مقالات
يوسف ناصر شاعر القوافي، ورحيق الورق بقلم / الناقد شاكر فريد حسن
يوسف نعمان ناصر ( أبو غياث) شاعر وأديب ًوروائي وقاص فلسطيني معروف ، ومرب عاشق متيم للغة الضاد ، تخرجت من معطفه عشرات الأجيال .
أعطى ويعطي دون صجيج ودون استعلاء ، وبهدوء وتواضع ، شامخاً فكراً وخلقاً ، مناضلاً مع أبناء شعبه ، متسلحاً بالخلق والقيم والأدب ، متفتح القلب على الأفق الرحب ، راسخ القدم ، غير مساوم على القيم والمواقف ، عطاؤه على المدى نهراً هادئاً لم يتوقف جريانه ، يروي الأرض وينمي الغرس والزرع دون من وبلا حدود ، مثقفاً صاحب فكر ومواقف ، طلبعياً في الشعر والأدب، متعمقاً في تراثنا العربي بمختلف عصوره وأزمانه وحقبه التاريخية ، ليس مراوغاً ولا انتهازياً ، في وقت كثر فيه المراوغون والمنافقون والانتهازيون والمتسلقون من أدعياء الثقافة والأدب والفكر ، أفكاره واضحة وضوح الربيع الطلق ، ومختمرة في قلبه وعقله ، يمتلك ثقافة واسعة ، متمكن من اللغة ، صاحب موهبة ابداعية جميلة ونجربة طويلة في الكتابة الشعرية والنثرية والأدبية ، نصوصه أحلى من الجمال ، ومن النور في جبين الصباح ، وأندى من النسيم العطر ، يكتب ويجيد كل ألوان الشعر ، ولديه القدرة على التجريب الواعي بمختلف الصيغ التصويرية التخييلية الجمالية والتعبيرية لتقريب الواقع المعاش من متلقيه بأسلوب أدبي راق يقطر شهداً مصفى ، يقتتص تناقضات هذا الواقع وأوجاعه ويعبر عنها بصيغ جمالية فنية ، وصور شعرية بديعة زاهية وصافية كالماء ، تشرك المتلقي أو القارىء ، وتجعله منتجاً فاعلاً يسهم في تفكيك رموز النص وصولاً الى المتن النصي عبر تحريكه لبنيته التخييلية العميقة .
تظهر في أشعار يوسف ناصر وادبياته سلاسة الأسلوب الخالي من التعقيد ، وان استخدم ولجأ الى الرمز أحياناً فانه يزيد نصه جمالية وروعة بناء شعري ، تتمازج وتتماوج تعابيره مثلما يتماوج البحر وتمازج الوان الرسام لتشكل لوحة فنية مميزة وجميلة ، وهي حبلى بالتناصات رالتعاطفات النصية والمعرفية والتعابير الجبرانية والمهجرية والتراثية القديمة .
قصائده متوهجة بجراح المرحلة ، مرحلة الحصار السياسي والثقافي ، وتؤرخ بلغة الشعرالأحداث والمناسبات ، تغني للوطن ، للحب ، للحياة ، للجمال ، للعشق ، للمرأة ، للحلم ، للأرض ، للطبيعة ، للانسان ، وللقيم التي يدافع ويذود عنها ، قيم الشرف رالمروءة والفضيلة والكرامة ، والصدق ، والوفاء ، واحترام الكبير ، قيم الخير والجمال والاحسان والتسامح الانساني .
انها تكثيف لتجربته الشعرية الابداعية ، وتجمع عبر سطورها الموهبة الحقة وكل الخبرات والتجارب الحياتية ، والابحار في عيون التراث واللغة واستلهام ما هو جميل وانساني وواضح الرؤية .
يرسف ناصر من مواليد قرية كفر سميع المتربعة على صدر الجليل الأعلى ، عام ١٩٤، ويقيم فيها ، انهى دراسته الابتدائية في مدرسة قريته ثم انتقل الى مدرسة ترشيحا الثانوية حيث أتم دراسته الثانوية عام ١٩٦٤ثم درس في جامعتي تل أبيب وحيفا وحصل على شهادة البكالوريوس في اللغة العربية والأدب المقارن ، عمل استاذاً للغة العربية والادب العالمي في مدرسة ترشيحا الثانوية منذ العام ١٩٧٠ وحتى خروجه للتقاعد ، ويعد من المع مدرسي اللغة العربية في البلاد ، وزرع في قلوب طلابه عشق اللغة العربية ، والوعي الوطني والقومي والثقافي .
حاضر في جامعة القدس والمراكز التربوية في القدس والجليل في دورات استكمالية لمعلمي اللغة العربية في المدارس الاعدادية والثانوية .
حاز على شهادة تقدير في الأدب من المتطمة العربية للتنمية التابعة لجامعة الدول العربية لمشاركته بدعوة من المتظمة ، في مؤتمر الابداع الذي عقدته المنطمة في القاهرة عام ٢٠٠٠.
نال جائزة ناجي نعمان الأدبية الاستثنائية في لبنان عن كتابه ” ورق ورحبق ” عام ٢٠١٠ ، وجائزة انجيليك باشا لتمتين الروابط الاسرية عن كتابه ” قلائد العقيق ” عام ٢٠١١.
نشر العديد من مقالاته وقصائده ونثرياته في مختلف الصحف والمجلات التي صدرت في بلادنا مثل الرسالة والمرصاد والأنباء والوطن والاتحاد وغيرها .
صدر له ديوان ” ومضات واعاصير ” ورواية ” ضريح الحسناء” و” المعلم في الاعراب ” و” ورق من حبق ” و” قلائد العقيق ” .
يرى يوسف ناصر بانه كي يطلق عليك أديباً فيجب أن تكون انساناً أقرب الى السماء منه الى الأرض ، وأن يكون اناؤه طافحاً بالأخلاق والقيم الرفيعة ، يمارسها ويطبقها ، والا فما الذي يمكنه أن يسقي الناس من اناء فارغ ، أو اناء مليء بالرنق والماء الآسن ، ومثلما السراج بغير زيت لا يبعث ضوءاً ، وهكذا هي الشجرة اليابسة لا يمكن أن تعطي ثمراً .
يوسف ناصر رافد غزير لا ينضب من الأعمال الرصينة ذات الشفافية العالية لشعر الأمة الثقافي ، فهو العزيز في زمن الجدب والقحط الأديي .
أدبه يعبر عن شخصيته الفذة الرائعة وقلبه المرهف الطيب ومشاعره الانسانية ، انه الأديب والشاعر النقي الذي يفيض بريقاً ونوراً وعبيراً في رياض البيان والبديع والبلاغة ، ويزخر قلبه بالمشاعر الوطنية الصادقة الحقيقية ، بعيداً عن الحزبية والتفرقة المذهبية والعنصرية ، انطلاقاً من حبه وارتباطه بالأرض والتراب والوطن ، افلم يقل في قصيدته الرائعة ” الجليل ” :
ناد الجليل وقل يا درة الوطن
افدي ثراك ولو كنت في الكفن
الله اعبده من بعد قربته
فاحكم علي بأني كافر وثني
مروجه غرست بالفجر منذ خلقت
جباله ولدت مع مولد الزمن
كل الوثائق تبقى تحت أرجله
قبراً سيبقى لخطب الدهر والمحن
كذلك انشد لقريته ومسقط رأسه ” كفر سميع ” الصامدة الشامخة ، بلد العز والجود والتآخي والمحبة ، فقال :
يا قريتي .. يا ديرتي ..يا فلذتي
يا بلسم القلب الجريح العاني
ضمي رفاتي ، حيث فيك من الثرى
يغني عن الفردوس اي مكان
يوسف ناصر مخلص لهاجس الشعر ، يكتب بهدوء وروية ، كي يتقن كتابة نصه الأدبي ، لا يحب الظهور ولا يبحث عنه ، يكره الصخب والضجيج ، ولا يحتمل التأطير الأدبي والثقافي ،والحزبي ،ولذلك اختار البقاء في الظل .
انه يراود النص متفجراً بالمشاعر القوية المرهفة ، كتابته رومانسية مجنحة تحلق في سماء التواصل الانساني والابداع الرفيع ، وقد نجح في جذب الأنظار بما يمارسه من كتابة أدبية راقية ، مميزة، جميلة ، ماتعة ، مدهشة ، محلقاً في فضاءات مختلفة ، مفتوناً باللغة سابراً أغوارها .
نصوصه تقدم نفسها بفنية عالية وتلقائية وعفوية ، وبصدق شفاف ، وهو يمتلك مشروعاً وقاموساً لغوياً أدبياً مكتنزاً وثرياً ، لوحاته الأدبية فسيفساء من الكلمات التي فيها نبض ودم الانسان .
تمتاز قصائده بالخيال والايقاع الموسيقي ، وتطغى عليها العاطفة المفعمة بروح الحس والذوب والبراعة ، وتتسم بالابداعية وقدرته الفائقة المدهشة على اختيار وانتقاء الكلمات وامتلاك اللغة الجميلة والسيطرة على مكامن اسرارها ودررها .
حين صدر كتابه ” ورق ورحيق ” أثار أصداء واسعة بين الأوساط الأدبية والثقافية التي سارعت للاحتفاء به وكتابة المقالات النقدية التقريظية والاشادة بهذا العمل والمنجز الأدبي الجميل ، الذي سيبقى يزين رفوف مكتباتنا لما تضمنه من لوحات أدبية ابداعية وفنية تتدفق بالموضوعات الحياتية والانسانية والصور الشاعرية المفعمة بالصدق الفني والجمالي التعبيري ، التي فيها فكر خيال وتأمل واسع .
لقد جاء كتابه ” ورق ورحيق ” محملاً بلغة أدبية قوية ذات وقع وتأثير خاص ، يلمس فيها القارىء حرارة الصدق وعمق التجربة والأصالة .
فهي لغة أدبية قريبة من النفس ، ملامسة لها ، لغة حية تدل على ثقافة كاتبها الشمولية الواسعة الغزيرة ، لغة تحمل سمات الأصالة الأدبية ، فيها تكثيف وتصوير وايحاءات واستعارات وكنايات ومحسنات بلاغية، ومضمون متفجر حار ، لغة غير معقدة تنسجم مع الايقاع الشعري الموسيقي .
تستقي لوحاته وخواطره الأدبية من عاطفة قوية فياضة ، فيها رحيق اليقظة العقلية الروحية على ورق الوعي والعقل والفكر والبيان ، ونفتن بالجمالية ايضاً في كتابه ” قلائد العقيق ” .
يوسف ناصر شاعر واديب دخل السنبلة ، ودعا لمرافقته واكتشاف بركة القمح ، وها نحن نتتبعه ، فالوردة البرية تنمو في آثار أقدامه .
انه بحق وحقيق رمز ثقافي شامخ من رموزنا الشعرية والأدبية ، وعطاؤه الأدبي والشعري والنثري لا يبارى ، فهو شاعر القوافي وحبق الورق ، واسلوبه رائع وساحر ، فيه الجمال والايمان والبهاء والتأمل ، فله أجمل تحية محملة بالشوق والحنين من ثرى وربى مصمص الحبيبة التي زارها عشقاً وتقديراً لكاتب هذه السطور .