الرئيسية

الذئب ما بين الغدر والحيلة الى الانسنة والتفاخر. نقاط التماس والاختلاج.

أ.د يوسف ذيّاب عواد

لا تخاف الخراف الذئب الا عند رؤيته او وجوده اما الراعي فهو الامين على اكلها ومرعاها لكنه يذبحها في النهاية .. فالخوف من الذئب مبرر بحكم الصراع الطبيعي وبحكم كونه ليس من ابناء جنس الخراف … ويتفنن الذئب ويوظف قدراته في تنطيم الحيل وخيانة الخروف واصطياده واكله … انها غريزة متأصلة في صراع البقاء للطبيعة … والغريب ان الانسان يخون الانسان وهو من ابناء جلدته وليس كما الخرفان والذئب كونهما من فصيلتين مختلفتين ..السر بالخيانة الشخصية او المهنية بين البشر مدعاة لتوفير اجواء توتيرية تلتطم بتبريرات مقنعة لا اساس لها من الصحة ويلتف اصحاب النفوس الضعيفة عليها وفي كل منهم ذئب يعوي بداخله… والغريب ان العرب فقط هم من يمجدون الذئب فيسمون الابناء باسمه .. لرغبتهم بتوفر قوة الشكيمة لابنائهم حيث ان الذئب لا يمكن استئناسه أو ترويضه بمعنى انه عصي على الانكسار . كما يعتقد العرب انه لا يلجأ للغدر بل يأتي عدوّه من أمامه. “أظنّ أنهم لو شاهدوا طريقة فتكه بالأغنام لغيّروا رأيهم”. وتزداد المبالغة لدرجة ان هناك من يقول إن الذئب هو الحيوان الوحيد الذي تخشاه الجنّ. ويزيد آخرون فيقولون إن الذئب يأكل الجنّ. وطبعا هذه مجرّد خزعبلات يصعب أن يصدّقها العقل السليم . إذ لا احد بمقدوره أن يقول انه رأى الجان عياناً، فضلا عن التسليم بأن الجان يمكن أن يأكل أو يُؤكل.
أغلب الظنّ أن جانبا من الارتباط الوجداني بين الذئب والإنسان يعود إلى حقيقة أن الذئاب جزء من آثار العالم القديم والمندثر عندما كان الإنسان واقعا بالكامل تحت سطوة الطبيعة وعاجزا عن السيطرة على عناصرها. كما أن الذئاب تقترن بالحياة في الصحارى والجبال التي تذكّر الإنسان بأسلافه الأوّلين وبخلود العالم. لذا فالذئاب، بمعنى ما، ترمز إلى استمرارية الوجود الإنساني وديمومة الحياة على الأرض بعجرها وبجرها.
ان حضور الذئب في الثقافات الإنسانية ليس بالأمر المفاجئ أو الطارئ؛ فبعض الشعوب ترى فيه تجسيدا لكافّة الشرور على الأرض. لكنّه عند شعوب أخرى مخلوق نبيل ويمكن أن نتعلّم منه أشياء كثيرة.
والذئب في الأساس كائن ليلي وله ارتباط بالظلام والقمر. وما زلت أتذكّر بعض الرسومات الجميلة التي يظهر فيها ذئب يعوي وهو يحدّق في ضوء القمر. وربما يكون لهذه الفكرة أصل في بعض الثقافات القديمة التي تقول إن الذئب يمكنه أن يتقمّص روح إنسان عندما يصبح القمر بدراً.
الذئب أيضا دخل اللغة من أوسع أبوابها. هناك مثلا واد يقال له وادي السرحان. والسرْحان اسم من أسماء الذئب الشائعة. ويقال إن هذا الوادي اخذ هذه التسمية منذ القدم. وللذئب اكثر من 70 اسما ومن أشهرها السرحال و أَبُو كاسب وأَبُو الغطلس وأَبُو جعد وأَبُو جعادة وأَبُو عسلة ولهذا ليس غريبا ان تلتبس الانسنة بالذئبنة فيصبح الذئب متذوتا في الآخرين وبالمقابل لا تتذوت الانسنة بالذئبنة لانها تفقد الذئب جوهره وسمعته كأشهر حيوانات الغابات .. وقديما قالوا ان لم تكن ذئبا أكلتك الذئاب وهو تشريع وتبرير للذئبنة بالمفهوم الاجتماعي…. وللأسف كثيرا من الناس تحترم الآخرين وتبالغ باحترامهم خوفا منهم وليس احتراما لشخصياتهم وقد سبق ان طرحت ورقة علمية بعنوان ثقافة الخوف بالمجتمع الفلسطيني … لدرجة أصبحت شبه موروثة ومهما كانت الأسباب والمظاهر الا ان الكل يجمع ان التماس الخوف يحتاج الى انغماس في الولاء او ثعلبة تنغمس في الممارسات فيوصف المتذئب بالحكيم والشاطر ويوصف المسترخي بالمسكين والحزين او المسخم … وصدق الشاعر عندما قال ؛ يُعطيكَ من طَرَفِ اللِّسانِ حلاوةً ،، ويَروغُ منكَ كما يروغُ الثّعلبُ… ووفق هذا الواقع انتقلت الطبيعة بشرورها لتسكن البيوت مع أصحابها وتتكرر المواقف ليخدعك زميلك ويتشفى صاحبك ويبالغون في استيائهم بعد ان كانوا منك وفيك … ومهما كنت منهم او عليهم على المرء ان يدرك ان الصواب والواقعية هما أساس الحل فلا تقبل تضخيمهم لك ولا تسلم رقبتك لغير ذاتك …كن انت انت فستهرب الذئاب من حولك ليفترسوا من هم اضعف منك … وما أكثرهم في زمن تعج به المخاطر… ويقول الشاعر : يعاف الذئب يأكل لحم ذئب ويأكل بعضنا بعضا عيانا … ولا يوجد رغم ما يتصف به الذئب من خديعة ومكرر من براءة لعدوانيته الا في براءته من دم يوسف عليه السلام فكان الذئب متذوتا في اخوته الذين جاؤوا أباهم بدم كذب بعد ان رموه في غياهب الجب … وبقي القميص شاهدا على براءة الذئب الطبيعي ليتفتن ذئاب البشر بما لا يخطر على ذئب الغابة وكانت دموع التماسيح تؤكد عمق التلون بالسلوك وتبريره بأسباب تبدو معقولة …والذئب كما يعرف عنه انه وفي لوالديه ويؤمن طعامهما عند شيخوختهما كدليل على انه افضل بكثير من بعض البشر …ان التاريخ يبقى شاهدا على ان لا يصح الا الصحيح، فكثيرا ممن استأذبوا يوما ما عادوا ليتأرنبوا ويستجدوا عواطف غيرهم ويبرروا افعالهم او يتنكروا منها … وفي سبيل انسجامك ذاتيا كن واثقا بنفسك وحذرا من اخرين يضعون منشارهم في عقدك ليفشلوك ….وقد اعجبني الشاعر توفيق الحلبي بازجاله حين تغنى
سْمعِتْ الطَّير عْلى الأغصانْ
بيغنّي ………..بخمسه نيسان
الراعي….. اللي بيحبّْ الذيب
مَ بيتأمّنْ …………عل الخرفانْ ملاحظة.: بعض المعلومات منقولة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق