الرئيسية
مؤتمر فتح السابع وفشل دحلان المستمر
بافتتاح مؤتمر حركة فتح السابع اليوم، يمكن القول إن دحلان هُزم في إحدى أهم الجولات التي حضّر لها طويلًا، واستخدم في سبيل ذلك الجزء الأكبر من خياراته، بدءًا من الضغط العربي على مستوى الدول ومطالبات الرباعية العربية بعودته، وصولًا إلى الاستثمار في أزمات المخيمات في الضفة، وخوض اشتباكات ومواجهات مسلحة مع السلطة.
هذه المقالة محاولة لتحليل أسباب هذا الفشل وكذلك توقع مزيد من الفشل لمشروع رجل الأمن والأعمال المقيم في الإمارات.
يمكن تقسيم الأسباب إلى داخلية تتعلق بالسياق الفلسطيني والفتحاوي، وخارجية تتعلق بالسياق العربي وتحديدًا الممول والداعم لدحلان، ومما لا شك فيه أن التداخل بين المستويين كبير، فالثابت أن أصغر مشكلة داخلية فلسطينية هي شأن عربي، من بوابة الاستثمار والاستغلال قبل أي شيء.
shareبدا وكأنّ الضغط العربي على الرئيس أبو مازن يمكن أن يوصل إلى عودة لدحلان، إلا أن أبو مازن أطلق تصريحات نارية عن قطع الخيوط والامتدادات
ولفهم الأسباب الخارجية أو المتعلقة بالسياق العربي وتحديدًا الممول والداعم لدحلان، لا بُدّ من العودة إلى لحظة قريبة بدا فيها وكأن مصالحة فتحاوية على الطريق بضغط من الرباعية العربية، أو هكذا قيل في الإعلام الدحلاني، وهو مزيج من إعلامي فلسطيني غزاوي ومن الخارج، وإعلام مصري.
في تلك اللحظة بدا وكأنّ الضغط العربي (إماراتي مصري سعودي أردني) على الرئيس أبو مازن كبير فعلًا، ويمكن أن يوصل إلى مصالحة فتحاوية وعودة لدحلان وفق سيناريوهات كثيرة، إلا أن أبو مازن سارع إلى إطلاق تصريحات نارية عن قطع الخيوط والامتدادات هنا وهناك، بل وذهب في زيارة للدوحة والتقى قيادة حماس.
المهم هنا هو الانتباه إلى ما قيل إنه ضغط عربي على أبو مازن، والذي ظهر أنه لم يكن سوى اتصالات وزيارات، بمعنى أنه لم يتطور إلى أي شكل من الضغط الفعلي على السلطة وقيادة فتح، وهذا ما يفرض طرح التساؤل المهم هنا: هل دحلان يستحق أن تضغط دول عربية ضغوطًا حقيقية على أبو مازن من أجله؟
الإجابة الأولية: لا.
وتبريرها يحتاج التفكير بالعلاقة التي طورها دحلان مع الدول العربية، وباختصار مع الإمارات، ما طبيعتها وما مستواها وإلى أين يمتد أفقها؟
مقابل الدعم المالي الكبير يقدم دحلان خدمات أمنية واستخبارية وتدخلات على طريقة الـ”dirty work” لحُكّام الإمارات، مفاوض بحكم علاقاته الأمنية على صفقات سلاح وعلاقات في دول أوروبا الشرقية، وكذلك في أثيوبيا وليبيا ولبنان وسوريا وغيرها، ببساطة ذراع أمني استخباري. لا شك أن هنالك علاقة ودية مع شخوص يحكمون دولة تطورت لتبادل منافع، المال مقابل هذه الخدمات، وهذا الوجه الأول أو الأبسط للعلاقة.
shareلا بد من لفت الانتباه هنا إلى جهود دحلانية في مقايضة الميل الإسرائيلي نحوه، بتطبيع عربي
المهم هنا أن مشروع دحلان الشخصي، أي مشروعه داخل فتح والسلطة، لا يبدو مشروع مموليه وداعميه، حتى الآن. ففي شق الخدمات الأمنية والاستخبارية يبدو دحلان ضرورة لمموليه، أمّا في شقِّ سعيه للسيطرة في فتح والسلطة، فهذا قد يتمكن من ترويجه كتوسيع نفوذ لمموليه، ولكنّه لا يرد أبدًا في باب الضرورة، أي أنّه شيء لا يستدعي بذل مستوى هائل من الضغط والاصطفافات لتحقيقه.
والأهم خلق مشكلة مع قيادة السلطة وفتح الحالية والممثلة بأبو مازن وقياداته الأمنية، فما وجه العداء الملحّ أو الذي يحتاج لمعالجة بين الإمارات ومصر وأبو مازن الآن؟ لا يوجد، فالرجل اشتغل طويلًا على علاقة هادئة مع الدول العربية، كانت غير قابلة للتصور بالنظر إلى تاريخ علاقة قيادة الفلسطينيين المتوترة بالدول العربية.
يضاف إلى ذلك، وهذه ركيزة أساسية في عدم مراكمة مشروع حقيقي لاستبدال أبو مازن، هو أن المحدد الرئيس في المعادلة، أي إسرائيل، تجد نفسها أمام خيارات متماثلة، فلا شيء يدفع للضغط على هذا ليكون بدل ذاك. وإذا نظرنا إلى المحدد الأهم إسرائيليًا وهو الأمن وضبط الضفة والتنسيق اليومي، فهذا تمأسس إلى حد جعله غير خاضع للمناورات السياسية، فهو باختصار ورقة رابحة في يد القابض على أمور السلطة في الضفة. وما دام الأمر كذلك والمفاوضات متوقفة ولا ضغط حقيقيًا على إسرائيل، فلماذا الدخول في هذا المستوى من الصراع الفلسطيني الداخلي؟ خاصة أن الصدام الداخلي لو تطور إلى انفلات أوضاع في الضفة فلن تسلم من شرره إسرائيل.
اقرأ/ي أيضًا: لماذا يتحدث دحلان؟
لا بد من لفت الانتباه هنا إلى جهود دحلانية في مقايضة الميل الإسرائيلي نحوه، بتطبيع عربي، ولكن حتى هذه يظل قرارها عربيًا وعوائقها عربية، بمعنى أن القيادة الفلسطينية ليست هي من يحدد هذه الوتيرة أو يطورها، وتطبيع إسرائيل مع الإمارات إن كان ورقة دحلانية فلا يبدو أنه مغر بما يكفي لإسرائيل، مع توافر الكثير من الشواهد القاطعة عليه. هنا تتكرر اللعبة الإسرائيلية دومًا، فالتنازلات العربية بالنسبة لإسرائيل مجرد حسن نية تستغلها دون أن تقدم شيئًا.
إذن، فمشروع دحلان فلسطينيًا لا يبدو مشروعًا مُلحًا وضروريًا الآن لمموليه وداعميه ومشغليه، وعداوة قيادة السلطة الحالية لم تصل حتى لدرجة شر لا بد منه. وما هو واضح، الاكتفاء بالخدمات مقابل الأموال وما تتبعها من علاقات، ولدحلان أن يفعل بالأموال والعلاقات ما يشاء، وهذا يقود إلى المستوى الثاني، أي الداخل.
منذ سنوات سلام فياض وأبو مازن، والرئاسة تمأسس الأمن وتطوره وتسيطر عليه بشكل كفؤ، وبدا أن السلطة ابتلعت حركة فتح تمامًا، وقيل الكثير الكثير عن أولوية السلطة على فتح بالنسبة لأبو مازن. وتكرس مع الوقت إحكام سيطرة كامل على مؤسسات السلطة وأجهزتها وعلى مناطقها، وشكلت آلية للتدخل الأمني والعسكري، والشعبي وشبه الشعبي في كل حالة توتر أو عصيان. كل هذا ودحلان يفقد الأرض، طرد من فتح وخرج إلى الإمارات، ولسنوات يبذل جهودًا هائلة في خلق تواصل مع القواعد دون جدوى.
share“لا يمكنك أن تبني ولاءات عبر الهاتف”، كان لا بد لأحد معاوني دحلان من أن يقول له ذلك وهو يمطر كوادر فتح بالضفة باتصالات لا تتوقف
“لا يمكنك أن تبني ولاءات عبر الهاتف”، كان لا بد لأحد معاوني دحلان من أن يقول له ذلك وهو يمطر كوادر فتح بالضفة باتصالات لا تتوقف واعدًا إيّاهم بالدعم والأموال، ومع كل اشتداد حملة ملاحقة من السلطة وأمنها كانت المجموعات التي بدأ بالتواصل معها تتشتت وتنتهي. وموجة الاستهداف الحقيقية التي أطلقتها السلطة خلال الأشهر الثلاثة الماضية كانت كفيلة بتفكيك كل شيء. والأهم أنها رفعت الكلفة على من يفكرون في مناصرة دحلان، فوعود مالية وبمناصب لا يبدو أنها قريبة أبدًا، لا تكفي حتى يخسر كوادر وموظفون مواقعهم ويحاسبوا وربما يعتقلوا. وفي سبيل ماذا؟ في سبيل مشروع شخصي لا يمكن بأي شكل إعطاؤه أي معنى آخر.
هذا بالإضافة إلى كمية الأوهام التي يمكن أن ينقلها متلقو الأموال لصاحبهم عبر الهاتف أيضًا. هنالك من روّج وبجهد أن كل الناقمين على السلطة وأبو مازن، هم حلف لدحلان، وهذا غير صحيح تمامًا وتكشفه الأيام. وعلى الرغم من كل الحديث عن تفصيل المؤتمر السابع وحضوره على مقاس تيار بعينه، إلا أن شواهد كثيرة تقول إن مساحة غير بسيطة تركت لمعارضة غير دحلانية، وربما تفرز قياداتها في مركزية فتح، أهم دائرة قرار في الحركة، وهذه بلا شك ستكون الضربة الأهم لدحلان وجهوده لاحتواء كل الناقمين على السلطة.
ماذا تبقى لدحلان من أوراق داخليًا؟ مناوشات أمنية وأحداث عنف؟ من الواضح ألا حاضنة شعبية لها ومن الواضح أن نية السلطة لقمعها جادة وصارمة. ورقة حماس؟ في حال تجاوز أبو مازن المؤتمر السابع وخرج بقيادة لفتح موحدة ولو بالظاهر، فلا قيمة لهذه الورقة ولن تشكل عليه أي ضغط، إلا بالتفافات طويلة عن توتير في غزة وتدخل إسرائيلي وهذا غير وارد.
اقرأ/ي أيضًا: ليلة ساخنة بين ثلاث مخيمات والسلطة في الضفة
لا يبدو أن هنالك أوراقًا لا داخلية ولا خارجية سوى الانتظار. دحلان سينتظر، وفي الأثناء تكثر المواقع الصفراء وصفحات الفيسبوك التي تقول إنها تنشر قصص فساد السلطة وفضائح قياداتها، وعلى الأغلب لا يصدقها أحد حتى لو كانت بالصوت والصورة، بل الأهم حتى لو صدّقها الناس فلا يمكنها مراكمة أي فاعلية أو سخط يترتب عليه تحرك في الشارع أو غيره. وبالتالي فلا خيارات في الأفق، وفشل دحلان يتراكم.
أخيرًا يمكن اختتام محاولة التحليل هذه، بتحذير. ففي ظل فشله في هذه الجولة، لا بد من الانتباه إلى ما قد يحاول دحلان بيعه لمشغليه ومموليه سعيًا لتحصيل ضغط وتحرّك أكبر في سبيل مشروعه الشخصي. وهو وضع السلطة والمنظمة وكل أذرعها المؤسسية والحزبية وحتى العسكرية والاستخبارية في دول كثيرة، كمقابل لدعم مشروعه. وبالتالي وفي حال تصاعد ضغط مموليه ووصل إلى مستويات غير مسبوقة يبدو التساؤل مهمًا حينها عن احتمالية أن يكون دحلان بالنسبة لمشغليه بداية مشروع للسيطرة على القضية الفلسطينية ممثلة بسلطتها ومؤسساتها وكل ما يتصل بها، بدءا بمسلحي مخيمات لبنان، وليس انتهاء بعلاقات استخبارية في أوروبا الشرقية ودول إفريقية، وكل ما حول ذلك.