الرئيسيةمكتبة الأدب العربي و العالمي

‎قراءة لكتاب “همسات على ضفاف الكلمة “للكاتبة اسماء الياس

بقلم الشاعر الدكتور صالح يوسف ابو ليل

لن أستطيع أن أمرّ مرّ الكرام على مؤلّف صدر منذ ثلاثة أشهر تقريبا، وذلك لأنني أخذتُ عهدا على نفسي شكر من يستحقّ الشكر. ولا يهمّ بالنسبة لي من هو هذا المبدع أو تلك المبدعة، هذا المعطاء أو تلك المعطاءة، سواء كانوا فنانين أو أدباء أو شعراء أو خادمين أمناء لشعبهم وأمتهم العربية بإخلاص. ورغم أن تعقيبي جاء متأخّرا بعض الشيء، ربما لظروف خاصة أحاطت بي، لكنني أجد نفسي ملزما تكريم من يعطي دون حساب. والتعقيبُ يظلّ اشارة لحدث ما، لا غير، فقط قد يساهمُ في تسليط الضوء على نتاج جميل. حيث أنه وتقييمي وتقديمي للكتاب ليسوا بديلا عن قراءته وعن الاشادة به وبمؤلفته لطيفة الرّوح، مرهفة الإحساس، صريحة العبارة، طيبة القلب… إصدار موفّق حقا يا أسماء، تستحقين منا احترامنا وقراءتنا لمؤلفك الرّاقي الجديد. أسماء حنا الياس، هي ابنة البعنة وابنة الأديب الفلسطيني الكبير حنا إبراهيم. بوركتما وسلمت يداكما.. ألف مبروك لك ولنا إبداعك الأدبي الحديث..

تقديم وتقييم
الدكتور صالح يوسف أبو ليل
إن قلت إن الكاتبة أسماء الياس هي مجرّد عابرة سبيل في عالم الأدب والابداع، أكون قد قصّرت في إيفاءها حقها وتقديرها كما يلزم، وإن قلت بأنها شاعرة هذا العصر الذهبي الحديث، أكون قد بالغت بالتقدير وظلمت نفسي بالكذب عليها ثم ظلمت أسماء حنا إبراهيم. وكي أختار طريقا وسطا، رزينا تستحقه هذه الكاتبة، ألخّص تقييمي لها بجملة واحدة لا غير: إنها كاتبة المشاعر وصاحبة الابداع الأدبي الحسّاس المرهف.
انظر كيف تستريح النفس عندما تقرأ حروف خواطرها لتبني لها فضاءً خاصًا، ليس هو بكلّ تأكيد فضاء المبدعة. إنها أغنية شاعرية تردّدها مشاعرُنا وتعزفها أوتارُ قلوبنا لحنا جميلا يفيضُ بالآهات المُستترة في أعماق نفوسنا المتعطّشة للحبّ والحنان. تقول أسماء: “لم أكن أتخيّل بأن الحبّ عندما يولد تولد معه رغبتُنا الكبيرة بالحياة..”. فالحبّ والحياة توأمان، لا يحلو عيش بدون حبّ، كما لا تطول صداقة بدون محبة وإخلاص. فهو الماء الذي يروي الورد والنبات عندما يشحّ المطر، وهو نسيمُ الريح إذ يداعبُ أغصان شجرة ظمآى في صحاري بعيدة.

إن أسماء شاعرة الزّهد التي تبتعدُ قدر الإمكان عن ماديات الحياة ومظاهرها الخادعة، فهي لا تغترُ ببريق الذهب ولا الألماس، بل، في نظرها، تكمن قيمة حياة البشر بالانصهار الرّوحي والولادة في الحبّ المتجدّد مع كلّ إشراقة شمس. وهكذا، فهي تفسّر ما يحدث في الطبيعة، التي تلجأ إليها برومانسية، وكأنه ناتج عن حبّها أو يأسها منه، “وأجلس عند حافة النهر أراقبُ الأعشاب وهي تميل بفعل النسيان..”. يبدو أسلوب “الأنسنة” منعكسا بشفافية على الطبيعة التي هي جزء من وجودها وتفكيرها في معنى الوجود. وهو جزء من أساليب فنية أخرى ترتاح الكاتبة لاستخدامها بالسرد القصصي وبالشعر المنثور.

وهي دائمة التساؤل، لماذا لا ينبهر أو ينسجم الرجل مثلها في روعة الكون الفسيح وجماله الخلاب! لماذا لا يدرك أنه مجرّد ظاهرة بسيطة من ظواهره، فلا يستغل وقته للمتعة قبل رحيله الذي لا يمكن أن يعرف متى سيكون. إن انغماس الشاعرة الأديبة في المواقف الرومانسية يجعلها قريبة من شعر جبران خليل جبران، لكنها تكتب عن واقع مختلف عن واقعه. إنها تضفي جمالا ولطفا يجعل من أدبها النسوي، بكلّ تأكيد، جنسا أدبيا خاصّا مميّزا، له خصوصياته ومكوّناته النابعة من تجربتها الخاصة، مما يُغني هذا النوع الأدبي ويؤكّد على اختلافه عن الأدب الذكوري المهيمن على الساحة الأدبية. تقول أسماء: “هل وجودي في حياتك مثل لوحة تنظر اليها بحبّ واهتمام… أو أنني مجرّد ألوان رسمتها يد فنان… فقد تمنّيت يوما أن يكون اهتمامك كلّ يوم غير عن سابقه…”. فهي امرأة عصرية تأبّى الرضوخ للمسلمات الاجتماعية وتطمحُ بأن تكون امرأة مُساوية للرجل الذي تحبّه بكلّ صدق ووضوح وصراحة. إن الصعوبة في تجميع معطيات حول النساء الفلسطينيات المبدعات في إسرائيل، ترتبط في التعامل المبني على استخفاف المجتمع الذكوري بكتابتهن، كما ينعكس ذلك في الشكل الذي به وُثقت سير حياتهن وإبداعهن في الماضي القريب. لهذا، أطمح بأن ينمو جيل جديد، يهتم بما تكتب أسماء كثيرة، هي رموزنا التي لنا الفخر بها وبإنتاجها الأدبي الأصيل. وأطمح بأن يدرج اسم كاتبتنا الموهوبة بين هذه السير لتعريف الأجيال الحاضرة والمستقبلية بها وبأدبها وشعرها وخواطرها الجميلة.
إنني أبارك للشاعرة صدور هذه الصور القلمية “همسات على ضفاف الكلمة”، وهو المؤلف الثاني لها، وهو عبارة عن خواطر أنثى تعيش الواقع تارة وتبتعد عنه مرات لكي تستمر في الحياة. وكما ترون يعبّر عنوان الكتاب عن فحواه، اذ تهمس الكاتبة ما يروق لها من أفكار عبر اسلوبها المنمّق المدروس وانتقائها للكلمة التي تناسب النجوى والشكوى وتناسب عذاباتها ومعاناتها التي هي معاناة كثير من النساء. فلا شك أن رسالتها الاجتماعية تكمن في تعبيرها عن الأخريات، نصفنا الاخر الذي لا نستطيع الاستمرار في حضارتنا الحديثة بدونه، والذي لا يملك الجرأة في التعبير عن نفسه.
تقديري واحترامي، الدكتور صالح يوسف أبو ليل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق