شعر وشعراء
جُـمـوعُ الدَّجاج – الشاعر حسن منصور
حَـياةٌ تُحاكي حَـياةَ الــنِّعــاجْ || وإنْ شئْتَ قُلْ: بلْ حَــياةَ الدَّجـاجْ
لأنَّ الـنِّعــاجَ تَروحُ وتَغْـــدو || فَتُبْصرُ في السّيْرِ بعْضَ انْفِـراجْ
وأمّا الدّجاجُ فـلَــمْ تَـكُ تَسْعى || ولَيسَ لَهـا في البَساتينِ مَــرعى
وَليْسَ لَــــدَيْهــا مَجـالٌ فَسـيحٌ || فَــتَأْلـَمُ قَـهْـــراً وتَأْلَـمُ جَــوْعـــى
تَبـيـتُ بأَقْــفـاصِهــا في أَنيــنْ || وَيسْمـعُـهــا مَـنْ بِهـا يَسْـتَهــيـنْ
فَيُسْرعُ يَمْحــو ضِـياءَ الصّباح|| وَيُغْـلــقُ أبْوابَ تلـكَ السُّـجــونْ
فَلا الصّوتُ يَخْرجُ مِن حَلْقِـهــا|| ولا صَـرْخـةُ (الآهِ) مِنْ حَـقِّـها
وسَـجّـانُهـا هُــوَ جـــزّارُهـــــا || مَــتى شاءَ أبْدعََ في صَعْـقِـــهـا
وأقْـفاصُهــا طَـبَقــاتٍ تَراهــــا || فَـتَحْسَبُهــا أنْجُـمــاً في سَمـاهـا
فلا هِيَ في الأرْضِ تَحْيا وتَبْقى||ولا هِيَ في الْجَــوِّ تَلْـقى مُـناها
وتَنــظُـــرُ أسْـفـلَ حَـــتّى تَرى || لِتـبـْحَـثَ عنْ حَــبَّـةٍ في الـثَّرى
فـلَـمْ تَدْرِ شَـيْـئًا يُسـمّى العُــلى || ولا فَهِـمَـــتْ ما تَكــونُ الـذُّرى
فإنْ شاهَدَتْ (قَمْحَةً) فهْيَ تُبْهَرْ|| وتَهْـوي عَـلـيْــهــا ولا تَـتَـأخَّــر
وتَـنْـبِـشُ كلَّ الــزَّوايـا هُــناكَ || لَعـلَّ الكَـثيرَ مِنَ القَـمحِ يَظْـهَــرْ
وتَلهَــثُ وهْـيَ تُـفـتِّـشُ عَـــنْهُ || إلَــى أنْ تَـكِـلَّ وتَـيْــأَسَ مــــنهُ
فَـتـنْـدُبُ حـظّاً تَعيساً عَـراهـا || ووَيْـلٌ لِمَـنْ حَـظُّــهُ لَـمْ يُعِـــنْـهُ!
ويَـصْـرُخُ سَـجّـانُهــا بِتَـشَـفِّ || إذا شِـئْتِ زيدي وإنْ شِئْتِ كُفّي
فـلَـنْ تَجِــدي حَــبَّـةً تَأْكُلــيـنَ || سـوى ما أَجــودُ عَـلــيكِ بِكَــفّي
فإنْ شِئْتُ زِدْتُكِ مِنّي طَعـاما || وإنْ شـئتُ زدتُـكِ مـنّي سَـقـامـا
وعُمرُكِ رهْـنٌ بِما أرْتَضــيهِ || إذا شئْتُ عَـفْــوًا وإِلاّ انْـتِـقــامـا
إِذا كُنتِ تَبْغــينَ أَلاّ تّجـوعي || فَـكــونِي لأَمْــري كَعَـبْدٍ مُـطـيعِ
ولا تَحْلُمي أنَّ صوْتَكِ يُجْدي || إذا ما صَرَخْــتِ بِهـذا القَـطـيعِ!
وأقْصى مُناكِ الطّعامُ الطّعـامْ || كُلـي ثُمّ نـامي فَـنِـعْــمَ الْـمَــنـام!
ولا تَحْــلُــمي أنْ تَنـالِي سِواهُ || إذا نِـلْــتِه نِـلْــتِ كلَّ الْــــمَــرامْ
ولا تَحْـلُمي بِالْخُروجِ القَريبْ || ولا لَــكِ حُـرِّيَّـةٌ فِي الْـهُــروبْ
ومَهْما صَرخْتِ ومَهْما عَمِلْتِ|| فـلـيْسَ لِصوْتِ الدَّجاجِ مُجـيـبْ
وإنْ قــامَ ديـكٌ يُــؤَذِّنُ فــيـكِ || لـكيْ تَغْــدُري بالّـذي يَـقْـتَـنـيـكِ
فَـلـسْتُ أُجــازيهِ فَـرْداً وَلكنْ || سَـأَذبَحُ مــنْ أَجْــلـهِ كُــلَّ ديـــكِ
وصَــوْتُ الدُّيوكِ قَبيحٌ عَـقيمْ || وَيَجْـرَحُ سَمْـعي كَـنارِ السَّـمومْ
ويُزْعِـجُ نَوْمَـكِ وهـوَ يُنـادي || على الشّمْسِ في جَوْفِ ليْلٍ بَهيمْ
بِلا مِــخْــلَــبٍ وَبِلا مِـنْـسَــرِ || يَعـيـشُ الـدَّجــاجِ عــلى الأَكْــدَرِ
يُسالِمُ خَصْـماً ظَلوماً غَشوماً || وَليـسَ يُـقــــاوِمُ أوْ يَـجْــــتَــري
وإنَّ الـدَّجاجَ لَـطَـيْرٌ ضَعيفُ || ولـيسَ لـدَيْــهِ سِــلاحٌ مُـخـــيـفُ
وهـــذا الــعَــــدُوُّ وَسِـكّـيـنُـهُ || سَـتَـبْـقى بِكُلِّ الرِّقـابِ تَـطـــوفُ
جُـموعُ الدَّجـاجِ تَنامُ وتَحْـلُـمْ ||وكابوسُ رُعْبٍ عَلى الصَّدرِ يَجْثُمْ
ولكــنَّ ثـأْرًا لَـهـــا لا يَـنــام ُ|| يَـضِـجُّ بِـأَعْــمــاقِـــهــا ويُدَمْـــدِمْ
تَـمَــلْــمَـلَ ثُمّ تَـفَـجّـــرَ نـارا || أحــالَ الـظّـلامَ الـقَـبـيـحَ نَهـــارا
وَزَلْزَلَ كلَّ الطُّيورِ فَـقامَـتْ || تَبـيـعُ الْحَـياةَ وتَـجْـني انْـتِـصـارا
وصاحَتْ بِصوْتٍ قوِيٍّ جَديدْ|| تُـحَـطِّــمُ أقْــفـاصَهــا والْـحَــديـدْ
تُحَــلِّقُ في الْجَوِّ فَهْيَ نُسورٌ || مَخالِـبُهــا في عُـيــونِ (القــرودْ)
جُموعُ الطُّيورِ سُيولُ نسورِ || ولَمْ يَحْــتَجِـزْ دَفْـقَــهـا أيُّ ســورِ
وسَجّـانُهـا فَــرَّ مـنْ دَرْبِهــا || كَـمـا فَــرَّ كـلــبٌ أمــامَ الـزَّئــيِـر
نُسورٌ مَـضى سَـيْلُهـا يَتدفَّقْ || يَـدوسُ الـكلابَ ولا يَـتــرَفَّــــــقْ
يُمَـزِّقُــهــا بِالْمَـــخـالِبِ إرْباً || وَيـفــْتَـحُ دَرْباً بِهــا كانَ يُغْــلَــقْ
ومرَّتْ جُـموعُ الدَّجاجِ تُغَنّي|| إلَى غَــدِها بَعـدَ طــولِ التّـمَــنّي
لِتصْنعَ دُنْيا تُراعي الضّعيفَ|| وتُعْـطــيهِ حَـــقَّ الْحَــياةِ بِـأَمْــنِ.
*****************************************
الشاعر حسن منصور
من المجموعة العاشرة، ديوان (تقاسيم على مسيرة الزمن) ط1ـ 2014م ـ دار أمواج (في عمّان) ص39.