مقالات

الدكتور جمال أبو نحل يكتب: في ذكري 23 يوليو المجيدة الخالدة في وجدان الأمة العربية

الدكتور جمال أبو نحل يكتب: في ذكري 23 يوليو المجيدة الخالدة في وجدان الأمة العربية

بقلم/ الدكتور جمال أبو نحل

أكثر من نصف قرن ونيف مضت على ذكري الثورة البيضاء في مصر العروبة والإسلام والقومية العربية؛ فبعد عام النكبة 1948 وضياع فلسطين واحتلالها من قبل عصابات الصهاينة وقطعان المستوطنين؛ برز تنظيم الضباط الأحرار في الجيش المصري بزعامة اللواء الراحل محمد نجيب وقيادة الزعيم الراحل جمال عبد الناصر رحمهم الله؛ كان ذلك في ال 23 من يوليو 1952؛ حيث قام التنظيم بانقلاب مسلح أبيض لم ترق فيه أي دماء، ونجح في السيطرة على الأمور والسيطرة على المرافق الحيوية في البلاد وأذاع البيان الأول للثورة بصوت الزعيم الراحل أنور السادات رحمه الله، وأجبرت الحركة على الملك التنازل عن العرش لولي عهده الأمير أحمد فؤاد ومغادرة البلاد في 26 يوليو 1952م وعلى إثر ذلك شكل مجلس وصاية على العرش ولكن إدارة الامور كانت في يد مجلس قيادة الثورة المشكل من 13 ضابط من الضباط الأحرار برئاسة محمد نجيب وجمال عبد الناصر وكانوا هم قيادة تنظيم الضباط الأحرار ثم الغيت الملكية وأعلنت الجمهورية في 18 يونيو 1953م. لينتهي عصر الاقطاع والاستبداد والعبودية في مصر؛ وليبدأ ميلاد عهدٍ جديد؛ وكان قائد الحركة التي سميت فيما بعد بالثورة هو اللواء محمد نجيب والواقع أنه تم اختياره – من قبل الضباط الأحرار – كواجهة للثورة لما يتمتع به من سمعة حسنة داخل الجيش و كان اللواء الوحيد في التنظيم وكان سبب انضمام الكثير من ضباط الجيش للضباط الاحرار وكان أحد أهم عوامل نجاح الثورة، وما لبث قليلاً حتي تولى جمال عبد الناصر بعد ذلك حكم مصر من 1954م وحتى وفاته عام 1970م واستمد شرعية حكمه من ثورة يوليو؛؛ هذه الثورة والتي قامت وأُسست على ستة مبادئ كانت هي عماد سياسة الثورة وأهم أعمدتها وتجسدت في النقاط التالية: أولاً القضاء على الإقطاع، وثانيهما القضاء على الاستعمار، وثالثهما القضاء على سيطرة رأس المال على الحكم، والرابع إقامة حياة ديمقراطية سليمة، والخامس إقامة جيش وطني قوي، وسادسهما إقامة عدالة اجتماعية، وكانت مجموعة الضباط الأحرار التي قامت بالثورة هم: محمد نجيب وجمال عبد الناصر وعبد الحكيم عامر ويوسف صديق وحسين الشافعي وصلاح سالم وجمال سالم وخالد محيي الدين و زكريا محيي الدين وكمال الدين حسين وعبد اللطيف البغدادي وعبد المنعم أمين ومحمد أنور السادات وجمال حماد؛ ثم أُذيع البيان الأول إلى الشعب المصري وكان كالتالي: «من اللواء أركان الحرب محمد نجيب القائد العام للقوات المسلحة إلى الشعب المصري” لقد اجتازت مصر فترة عصيبة في تاريخها الأخير من الرشوة والفساد وعدم استقرار الحكم وقد كان لكل هذه العوامل تأثير كبير على الجيش وتسبب المرتشون والمغرضون في هزيمتنا في حرب فلسطين، وأما فترة ما بعد هذه الحرب فقد تضافرت فيها عوامل الفساد وتآمر الخونة على الجيش وتولى أمره إما جاهل أو خائن أو فاسد حتى تصبح مصر بلا جيش يحميها وعلى ذلك فقد قمنا بتطهير أنفسنا وتولى أمرنا في داخل الجيش رجال نثق في قدرتهم وفي خلقهم وفي وطنيتهم ولا بد أن مصر كلها ستتلقى هذا الخبر بالابتهاج والترحيب، وأما من رأينا اعتقالهم من رجال الجيش السابقين فهؤلاء لن ينالهم ضرر وسيطلق سراحهم في الوقت المناسب، وأردف قائلاً: “وإني أؤكد للشعب المصري أن الجيش اليوم كله أصبح يعمل لصالح الوطن في ظل الدستور مجرداً من أية غاية وأنتهز هذه الفرصة فأطلب من الشعب ألا يسمح لأحد من الخونة بأن يلجأ لأعمال التخريب أو العنف لأن هذا ليس في صالح مصر وأن أي عمل من هذا القبيل سيقابل بشدة لم يسبق لها مثيل وسيلقى فاعله جزاء الخائن في الحال. وسيقوم الجيش بواجبه هذا متعاوناً مع البوليس. وإني أطمئن إخواننا الأجانب على مصالحهم وأرواحهم وأموالهم ويعتبر الجيش نفسه مسؤولاً عنهم والله ولي التوفيق.» لقد كان لثورة 23 يوليو الكثير من الانجازات المحلية والسياسية والعربية والثقافية ومن أهمها تأميم قناة السويس لتصبح شلركة مصرية مساهمة بعدما كانت مملوكة للغستعمار البريطاني، ومن الانجازات استرداد الكرامة والاستقلال والحرية المفقودة على أيدي المستعمر المعتدي، والسيطرة على الحكم في مصر وسقوط الحكم الملكي، وإجبار الملك على التنازل عن العرش ثم الرحيل عن مصر إلى إيطاليا، والغاء النظام الملكي وقيام الجمهورية، وتوقيع اتفاقية الجلاء بعد أربعة وسبعين عاما من الاحتلال، وبناء حركة قومية عربية للعمل من أجل تحرير فلسطين، والغاء دستور 1923 في ديسمبر 1952، واعلان اللواء محمد نجيب اول رئيس للجمهورية في 18 يونيه 1953 كأول رئيس، للجمهورية المصرية؟، ومن الانجازات الثقافية لثورة الضباط الأحرار أنها أنشأت الهيئة العامة لقصور الثقافة وقصور الثقافة والمراكز الثقافية لتحقيق توزيع ديموقراطي للثقافة وتعويض مناطق طال حرمانها من ثمرات الإبداع الذي احتضنتهُ مدينة القاهرة وهو ما يعد من أهم وأبرز إنجازاتها الثقافية وإنشاء أكاديمية تضم المعاهد العليا للمسرح والسينما والنقد والباليه والاوبرا والموسيقى والفنون الشعبية ورعاية الآثار والمتاحف، ودعم المؤسسات الثقافية التي أنشأها النظام السابق ثقافي وسمحت بإنتاج أفلام من قصص الأدب المصري الأصيل بعد أن كانت تعتمد على الاقتباس من القصص والأفلام الأجنبية؛ أما عن بعض الإنجازات، تعليمية فقد قررت الثورة مجانية التعليم العام وأضافت مجانية التعليم العالي وضاعفت من ميزانية التعليم العالي وأضافت عشرة جامعات أنشئت في جميع أنحاء البلاد بدلا من ثلاث جامعات فقط كانت موجودة، وثم إنشاء مراكز البحث العلمي وتطوير المستشفيات التعليمية، ومن الإنجازات الاقتصادية والاجتماعية الكبيرة تُعتبر الثورة العصر الذهبي للطبقة العاملة المطحونة الذين عانوا أشد المعاناة من الظلم وفقدان، مبدأ العدالة الاجتماعية، فقد كانوا زمن الاقطاع يعمل الفلاح أجيرًا في حقول الاقطاعيين وبعد الثورة أعطاهم وملكهم الرئيس الراحل جمال عبد الناصر الأرض ليزرعوها ولتكون مُلكًا لهم؛ وأسفرت الثورة عن، توجهها الاجتماعي وحسها الشعبي مبكرا عندما أصدرت قانون الملكية يوم 9 سبتمبر 1952م وقضت على الأقطاع وأنزلت الملكيات الزراعية من عرشها وتمصير وتأميم التجارة والصناعة التي استأثر بها الأجانب، وإلغاء الطبقات بين الشعب المصري وأصبح الفقراء قضاة وأساتذة جامعة وسفراء ووزراء وأطباء ومحامين وتغيرت البنية الاجتماعية للمجتمع المصري وقضت على معاملة العمال كسلع تباع وتشترى ويخضع ثمنها، للمضاربة في سوق العمل وحررت الفلاح بإصدار قانون الإصلاح الزراعي وقضت على السيطرة الرأسمالية في مجالات الإنتاج الزراعي والصناعي وأدت إلى انشاء السد العالي 1971م، ومن الإنجازات العربية، توحيد الجهود العربية وحشد الطاقات العربية لصالح حركات التحرر العربية وأكدت للأمة من الخليج إلى المحيط أن قوة العرب في الوحدة العربية وتحكمها أسس أولها تاريخي وثانيها اللغة المشتركة لعقلية، جماعية وثالثها نفسي واجتماعي لوجدان واحد مشترك وأقامت الثورة تجربة عربية في الوحدة بين مصر وسوريا في فبراير 1958 وقامت الثورة بعقد اتفاق ثلاثي بين مصر والسعودية وسوريا ثم انضمام اليمن، في الدفاع عن حق الصومال في تقرير مصيره وساهمت الثورة في استقلال الكويت وقامت الثورة بدعم الثورة العراقية وأصبحت مصر قطب القوة في العالم العربي مما فرض عليها مسئولية والحماية والدفاع، لنفسها ولمن حولها وساعدت مصر اليمن الجنوبي في ثورته ضد المحتل حتى النصر واعلان الجمهورية وساندت الثورة الشعب الليبي في ثورته ضد الاحتلال ودعمت الثورة حركة التحرر في تونس والجزائر، والمغرب حتى الاستقلال ودعمت الشعب العربي في دولة الأحواز المحتلة في نضاله من أجل الحرية والاستقلال ودعمت الثورة والقضية الفلسطينية بقيادة الزعيم الراحل ياسر عرفات؛ وكانت من الإنجازات، العالمية لثورة الضباط الأحرار في 23 يوليو تشكيل حركة عدم الانحياز مع يوغسلافيا بقيادة الزعيم جوزيف بروز تيتو ومع الهند بقيادة جواهر لال نهرو مما جعل لها وزن ودور ملموس ومؤثر على المستوى العالمي ووقعت صفقة الأسلحة الشرقية عام 1955 والتي اعتبرت نقطة تحول كسرت احتكار السلاح العالمي وكان للأزهر الشريف الدور الابرز في نشر الدعوة الإسلامية في أفريقيا وأسيا ودعت الثورة إلى عقد أول مؤتمر لتضامن الشعوب الأفريقية والآسيوية في القاهرة عام 1958م. وحينما كنت أدرس الدكتوراه وكنت جالسًا مع أستاذي بمكتبه بجامعة القاهرة وسأله أحد طلاب الدراسات العليا ماذا فلعت ثورة 23 يوليو، وماذا فعل جمال عبد الناصر؟ فقال له الأستاذ وهو مشرفنا على رسالة الدكتوراه قال: ” سأُل الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله عن ذلك فقال: لقد رأيت الزعيم الراحل جمال عبد الناصر في المنام، والكلام للشيخ الشعراوي رحمه الله:” وكان يقف على يمين عبد الناصر الفلاح والدكتور والطبيب ويمسك بيديه، وكان على يسار جمال عبد الناصر المهندس والطبيب والمزارع ” وحينما سئُل عن تأويل تلك الرؤية، قال: إن جمال عبد الناصر قد جعل الفلاح الذي كان يعمل اجيرًا وعبدًا ولا يجد حذاء يلبسهُ في قدمه بل حافي القدمين في أرض الاقطاعي يعمل – جعل من هذا الفلاح سيدًا ومالكًا للأرض وخرج من صُلبه، المهندس والطبيب والأستاذ والعالم والجراح الخ…. ولقد قُدر لي أن أولد في العام الذي مات فيه الزعيم الخالد جمال عبد الناصر، ومن حب أمي المصرية فيه و كذلك أبي رحمه الله؛ فكان نصيبي أن أكون مواليد أخر العام 1970م وأن يكون إسمي كاملاً ثلاثيًا جمال عبد الناصر، وكان الاسم يزعج اليهود ويضربونني عليه في التحقيق حينما اعتقلت في سجون الاحتلال الصهيوني في الانتفاضة الفلسطينية الأولي عام 1987م، والتي عُرفت باسم انتفاضة الحجارة؛؛؛؛ إن ما سبق هو غيضٌ من فيض في ذكري ال 23 من يوليو والتي تمر ذكراها اليوم على الأمة العربية والإسلامية والتي تعيش في أسوأ ظروف حياتها من نكباتٍ، وويلاتٍ وصراعات وقتلٍ ودمارٍ وتشريد ومحاولات القضاء على ما تبقي من الدول العربية وهدر مقدراتها وخيراتها وبروز جماعات متطرفة وتكفيرية؛ وما زالت المحاولات مستمرة لجعل كل دولة عدة دويلات متناحرة، متصارعة وفرق ومذاهب وطوائف وجماعات؛ متناحرة تقتل بعضها بعضًا ولا يعرف القاتل لما قتل ولا المقتول فيما قتل، ورغم كل هذه الدماء وهذا الربيع الدموي التدميري!!! إلى أن مصر هي مصر وستبقي مصر، الكنانة خالدة شامخة رغم كل حاسدٍ أو حاقدٍ أو مُستغلٍ أو مُستغّلٍ، وستكون الصخرة الصلبة التي تتحطم عليها كل المؤامرات؛ التي تُحاك لمنطقتنا العربية والإسلامية، وستتعافى مصر من أزمتها وستنتصر، على الارهاب والاجرام وستبقي بشعبها وجيشها وقيادتها ورئيسها عصية على الانكسار وستبقي قاهرة المُعز قاهرةً للأعداء في كل مكانٍ وزمان وسيبقي أهلهُا في رباطٍ إلى يوم القيامة، وستبقي مصر قلب فلسطين النابض وروحها الجميلة، والتي لازالت تحتضن القضية الفلسطينية وترعي ملفات الحوار والمصالحة بين الفرقاء الفلسطينيين، عاشت ذكري ثورة 23 يوليو منارةً لكل الأحرار في العالم، وعاشت مصر وتحيا مصر عزيزة عظيمة.

الكاتب الصحفي والباحث المفكر والمحلل السياسي الأستاذ الجامعي غير المتفرغ عضو الاتحاد الدولي للصحافة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق