ثقافه وفكر حر

قراري الاخير قصة قصيرة/علاء سعيد حميد

قراري الاخير قصة قصيرة

حاولت مراراً ان اتخلص من دائرة العمل في البناء حيث انها من الاعمال الشاقة التي تنهك الجسد و الفكر ايضاً و لولا العسر المادي و انعدام الوظائف في هذه الظروف لما طرقت باب هذا العمل الشاق حتى كدت اهلك بسبب حادث وقع لي لذلك قررت ان اعمل شيء اخر يدر علي بالمال دون ادنى جهد و قد كانت لدي هواية تركتها منذ زمن طويل استهوتني بعمر الصبى و الشباب الا و هي التسكع في الاسراق الشعبية خصوصاً يوم الجمعة حيث اجوب السوق ابحث عن الاشياء الغريبة ثم اقتني بعضاً منها بسعر بخس في الغالب كانت تلك المقتنيات لا تساوي شيئ كما انها ليست من النوادر او النفائس بين قوسين انها اشياء تافهة لكن كانت تستهويني .
قلت في نفسي لماذا لا ابيع تلك الاشياء لابد من وجود اناس تحب ان تشتري هكذا سلع و فعلاً قمت بذلك العمل و حزمت ما كان لدي من اغراض و ذهبت الى احد الاسواق و افترشت الارض حتى اكتض السوق بالباعة و رواد تلك الاسواق و هم في هرج دائم مر الوقت بطيئاً دون ان يعاملني احد عن اي غرض فقط يكتفون بالنظر و يذهبون فقد كان الامر محبط بعض الشيء الى ان تقدم رجل و اخذ ينظر الى الاغراض و من ثم مد يده و التقط عقد من الخرز ففركه ثم شمه و اخذ يعض بأسنانه على الخرز و قال بكم تبيع هذه الخرزات قلت انا لا اعلم سعرها انت قل بكم تريد ان تشتريها قال كيف تبيع دون تحديد السعر يبدو انك لا تعرف قيمة ما تبيع من اين حصلت عليها ؟ قلت في نفسي لو اخبرته اني اشتريتها سوف يعطني فيها سعر بخس لذا سوف اقول انها تعود لجدي وقد ترك لنا الكثير من الاشياء القديمة التي عفا عليها الزمن و لولا العوز لما اجبرنا على بيعها واخبرته بذلك عندها قال لي سوف اعطيك في هذه الخرزات خمسون الف دينار لقد صدمت كثيراً انها مفاجئة من كان يعلم ان هذه الخرزات التي اشتريتها بسعر بسيط تجلب الخمسين الف دينار شرد فكري قليلاً فبادرني الرجل و قال ليس عليك التفكير طويلاً و انا اعرف انها عزيزة عليك لكونها من جدك لذا سوف ازيدك عشرة اخرى و توكل على الله و بعها لي قلت له دون تردد خذها ثم ناولني الستون الفاً و ذهب بيده الخرزات .
ساورني الشك بقيمة هذه الخرزات و ثمنها لذا ندمت كثيراً غير اني قلت مهما كان ثمنها اليوم كانت لا تساوي شيئاً عندي لتذهب الى الجحيم يكفي اني جنيت هذا المبلغ مرت ساعة اخرى و جاء رجل اخر فأشترى تمثال من نحاس صغير ثم بعت ايضاً حزام من الجلد حتى حصلت على مبلغ من المال بقيمة خمسة ايام عمل في البناء انها عملية مربحة جداً مقارنة بالاعمال الشاقة لذا قررت الاستمرار .
مضت ايام و البيع في غاية الربح بالنسبة الى شخص يعتبر دخله من العمل الشاق الذي كان يزاوله مربح يفي بمصروفات يومه كما اني اعتمدت على اسلوب في بيع تلك السلع ابتداءً من الهندام و الكلام الهامس و الحسرة على بيع مقتنيات جدي الخيالية حيث كل من يراني يقول لولا العوز لما فرط بكنز جده هكذا كما اعتمدت الظهور و الاختفاء في السوق لم يكن ذهابي يومياً حتى لا يشعر الباعة من حولي اني متمرس في البيع و الشراء حتى نفذت الاغراض و يجب ان ابحث عن اغراض اخرى تكون غريبة و لها راغبون .
اخذت اجوب الاسواق النائية لكي اشتري الغريب و النادر الغير متوفر في سوق المدينة ثم ركزت كثيراً على الاحجار و قطع من الفخار و تماثيل مقلدة تعود الى حقب ماضية مثل السومريين و الاشوريين حتى الفراعنة و الهنود الحمر و تماثيل هندية و اواني صينية كما وجدت تمثال بوذا ناهيك عن القطط و الطيور كانت تأتي عبر سوق الاغراض المستعملة من بقية الدول المجاورة حتى اني التقطت حصى غريبة الشكل كانت مرمية على الطريق وضعتها مع بقية الاغراض عودتي كانت موفقة و مثيرة للضحك بسبب الحصى التي التقطتها من الارض قد بعتها بسعر خمسة الاف دينار و تسألت كيف لهذه العقول ان تعمل و هي مرهونة في الخزعبلات و الاوهام ما قيمة هذه الحصى التي تنتشر في بقاع الارض حتى يتهافت عليها بعض الناس لشرائها و الغريب ان شخصين تنازعا على شرائها مقلبين اياها مراراً سألت احدهم ما هذه الحصاة نظر الي و قال انك تبيع اشياء ليس لديك علم بها انها خرزة مسكونة يسكنها جن من الجان انها خرزة ( الهبهاب )يثير الرغبة في النساء لحامل هذه الخرزة تملكني الضحك و جاهدت نفسي في كتمانها و كادت تخرج مني الكلمات و اقول انها حصى عادية استمر هذا المنوال من الغرابة و الضحك حتى جاء الي رجل طويل القامة اصلع الرأس و قف يتأمل التماثيل و بعض بقايا فخارية نظر الي نظرة حادة جعلتني اتوجس منها و بادرني قائلاً من اين حصلت على هذه القطع الفخارية و هذا التمثال ان نبرة صوته و هيئتة اثارت حفيظة الظنون لدي تلعثمت في الاجابة و قلت اني اشتريتها قال لا تخف فأنا خبير آثار و اريد ان اشتري تماسكت قليلاً و قلت له لكني لا اعمل بهذه الاثار ليس لدي منها قال لا بل لديك هذا التمثال و هذه القطع الفخارية سوف ادفع لك فيها مائة الف دينار و لكن بشرط ان تجلب لي بقية القطع و التماثيل التي تتوفر لديك .
مائة الف دينار مبلغ لا بأس به ثمن بقايا اطلال حتى لو صح انها تماثيل اثرية قيمتها لدي لاتساوي اكثر من طين مفخور تخص اقوام بيني و بينهم شاسع زمني ماتوا و اندثروا لا اعلم منهم الا شيء واحد و هو الزوال و الانقراض عن هذه الحياة و ما يهمني الان هو غباء بعض الناس و فراغهم الذي يمضونه بهذه التوافه التي استغلها الان و اجني منها الربح المادي الذي يعينني على هذه الحياة .
بناءً على رغبة الرجل و طمعاً بالمال ذهبت ابحث عن الرجل الذي اشتريت منه تلك القطع الفخارية كان قد غير مكانه و هذه طريقة يلتجئ اليها الباعة عندما يبيعون شيء بمبلغ كبير و يعلمون انه عاطل او معطوب حتى اذا ما ارجعوه اليهم لا يتمكنون من ايجاد البائع المحتال اخبرته اني اريد شراء بعض الحاجات و منها قطع طينية او فخارية او تماثيل كما سألته عن مصدرها اخبرني بعد ان ابتعت منه بقايا اواني و قطع طينية معدومة انه يجلب تلك الاشياء من ابناء اخته الذين يسكنون الاهوار حيث يجمعونها اليه اثناء الصيد او رعيهم للجاموس كانت هذه المعلومة اول الطريق الى عالم التجارة بالآثار .
تفحص الرجل بقايا القطع و عزل منها ثلاث قطع اما البقية فقال هذه ليست من الاثار انها بقايا ( حِبْ ماء فخاري ) و قال لي بأمكانك ان تجني ثروة طائلة من خلال مغامرة او رحلة قلت له كيف ؟ قال تبيع الاثار التي لدي في ايران او في تركيا قلت له لماذا تكلفني بهذا الامر بأمكانك ان تفعل ذلك قال منت سابقاً اقوم بالعمل لكن بعد ان اصبحت معروفاً في الوسط اصبح الخطر يهددني فالجميع يريد ان ينال مني قلت له دعني افكر قليلاً و سوف اتصل بك لاحقاً
ليلتي طالت و الهواجس تترافد تارةً يأخذني النعيم بالاموال و اخرة يأخذني السجن و الظلمة يصحى الضمير ثم ينام اتقلب في الفراش و يأرقني تطنين البعوض ثم تأتي الي الحسناوات و مديلات السيارات البراقة مع القصور الفارهة تقطعها صور لبلد يقتضم من الخارج و الداخل فيصدح صوت يطن في اذني انت داعشي الفكر كما دمروا الحظارة و الحياة انت تبيع وطنك لاجل المال كلاكما عملة واحدة انظر الى قوافل الشهداء التي تنزف من اجل الحفاظ على تراث البلد و انظر الى صورة الدواعش حين يحطمون الكنائس و الجوامع و الحظارة التي يمتد عمرها الى قدم البشرية هيهات ان اصبح داعشي الهوى حتى لو مت من الجوع فقد قررت ان اقطع علاقتي بالسوق و كسرت شريحة الخلوي و عدت الى عملي في البناء لكي احافظ على عراقيتي و اصالة اجدادي

علاء سعيد حميد

مقالات ذات صلة

إغلاق