الكاريكتير

الكاريكاتير في غزّة.. رسّامو الفصائل والصراعات الحزبية

لا شك أن أهداف الكاريكاتير الفلسطيني في الوقت الحاضر انحدرت كثيرًا عن مضمون الوحدة بين الصف المجتمع والقضية الرسمية للفلسطينيين، وبات من الطبيعي للفلسطينيين مشاهدة كاريكاتير يعبّر عن انتقاد راسمه التابع لسياسة صحيفة حزبية ما للحزب الآخر خلال تشبيهه بشكل مهين، لأنه وبكل بساطة تسيطر الأحزاب الفلسطينية على غالبية وسائل الإعلام الفلسطيني، في ظلّ الانقسام والتجاذب السياسي شبه اليومي. لكن اليوم لم يكتف الكاريكاتير عند هذا الحدّ، بل طاول التجريح والتشهير ومس المصلحة المجتمعية بشكل مهين كثيرين خصوصًا الناس منهم.

البداية في تحوّل مسار أهداف الكاريكاتير كانت مع أحداث الانقسام الفلسطيني عام 2007، عندما بدأ راسموه ينشرون رسومات تمجّد حكم حماس في غزة والسلطة في الضفّة الغربية وتصف الحزب الآخر سبب خراب وتراجع القضية الفلسطينية، حتى تراجعت بشكل بسيط عند بداية مسلسل إنهاء الانقسام والمباحثات التي بدأت تجري في القاهرة بعد الحرب الأولى على غزة عام 2009، لكن استمر بعض رسامي الكاريكاتير يرسمون ويعبّرون عن فشل الحزب الآخر بين مفاوضات السلطة والاستيطان في غزة من جهة، وآخر يبيّن اضطهاد الحريّات في غزة والحصار على الرغم من بحث التوصل لاتفاق.

البداية مع بهاء ياسين
انطلقت شرارة الحدة من غزة، عندما بدأ رسّام الكاريكاتير بهاء ياسين برسم كاريكاتير تجريحي وبعيد عن حريّة التعبير المكفولة في قانون المنشورات والطبع لعام 1995 في القانون الأساسي الفلسطيني، ورسم عشرات الرسومات التي تسيء إلى القضية الفلسطينية عمومًا ونساء فلسطين خصوصًا، من خلال إظهار النساء الفلسطينيات بشكلٍ لا يليق بتاريخهنّ النضالي، ورسم الفتاة الغزيّة التي تدرس في جامعة الأزهر على أنها عديمة أخلاق، ورسم الضفّة الغربية على هيئة امرأة فلسطينية في مشهد جنسي تفرّط بشرفها ببساطة، وهو ما أشعل صفحات مواقع التواصل الاجتماعي بغضب عشرات الآلاف، والذين طالبوه بالاعتذار الفوري.

لكن قبل هذا الكاريكاتير كانت لياسين رسومات يصف فيها مؤيّدي حركة فتح في غزة الذين ينتقدونه على حدّ وصفه “مش شاطرين إلا في التدخين وسب الرب والدين” وأخرى وصف فيها أن “الفلسطيني المسلم لا ينتخب العلمانيين الكفرة”، وقصد فيها حركة “فتح”، ومس بأهالي الضفّة الغربية عندما قام برسم كاريكاتير يوضح أن أهالي الضفّة مشغولون بشرب الأرجيلة بينما الأقصى يحترق. وحتى على حساب ميوله السياسية انتقد سكان غزة الذين لا يسافرون عبر معبر إيرز ووصفهم بأنهم “ليسوا شرفاء”.

قلّل ياسين من حدّة رسوماته المهينة لفترة أشهر قصيرة، لأنَه استدعي من النيابة العامة في غزّة وحققت معه بعد الضجّة التي أثيرت في مطلع عام 2016، وخرج دون حساب قانوني، لكن يعود منذ أيام ليرسم الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات على أساس أنه فأر وقتل مسمومًا واضعًا كوفيته على الفأر كما كان يجدلها على رأسه.

إعلانات ممولة للكاريكاتير
لكن بالنظر إلى الواقع اليوم لم يتغير حال رسومات الكاريكاتير بل زادت بحدّتها الجارحة، ويُنشر بعضها في إعلان ممول على أن تصل الرسومات لكل مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي وتثير ضجّة ما بين مؤيد ومعارض لطرحها.

تنشر راسمة الكاريكاتير ماجد شاهين معظم رسوماتها الموجّهة ضد حماس في إعلان مموّل يصل للجميع، وهي تعبّر فيه عن قيادة حماس أنها تقوم بسرقة أموال الشعب وتهينه، لكن يأتي الاستفسار، لماذا تنشر هذه الرسومات بإعلان ممول، وخلال مطالعة رسوماتها على مدار ثلاثة أشهر فإنها تخصّص كل رسوماتها للهجوم على حماس، على الرغم من أنها تعبّر عن نفسها “تعمل لصالح حقوق الإنسان والمرأة وحقّ التعبير، مؤمنة بأن على الشعب الفلسطيني الإعراب عن آرائه”.

يقول الصحافي إياد أبو راس، وهو رسام كاريكاتير فلسطيني يقيم حاليًا في تركيا: “الكاريكاتير فن جميل له مساحة تعبير برأي الرسام دون قيود، هذا ما تعلمناه من رسّامين في الوطن العربي وفلسطين، لكن لا يمكن التجريح بالمجتمع المستهدف أو إهانته بسبب معتقداته، والحالة الفلسطينية أصبحت خير نموذج للتعبير عن التشهير والتجريح فيه”.

حرية التعبير ليست انتقامية
تابع أبو راس رسومات ماجد شاهين وانتقد الأسلوب الذي تتبعه، وقارن بينها وبين أمية جحا وهي راسمة كاريكاتير بدأت عملها في عام 1996، ووجد أن أمية تمثل صورة إنسانية للحال الفلسطيني والعربي، خصوصًا أن رسوماتها تنشر على عدة وسائل عربية منها “الجزيرة نت” و”القدس العربي”، ولا تحمل من الرسالة الفلسطينية إلا الواقع الإنساني الذي يعبر عن مضمون الكاريكاتير الإنساني وانتقاد السياسيين لأجل الإنسان.

وانتقدت الصحافية وفاء عبد الرحمن الأخرى كاريكاتيراً لعلاء اللقطة نشره في صحيفة فلسطين، يتحدّث فيها عن دورية إسرائيلية في الضفة تجرّد الشرطة الفلسطينية من سلاحها، لكنه رسم الشرطي بشكل ضعيف ويهان بملابسه الداخلية من الجندي الإسرائيلي، وعلقت “من لا يحتمل هذا الكاريكاتير، لا يحدثني عن حريّة التعبير، حريّة التعبير ليست انتقائية لتفصيلها على مزاج الحاكم ولا هي تعبير عن الخطاب السائد، هي دبوس في عيون من يحكمون، هي صفعة في وجه الساكتين عن الظلم والمدافعين عنه والمبرّرين له”.

الكاريكاتير يدعم الفصائل
رسام الكاريكاتير محمد سباعنة هو واحد من أهم رسامي الكاريكاتير في فلسطين، والذين ما زالوا يصرّون على طرح القضية الفلسطينية وقضية الاحتلال في رسوماتهم وحقوق الإنسانية البعيدة عن التجاذبات السياسية، وعلى إثر ذلك يعاني من الملاحقة الإسرائيلية في جولاته الداخلية وحتى الخارجية. ولاحظ أن رسومات دعم المقاومة أصبحت تمثل فصيلًا سياسيًا، وهذا المفهوم أصبح دارجًا للناس في فلسطين، وتحوّل الانتقاد للمجتمع والأحزاب وليس الاحتلال.

يقول سباعنة في حديثه لجيل “في الحالة الفلسطينية يوجد انحدار ليس فقط في الكاريكاتير بل كل أنواع الفنون والأدب في محاكاة الأطراف السياسية، وكثيرون أصبحوا ينتقدون السلطة الفلسطينية أو القائمين على حكم غزّة وينسون الاحتلال، والنظام الذي نعيشه أصبح خط دفاع عن الاحتلال”.

يعلّق سباعنة حول بعض رسومات الكاريكاتير التي تتّهم الفصيل السياسي بأنه ذنب للاحتلال، بالقول: “لم لا يضربون رأس الحيّة وليس ذنبها إن كانوا يدعون ذلك؟، ويصف الواقع أن هناك أكثر من سلطة رقابة على المبدع، ما بين سلطة رقابة رسمية تحكمها أطراف سياسية واقتصادية لا يستطيع انتقاد سياسة اقتصادية ما لأنها تمول المؤسسة الإعلامية التي من الممكن أن يعمل فيها. وأيضًا سلطة الشارع وهي رقيبة على الفنان، لأن الشارع يؤيد فصيلاً سياسياً ما، وإن شاهده ينتقد السياسة التي يتبعها من الممكن عمل حملة ضده، ويصبح الجمهور الذي من المفترض للفنان أن يمثله بمثابة سلطة رقابة عليه”.

يرى سباعنة في حرية التعبير أنها مطلقة، والكل مسموح له رسم ما يريد، لكن في حالة العمل على تصنيف حرية الرأي والتعبير فهي مشكلة في الكاريكاتير، لأن بعض رسامي الكاريكاتير يرسم الرئيس عباس بالشكل الذي يريده ولا يستطيع رسم القيادي هنية بالشكل الذي يريده، ويضيف “إما أن تكون الحرية مطلقة بالتعبير عن انتقاد الموضوع السياسي وما يهم مصلحة المجتمع الفلسطيني، وإما اختيار موضوع إنساني وعدم التجريح في الناس بالرسومات”.

– See more at: https://www.alaraby.co.uk/jeel/culture/2017/6/11/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%A7%D8%B1%D9%8A%D9%83%D8%A7%D8%AA%D9%8A%D8%B1-%D9%81%D9%8A-%D8%BA%D8%B2%D8%A9-%D8%B1%D8%B3%D8%A7%D9%85%D9%88-%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%B5%D8%A7%D8%A6%D9%84-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%B5%D8%B1%D8%A7%D8%B9%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B2%D8%A8%D9%8A%D8%A9#sthash.AkmXtCgJ.dpuf

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً

إغلاق
إغلاق