مقالات

أباريق مهشّمَة / البروفيسور لطفي منصور

سألتني أمّ العيال وهي تشاهد وتصغي إلى أحداثِ القدسِ من خلالِ قناةٍ عربيةٍ مشهورةٍ: هل يا تُرى سيأتي على الأمة العربيّة يومٌ تصحو فيه على نكباتِها، وإهاناتها فتحزمَ أمرَها، وتغضبَ لهدرِ كرامتها؟
أجبت: كلّ شيءٍ ممكنٌ ولكن للأمةِ العربيّة هذا اليوم بعيدٌ جدًّا أكثرَ ممّا تتصوَّرينَ.
فأردفت سؤالها بسؤالٍ آخرَ، وقد ضاقَ صدرها، ونَفِدَ صَبْرُها: ما هو سببُ تخلُّفِ العرب، ولماذا لا يلحقونَ سائِرَ الأمَم التي طوّرتْ نفسها وأصبحت كلمتُها مسموعةً عندَ شعوبِ العالم؟
اكفهرَّ وجهي ووقعتُ في حَيْرَةٍ بماذا أجيبُها.
وفجأةً تذكرتُ ديوانَ شعرٍ صغير لأحد شعرائنا الوطنيين المشهورين، يمكن أن تكونَ فيهِ الإجابة.
إن قصّةَ أمتنا العربيَّة قد وصفها شاعرٌ ثائرٌ عظيمٌ في ديوانِ شعرٍ صغيرٍ كبيرٌ كبير اسمه عبد الوهّاب البياتي عراقيٌّ ثار على الظلم والاستبداد في بلده والبلاد العربيّة، وضع له عنوانا يختصرُ حالَ أمتنا اليومَ. هذا الديوان هو أباريق مهشّمة.
هي اباريق مصنوعة من الفَخّار، رمز به إلى الرؤساء العرب وإلى شعوبهم. كلُّ إبريقٍ يرمز إلى المواطن العربي قد هشّمَ منه طرفٌ. هذا هو الحال.
وصفَ العربَ بأنهم (قراقيم) وأنتِ تعرفين ما هو (القرقوم) إذ لا بُدّ أن شربتِ منه يومًا.
سكتت أمّ العيال وبلعتْ ريقها. فطلبتُ منها أن تصغيَ إلى إحدى قصائده التي يصف فيها الأباريقَ المهشّمة وأصحابها.

مسافرٌ بلا حقائب
في داخلي نفسي تموت بلا رجاء
وأنا وآلاف السنين
متثائب ، صَجِرٌ ، حزين
سأكون لا جدوى سأبقى دائمًا مَن لا مكان
لا وجهَ ، لا تاريخَ لي ، مَن لا مكان

وأسيرُ لا ألوي على شيءٍ وآلافُ السنين
لا شيءَ ينتظرُ المسافِرَ غيرُ حاضِرِِهِ الحزينْ
وَوحلْ وطينْ
وعيونُ الجنادِبِ والسنين
وتلوحُ أسوارُ المدينَةِ، أيَّ نَفْعٍ أرتجيهِ؟
من عالَمٍ ما زالَ بالأمسِ الكريهِ
يحيا وليسَ يقولُ : إيهْ
يحيا على جِيَفٍ مُعَطَّرَةِ ااجِباهِ
نَفَسُ الحياةِ بعيدٌ رَصَفَُُ طريقَه سَأَمٌ جديد
أقوى من الموتِ العنيد
تحت السماء
بلا رجاء

أصدقائي!
المعذرة ، المعذرة!
(عيوني امتلأت بالدموع. لا أستطيع الطباعة. أرجو أن تنظروا في ديوان أباريق مهشّمة وتقرأوا باقي قصيدة:
مسافرٌ بلا حقائب.)
المعذرة.
من يريد أن يسأل شيئًا عن الرمز في القصيدة والموتيف الرئيسي فليكتب لي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق