مقالات
كل يوم فائدة لـــُغوية / حامد اغبارية
(32): سأل أحد الإخوة الكرام من أصدقاء الصفحة، مشكورا، عن الفرق بين الفعلين “بلــَّغَ” بفتح اللام المشددة، و”أبلــَغَ” بالهمزة وفتح اللام المخففة.
والحقيقة أنه في المعنى العام للفظتين، لا فرق سوى في صرفهما، فالأول على وزن “فعّل”، ومصدره (بلاغ)، والثاني على وزن (أفعلَ)، ومصدره (إبلاغ). لكن المتأمل في استخدام اللفظتين سيجد أن لكل منهما استخداما يختلف اختلافا دقيقا عن الآخر. فالأول (بلــَّغَ) تعني أوصل أو نقل (الرسالة مثلا)، وما يزال يبلّغ؛ أي أننا نستخدمها في حالة وقوع الفعل مع استمراريته. ومن ذلك قول الله تعالى: {يا أيها الرسول بلّغ ما أنزل إليك من ربّك، وإن لم تفعل فما بلّغت رسالته\ المائدة: 67}، وقوله جل وعلا: {قال يا قوم ليس بي ضلالة ولكني رسول من رب العالمين؛ أبلّغكم رسالات ربي… الأعراف:61-62}، وقوله سبحانه: {الذين يبلــّغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحدا إلا الله…\ الأحزاب:39}، فلاحظ معي من السياق أن التوجيه الرباني باستخدام (بلــَّغ) جاء أثناء عملية تبليغ الرسالة، التي يُتوقع، أو يفترض، منها الاستمرارية.
أما الثاني (أبلغَ) فيفيد أن الرسالة قد وصلت وتم الأمر، وأُنجِزتِ المهمة. ومن ذلك قوله تعالى: {ليعلموا أن قد أبلغوا رسالات ربهم وأحاط بما لديهم وأحصى كل شيء عددا\ الجن:28}، وقوله سبحانه: {فتولــّى عنهم وقال يا قومِ قد أبلغتكم رسالة ربي\ الأعراف:7}، وقوله تعالى: {…فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه:التوبة:6}، ويُفهم من سياق هذه الآيات، وغيرها، وعلاقتها بما سبقها من آيات، أن الإبلاغ هو عملية قد انتهت وتمت وأنجزت على الكمال.
ولعلك لو تأملت في اللفظتين بعمق فإنك ستجد بينهما فرقا آخر، له علاقة بما ذكرناه هنا. فـ (بلــّغ) تقتضي أن يكون قد أوصل الأمر بنفسه، فبذل الجهد، ليحمله وينقله إلى الآخرين. و(أبلغ) تقتضي أن يكون قد أخذ بيد الآخرين و(أبلغهم) أي جعلهم يبلُغون، أي يصلون إلى نهاية الهدف، بعد أن (بلــّغهم) إياه.
والله تعلى أعلى وأعلم.