الرئيسية

نصرالله: خطاب المحور / سامي كليب

 

استخدم أمين عام حزب الله للمرة الأولى مفردة ” محور” ومشتقاتها في خطابه أمس ٣٤ مرة. أراد وللمرة الأولى أيضا تعمّد القول لإسرائيل في يوم القدس العالمي ان الحرب المقبلة معها لو وقعت، فلن تقتصر على لبنان وسوريا وفلسطين وانما ستشمل ايضا العراق واليمن تحت لواء ” محور المقاومة”. تماما كما أراد توجيه تحذير شديد اللهجة الى السعودية التي وردت في خطابه ٢٣ مرة.
يستحق خطاب القدس، وقفة تحليل دقيقة، لأنه في أواخر شهر رمضان الكريم، يقدِّم أسسا وآفاق استراتيجية جديدة للصراع مع إسرائيل والسعودية وأميركا من منظور حزب الله والمحور المنتمي اليه. ما عاد نصرالله يتحدث عن الحزب وانما عن ” محور ” كامل

قال أمين عام حزب الله : ” يجب أن يعرف العدو الإسرائيلي أنه إذا شن حرباً على سوريا أو على لبنان فليس من المعلوم أن يبقى القتال لبنانياً إسرائيلياً أو سورياً إسرائيلياً ،هذا لا يعني إنني أقول إن هناك دولاً قد تدخل بشكل مباشر، ولكن قد تفتح الأجواء لعشرات الآلاف بل مئات الآلاف من المجاهدين والمقاتلين من كل أنحاء العالم العربي والإسلامي ليكونوا شركاء في هذه المعركة، من العراق ومن اليمن ومن إيران ومن أفغانستان ومن باكستان. من يقول إنه إذا قرر العدو أن يعتدي أو أن يشن حرباً أن الحرب ستكون مثل عام 2006 وما شاكل؟ كلا اليوم محور المقاومة يتعاطى أنه معني بمصير واحد”

كان نصرالله يتحدث بمنطق القوي والواثق من المستقبل ومن أدوات المواجهة وجغرافيتها. فسوريا بالنسبة له قد : ” تجاوزت خطر إسقاط النظام، …و اذا التطور الميداني استمرهكذا ،فهي ستتجاوز إن شاء الله خطر التقسيم، ومحاولات عزلها جغرافيا بدأت تسقط بعد وصول القوات السورية والحليفة إلى الحدود السورية العراقية بعد معارك البادية والانتصارات العظيمة التي تحققت هناك وتحرير ما يقارب 30 ألف كيلومتر يعني بحجم لبنان على ثلاث مرات” …

والى إسرائيل التي تريد تجنب الحرب، وسوريا المقبلة على الانتصار، وفق منطق نصرالله، فان :” النظام السعودي أضعف وأعجز وأجبن من أن يبدأ أو يشن حرباً على الجمهوية الإسلامية في إيران” .

لو نظرنا الى خطاب السيد نصرالله من خلال مفرداته، نرى التالي :

المفردة عدد مرات ترددها

فلسطين ومشتقاتها ٨٣ مرة
إسرائيل ومشتقاتها ٥٨ مرة
مقاومة ومشتقاتها ٥١ مرة
حرب ومشتقاتها ٤٤ مرة
محور ومشتقاتها ٣٤ مرة
ايران ومشتقاتها ٣١ مرة
سوريا ومشتقاتها ٣١ مرة
السعودية ومشتقاتها ٢٣ مرة
القدس ومشتقاتها ٢٢ مرة
الإرهاب ومشتقاتها ١١ مرة .
ايران ومشتقاتها ٣١ مرة
سوريا ومشتقاتها ٣١ مرة

في تحليل هذه المفردات، نجد أن ما يتعلق بالمحور ( خصوصا ايران وسوريا واليمن والعراق) قد ورد نحو ١٥٨ مرة، ما يعني أن الأولوية الحالية والمقبلة لحزب الله وحلفائه من لبنان الى ايران مروروا بسوريا والعراق واليمن هي تعزيز هذا المحور ليس لينتصر حيث هو وإنما في الصراع المقبل مع إسرائيل، ولو أضفنا اليه المفردات الواردة حول فلسطين والقدس، نصل الى أكثر من ٢٦٣ مفردة… هذه سابقة في خطابات نصرالله .

جاء خطاب أمين عام حزب الله مركزا على مفهوم ” المحور” في وقت تبدو المواقف الدولية والإقليمية مكللة بتحولات مفصلية.أبرزها التالي

أولا : الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون ما عاد يرى بالرئيس السوري بشار الأسد عدوا، لا بل انه لم يستقبل رئيس الهيئة العليا للمفاوضات السورية المعارضة رياض حجاب والوفد المرافق له منذ أيام في فرنسا وانما مر مرو الكرام لالقاء التحية عليهم، ما يشير الى تبدل حقيقي في الموقف الفرنسي قد نشهد له تطورات أخرى تصل الى إعادة نوع من العلاقات الدبلوماسية .

ثانيا : ان التحالف الدولي يبدي إشارات بشأن احتمال التعاون مع الجيش السوري.

ثالثا : هناك تحولات جدية في العقل الغربي، عبّر عنها السفير الأميركي السابق في دمشق روبرت فورت . هو قال في حديث الى ” الشرق الاوسط” ان الأسد ربح وان أميركا ارتكبت أخطاء كبيرة.

رابعا : يبدو الخليج غارقا بقضية الصراع مع قطر وقرب تسليم العرش السعودي لولي العهد الأمير محمد بن سلمان ( الذي بالمناسبة التقى ٤ مرات حتى الان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين) . ولو لاحظتم فان السيد لم يذكر قطر بالأسم في خطابه .

خامسا : جاء الخطاب وسط تطورات عسكرية استثنائية لصالح ” المحور” في سوريا والعراق حيث تم تطويق الجزء الكبير من خطة المحور الآخر التي كانت تقضي بقطع الطريق الايرانية على سوريا عبر العراق. فاذا بالجيش السوري وحلفائه يصلون الى الحدود العراقية وقائد فيلق القدس الجنرال قاسم سليمان يحتفل بذاك الوصل الحدودي عند الحدود. واذا بهم أيضا يخترقون الكثير من الخطوط الحمراء في مناطق الشرق السوري .

سادسا : جاء الخطاب وسط ضبابية العلاقة بين إسرائيل ودونالد ترامب. ذلك أن، معلومات أوروبية تؤكد أن إسرائيل تتعاطى بحذر مع الرئيس الأميركي وتخشى أن يؤدي توتر علاقاته مع أوروبا الى رفع مستوى الضغط الاوروبي عليها. ثم أنه أرسل صهره يحمل اليها اقتراحات تشبه الى حد بعيد اقتراحات باراك أوباما . كما تشير هذه المعلومات الى أن بنيامين نتنياهو نفسه تمنى عدم نقل السفارة الاميركية الى القدس خشية خلط الأوراق في الداخل واعاقة مسار الانفتاح الإسرائيلي على بعض دول الخليج.

الواقع أن كلام أمين عام حزب الله عن ” المحور” بهذه الصلابة، يستند أيضا الى ارتياح لبناني داخلي، فالحزب الذي ساهم مساهمة كبيرة في إيصال الجنرال ميشال عون الى سدة الرئاسة، كان له الدور الأبرز منذ أيام في إيصال البلاد الى قانون انتخابي نسبي ( ولو أعرج )، وبات حزب الله المهدد بعقوات أميركية إضافية هو بيضة القبان لطمأنة خصوم الأمس من سعد الحريري الى وليد جنبلاط وغيرهما .
لنلاحظ مثلا ان رئيس اللقاء الديمقراطي، جنبلاط، الذي التقى أمس في موسكو وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف لم يعد يتحدث عن اسقاط الرئيس الأسد وما عاد يستخدم عبارات ” الاجرام والمجرم” وغيرها ، وانما يساند الحل الروسي لحل سياسي ولاقامة مناطقة تخفيف التوتر ويكتفي بالحديث عن وثيقة جنيف للانتقال السياسي….
يبدو أن نصرالله يشعر وأكثر من أي وقت مضى أن كل ما قيل عن تحجيم الدور الايراني في المنطقة وعن كسر شوكة محوره، قد صار خلف ظهره، وبات المحور ، على العكس تماما ، من لبنان الى سوريا والعراق فاليمن وفلسطين أكثر قوة من أي وقت مضى …
لعل هذا بالضبط ما يقلق إسرائيل حاليا، وما قد يدفعها الى محاولة خلط الأوراق أمنيا وسياسيا من سوريا الى الخليج فاليمن ولبنان اما مباشرة أو عبر تفجير جبهات وتسهيل متفجرات …. لكن اذا كان السيد واثقا مما يقول فهي لن تجروء على ذلك ….
مشكلة إسرائيل مع أمين عام حزب الله، أنها تصدق ما يقول …

مقالات ذات صلة

إغلاق