدسات الاسلامية والمسيحية في القدس. وأضافت الحكومة الاردنية ان الاردن يدعم منظمة التحرير الفلسطينية في جهودها الرامية الى “الحصول على السيادة السياسية والجغرافية على كامل الاراضي العربية والفلسطينية المحتلة بما فيها القدس الشريف؟ .

وكان يبقى السؤال : هل يرى الاردن استمرار دوره وولايته الدينية على المقدسات الاسلامية في القدس حتى استرجاع السيادة على القدس او بعد استرجاعها ايضا؟، وهل السيادة التي تسعى منظمة التحرير للحصول عليها هي، في نظر الاردن، سيادة فلسطينية فقط ام سيادة عربية؟، ففي البيان ذاته اصدرته الحكومة الاردنية جرى التأكيد أن “القدس أرض عربية اسلامية تم احتلالها عام 1967 كجزء من ارض المملكة الاردنية الهاشمية”. “التشديد للمؤلف”.

وسؤال أخر: هل ستدعي اسرائيل عند بدء مفاوضات المرحلة النهائية مع الفلسطينيين، انها التزمت اتجاه الاردن في المعاهدة  الاردنية الاسرائيلية، احترام دوره في الاماكن الاسلامية المقدسة في القدس، وان عليها الايفاء بالتزاماتها بموجب المادة 25 الفقرة 2 من المعاهدة المذكورة التي يتعهد بموجبها الطرفان تنفيذ التزاماتهما بحسن نية، والتزامها بموجب المادة 25 الفقرة 5 التي نصت، “يتعهد الطرفان عدك دخول اي التزامات تتعارض مع هذه المادة”؟. مهما تكن الاجابات عن هذه الاسئلة، والتي ستتضح بعد بدء مفاوضات المرحلة التهائية، وبالتكيد عند التوصل الى اتفاق في نهايتها، فإننا نرى ان السيادة على القدس الشرقية المحتلة هي للشعب الفلسطيني استنادا الى حقه في تقرير مصيره، وان استمرار الاردن في ممارسته ولايته الدينية على المقدسات الاسلامية يجب ان يكون باتفاق مع الجانب الفلسطيني، يضمن عدم انتقاص هذه الممارسة من السيادة الفلسطينية على القدس الشرقية، وخصوصا ان الموقف الفلسطيني الرسمي كان ولا يزال ان القدس عاصمة الدولة الفلسطينية.

وقد ورد هذا في تصريح لناطق رسمي فلسطيني في إثر صدور قرار مجلس الامن 904 بعد مجزرة الخليل، وكتوضيح للموقف الفلسطيني إزاء امتناع الولايات المتحدة من التصويت على فقرتين من بداية القرار بشأن القدس والمناطق الفلسطينية المحتلة منذ سنة 1967: “إن القدس الشريف عاصمة دولة فلسطين .. وهي بهذا جزء لا يتجزأ من السيادة الوطنية الفلسطينية … ونحن انطلاقا من ذلك لن نقبل بأي سلطة اسرائيلية او غير اسرائيلية عليها باعتبارها عاصمة لدولتنا المستقلة: فلسطين”.

مفاوضات أنابوليس

ذهبنا في أواخر تشرين الثاني 2007 إلى المؤتمر الدولي الذيبات يحمل منذ ذلك الوقت إسم مدينة أنابولس، تلك المدينة التياحتضنت وفوداً تمثل نحو خمسين دولة ومنظمة دولية، ونحنعاقدون العزم على إسقاط كل ذريعة يمكن لها أن تلقي عليناوزر عدم انعقاده، أو تتسبب في تأجيل عقده وتمكين إسرائيلمن التهرب من دفع استحقاقات عملية السلام. كما قيّمنا ذلكالمؤتمر على أنه تحدٍ ذاتي لنا، وتحد أكبر للإدارة الأميركيةواللجنة الرباعية، وكل من لديه إرادة طيبة لاستغلال نافذةالفرص المفتوحة هذه، لمساندة الشعب الفلسطيني ودعمقيادته، وتفعيل خارطة الطريق، ووقف جميع سياسات القمعوالقتل والإستيطان، تمهيداً للإنسحاب الإسرائيلي من جميعالأراضي المحتلة عام 1967، وإقامة الدولة الفلسطينيةالمستقلة وعاصمتها القدس الشريف.

توقفت المفاوضات الثنائية، التي انطلقت من عملية أنابوليس،دون أن تحقق نتيجة عملية ملموسة يعتد بها، سواء أكان ذلكفي المسار التفاوضي الأول بين الرئيس أبو مازن وايهودأولمرت، أو في المسار التفاوضي الثاني بيني وبين تسيبيليفني، أو في المسار التفاوضي الثالث المكوّن من الوفدين: الفلسطيني والإسرائيلي وبمشاركة وزيرة الخارجية الأميركيةكونداليزا رايس.

إلا أنه يمكن القول أن الجانب الفلسطيني حقق عدداً منالمكتسبات السياسية المهمة عبر هذه المفاوضات، من أهمهاإنهاء المزاعم الإسرائيلية القائلة بعدم وجود شريك فلسطيني،واعتراف كل من إسرائيل والولايات المتحدة بصورة واضحة بأنالأرض الفلسطينية المحتلة الجاري التفاوض بشأنها، تشملالضفة الغربية وقطاع غزة والقدس وغور الأردن والبحر الميتوالمناطق الحرام، حيث تم تسجيل ذلك في محضر الاجتماعالأخير للسيدة كونداليزا رايس الذي شاركت فيه عن الجانبالفلسطيني وشاركت فيه تسيبي ليفني وزيرة الخارجيةالإسرائيلية عن الجانب الإسرائيلي وأعادت السيدة رايسالتأكيد على هذا الموقف مع الأخ أبو مازن والوفد الفلسطينيفي رام الله.

لقد قدمت المفاوضات التي انطلقت من أنابوليس فرصة مواتيةلنا، لتأكيد مواقفنا المبدأية إزاء سائر الموضوعات المدرجة علىجدول أعمال هذه المفاوضات، بما في ذلك قضايا الوضعالدائم، وقدمت في الوقت ذاته فرصة موازية لاختبار عمقالنوايا الإسرائيلية إزاء هذه القضايا الرئيسة، بما في ذلكقضايا الحدود والمستوطنات والقدس واللاجئين والأمن والمياهوغيرها.

وهنا أود أن أعيد في هذه الورقة الموقف الفلسطيني حيالالقدس، وفق ما تم عرضه بكل جلاء عبر تلك السلسلة الطويلةمن الاجتماعات، علماً أن قضية القدس لم تدرج في أي مناللجان الفرعية العديدة التي شكلت بين الجانبين، حيث تمتناول مستقبل القدس حصراً في إطار المحادثات الثنائيةالمباشرة بيني وبين السيدة ليفني بناءاً على طلبها، تحت ذريعةعدم تسرب أي أنباء حول ما يمكن التوصل إليه من نتائجتخص المدينة المقدسة، قد تعرّض الائتلاف الحزبي الحاكم إلىالتصدع.

وهكذا فقد تم عرض موقفنا حيال القدس على النحو التالي:

1. القدس الشرقية هي جزء لا يتجزأ من الأراضي الفلسطينيةالمحتلة عام1967 ، وهي العاصمة الأبدية للدولة الفلسطينية لابديل عنها ولا بديل لها، يجب أن يجلو عنها الاحتلال.

كل ما أقامه الاحتلال الإسرائيلي على الأرض الفلسطينيةمن مصادرة للأراضي والمستوطنات اليهودية هو عمل عدوانيغير قانوني وغير شرعي أقيم بقوة الاحتلال ويجب أن يزول معزوال الاحتلال وإنهائه. استناداً إلى قرار مجلس الأمن الدوليرقم 242 الذي ينص على عدم جواز الإستيلاء على أراضيالغير بالقوة.

القدس مدينة مفتوحة حرية المرور والعبادة فيها مضمونةللجميع ولجميع المؤمنين وفق القانون.

المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس هي جزء لا يتجزأمنها، وللدولة الفلسطينية السيادة الحصرية والأمن والحمايةلها وعليها وبما يحافظ على الحقوق الدينية للمسيحيينوالمسلمين بإدارتها.

ومن الأهمية التأكيد إلى أننا قدمنا للسيدة كونداليسا رايسمشروعاً متكاملاً حول رؤيتنا للحل وتحقيق السلام العادل،حتى لا يساء فهم مواقفنا.

واليوم وبعد الخطاب الذي ألقاه بنيامين نتنياهو في جامعة بارـ إيلان يوم 14/6/2009 الذي أقر فيه لأول مرة بإقامة دولةفلسطينية، وضمّنه سلسلة من الشروط التعجيزية التي منشأنها تفريغ مفهوم الدولة من محتواه الحقيقي، ما يؤكد علىأن إسرائيل ماضية في مراوغاتها المعهودة، وأن الفجوة لا تزالواسعة، وأن الطريق إلى تحقيق السلام طويل جداً، ممايقتضي خلق مزيد من الروافع الوطنية والقومية والدولية القادرةعلى تحقيق المشروع الوطني الاستقلالي الفلسطيني.

كما أن اللقاء الثلاثي الذي عقد مؤخراً في نيويورك، وجولاتجورج ميتشيل لم تؤد إلى النتائج المرجوة، وذلك لأن الادارةالامريكية قد بدأت بالتراجع عن المواقف التي أعلنتها حتىبالنسبة لوقف جميع النشاطات الاستيطانية بما في ذلك النموالطبيعي أمام التصلب والصلف الاسرائيلي، وعلى العكس منذلك فقد ظلت إسرائيل وحتى الآن ماضية في نهجها القائمعلى إستكمل مشروع أسرلة القدس وتهويدها وإخراجها منمعادلة التسوية تماماً.

في الختام، أود أن أشير إلى عدد من الاستنتاجات الأولية،التي يمكن التقاطها عبر هذه المدة الطويلة من المفاوضات حولالقدس على وجه التحديد، وهي:

1. القدس تختزل الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي بأسوارهاومقدساتها وسكانها، ومكانتها التاريخية والثقافية والدينيةورمزيتها، وهكذا فإن القدس سوف تظل تشكل التحدي الأبرزفي أية مفاوضات لاحقة.

2. اعتمد النقاش حول وضع القدس بصورة دائمة في التركيزعلى موضوع السيادة، وبسبب اعتبار كل طرف السيادة علىالقدس حقاً سياسياً وتاريخياً فإن الحلول الوسط التي تعتمدعلى حكم المدينة المشترك لم تلق القبول من أي جانب.

3. لا يمكن تقسيم القدس (البلدة القديمة) بين الطرفين فهيصغيرة جداً وذات كثافة سكانية عالية وتداخلات عمرانية.

4. الصراع ليس مقصوراً على حول البلدة القديمة منطقةالحرم الشريف وحائط المبكى، وإنما حول القدس وما يحيطبها من بلدات وما زرع فيها من مستوطنات ومستوطنين.

5. إن مصادرة الأراضي وإقامة المستعمرات الاستيطانيّة فيالقدس وإجراء الحفريات، هي أعمال غير مشروعة يجب وقفهاومحاسبة سلطات الإحتلال عليها وفقاً لمبادىء القانون الدولي.

6. إن القدس مدينة مفتوحة تُضمن فيها حريّة المرور والعبادةللجميع ومن كلّ الأديان والطوائف، وفق القانون الدوليالإنساني.

7. إن المقدّسات الإسلاميّة والمسيحيّة في المدينة المقدّسة هيأماكن تقع تحت سيادة الدولة الفلسطينيّة التي تضمن أمنهاوحمايتها وإدارتها من قبل الجهات الأمنيّة الفلسطينيّة ورجالالدين المسلمين والمسيحيين فيها.  

وعليه، فإن أي حديث عن دولة فلسطينية مستقلة بدون القدسكلام فارغ وهو مجرد مضيعة للوقت. فالدولة هي القدس، ولامعنى لدولة فلسطينية بدون القدس. فهذه المدينة المقدسة هيليست فقط موضع القلب من أي دولة فلسطينية مستقبلية، أومجرد عاصمة سياسية فحسب، بل إنها فوق ذلك المركزالروحي والثقافي والحضاري والتاريخي والاقتصادي، هيالتاريخ العابق، وهي المستقبل الواعد، ولا حل ولا سلام ولااستقرار في المنطقة دون أن تعود القدس إلى أصحابهاالشرعيين مهما طال الزمن أو قصر.  

28

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق