اقلام حرة

ضمير الامة / حسن متعب

كتب الدكتور سيار الجميل في جريدة العربي الجديد اللندنية مقالا بعنوان( هل مات ضمير العرب؟) يرى فيه ان من الصعوبة الاجابة على هذا السؤال، وهو يتحامل في سطوره على العرب كثيرا، محقرا لهم ومعتبرا انهم اموات وان حياتهم تافهة وانهم بلا ضمير ولا اخلاق ولا فكر، ولعل من المهم ان نشير هنا الى ان موجة لعن الامة وشتمها والانتقاص منها قد تعالت مؤخرا وراح الكثير من العامة والمثقفين يرددون عبارات التحقير والاستهانة مع الشعور بالياس والعجز، هذا التحقير ناتج عن حرقة في الذات التي ترى الانكسارات وتعتقد ان لامخرج ولا نهاية لما يجري من صراعات والام ومآسي وموت مجاني وتشريد وتهجير متعمد، الا ان هذه الحرقة وهذه الغيرة على الامة للاسف اخذت طابعا سلبيا لم يكن متعارفا عليه، واذا كنا نتوقع من البسطاء او الجهلاء مثل هذه الممارسة فان من غير الممكن ان نتوقع من المثقفين والمتبصرين السير بنفس الاتجاه، ولعل في تجربة القوميين العرب في منتصف القرن الماضي درسا بليغا وملهما في الكيفية التي يتوجب العمل بها لرفع معنويات الشباب العربي ودفعهم للايمان بطاقاتهم وبمستقبلهم ومستقبل امتهم رغم عوادي الزمن ورغم التحديات التي تغلق الافاق وتوحي بالضياع والتمزق وفقدان الامل..

ضمير العرب جزء من وجودهم وفكرهم وتقاليدهم واعرافهم، ولان هذا الوجود قد تهدد ولان فكرهم واعرافهم قد تمزقت وتفرقت، فان ضميرهم هو الاخر قد استتر وغاب عن الفعل والحركة، واختلفت مواقفنا بل وتناقضت، واذا كان البعض يؤمن ان الاختلاف في الراي لايفسد في الود قضية، فان هذا لاينطبق على المباديء والثوابت والقضايا المصيرية التي تهدد امن الامة ووجودها، لا احد يمكنه الاختلاف حول احتلال اميركا للعراق، ولا احد يمكنه الاختلاف حول عدم شرعية الكيان الصهيوني واغتصابه لارض فلسطين، ولا حول الدور التخريبي الايراني في المنطقة، ولا ايضا لدور الرجعية والسلفية العربية، لكننا يمكن ان نختلف فيما هو دون ذلك، وفي الوسائل والاساليب التي يمكنها ان توصلنا لاهدافنا.. الضمير هو الموقف ومواقفنا للاسف قد تعقدت وارتبكت واضطربت وخضعت لولاءات بعضها مأجور مدفوع الثمن، وبعضها عاطفي حماسي، وبعضها غبي حد اللعنة..

في القضية السورية مثلا، يحتار الضمير العربي ويستتر ويرتبك في الظهور والاعلان عن نفسه، النظام السوري اخر معاقل الفكر القومي، وهو نظام دكتاتوري بلا جدال، يقابله في الصراع قوى تنشد الحرية والعدالة والتعددية ولكنها ارتبطت وارتهنت ارادتها باجندات خارجية، امتزجت معها عصابات داعش والارهاب الاخرى، والنظام ايضا ربط مصيره بارادتي ايران وروسيا، اذن الى اين يمكن ان تتجه بوصلة الضمير العربي، الى تاييد النظام ام تاييد العصابات المناوئة له؟.. ومن يمكننا تحميله مسؤولية الفضائع والجرائم والدماء التي تسفك كل يوم والدمار والتخريب المتعمد، واضعاف الامة واستنزاف طاقاتها، هل نحملها للنظام لانه دكتاتوريا، ام للعصابات التي ابتدأت مشوارها الدموي التخريبي باسم الثورة؟.. وهذا ينطبق على العراق وعلى حالات اخرى في الوطن العربي، الا ان الضمير الواعي القادر على رؤية الطريق ورصد الحقائق، قادر على الوقوف الى جانب الضحايا، وهم الشعب المسالم البسيط الذي ينشد العيش الآمن والكرامة، وليس الى جانب المجرمين والقتلة والعملاء المأجورين.. الضمير العربي يدرك ان لامسؤولية ولا تقصير من شعب لم يمتلك زمام امره على مدى تاريخه، وانه يتعرض وباستمرار لمكائد ومؤامرات الشرق والغرب لاشاعة روح الياس والعجز والاحباط في داخله..

على المثقفين ان يراجعوا التاريخ القريب في الاقل، ليدركو كيف كان الضمير العربي يقظا، حين كانت هناك الكثير من الاشارات والايحاءات بالفاعلية والاحساس بالثقة والقدرة على الفعل، الم تعط الجزائر مليون شهيد من اجل استقلالها، الم يكن عمر المختار صورة ناصعة للضمير الحي، الم يقف العرب وقفة رجل واحد مع مصر ابان الاعتداء الثلاثي عليها، ألم يحضر الضمير العربي في حروب 1948 و1967 و1973 يوم تهددت الامة بقوة ووضوح ، ثم جاءت الحرب مع ايران، ليرى العرب بشكل صريح لا لبس فيه امكانياتهم على الصمود وعلى المطاولة وعلى الوقوف بقوة وحزم امام القوى الطامعة، ويوم تحقق النصر عام 1988 كان العرب في اوج ثقتهم بانفسهم وبقدراتهم ؟.. وقد ادركت الصهيونية خطر نهضة الامة ووحدتها، فحركت عملائها لتشغلنا جميعا من المحيط الى الخليج بمعارك هي ليست معاركنا وبحروب لاتخدم الا مصالحها، ابتداء من حرب الكويت والى يومنا هذا، وها نحن الان نقتل بعضنا بعضنا وندفع ثمن الرصاص لاميركا..

ان اهم ما وصل اليه الضمير العربي اليوم هو فقدان الثقة، وتلك اخطر مرحلة يمكن ان يصل اليها شعب ما، والشعوب التي تفقد الثقة بنفسها وبقدراتها يستتر ضميرها، وتفقد قدرتها على الفعل والتاثير، ولكن علينا ان نعرف ان تلك ليست نهاية المطاف، فالشعوب لاتموت، وارادة الحياة اقوى من ارادة الموت، ولبعض الازمات الكبرى نتائج قد تؤدي الى ايقاظ الذات والضمير، ومعرفة الاخطاء واستشراف المستقبل، وما يجري الان هو المخاض العسير الذي سيلد من خلاله مستقبل الامة وضميرها الحي الذي لايموت

المصدر : الصدى نت

مقالات ذات صلة

إغلاق