اقلام حرة

الإنتخابات الامريكية والصراع السياسي / بقلم هدى الجابري

imageلم يتبق الإ ساعات معدودة لنودع سيرك الإنتخابات الأمريكية مع أمنيات بأن لا يعود مطلقا بنفس هذه الطريقة . لقد أثبت نظام الحزبين الأمريكيين فشلهُ الذريع أمام العالم كله، فشل معه النظام الديمقراطي الذي تروج له الأنظمة الرأسمالية في كل مكان. إن المواطن ألامريكي اليوم محاصر بمرشحين أثنين: أحدهم يمثل اليمين المتطرف (دونالد ترامب) والآخر لايقل عنه يمينية متمثلا بـ (هلاري كلنتون). والإنتخابات الأمريكية بالنسبة للمواطن الامريكي ماعادت حول المرشح الذي يمثل مصالحهم أو أن يأتي بالتغيير المنشود وتحسين الظروف الإقتصادية والمعيشية لهم. فبعد الفضائح الكثيرة، المخجلة منها واللاانسانية ، والخالية من أي إحترام لأبسط المثل المتعارف عليها في الحملات الإعلامية والدعاية الإنتخابية من أجل وكسب الأصوات بأي طريقة، فقد أصبح الخيار الديمقراطي بالنسبة للمواطن الأمريكي خيار ينطوي على الكثير من النفاق المعلن بلا خجل، وعلى المواطن أن يختار بين مرشحة مستعدة لشن حرب كبرى من أجل الحفاظ على النظام القائم بكل سلبياته من دون تغيير، وبين مرشح “أبيض” أرعن وفظ ممثلاً عن اليمين المتطرف لم يستطع كسب حتى أصوات العمال والموظفين الذين يعملون في فنادقه ومؤسساته التجارية.

هيلاري كلينتون أو دونالد ترامب: هما وجهان لعملة واحدة، لافرق بينهما على مستوى خدمة النظام القائم واستمراره، بالرغم من تأكيدات الأولى على أنها ستحقق التغيير للمواطن الأمريكي في مجالات: التأمين الصحي وتغيير قوانين الرعاية الإجتماعية أو تحسين المستوى المعيشي للفرد وتقليل مستوى الضرائب. أعتقد أنه في حال فوز أيٍ منهما في الإنتخابات الحالية فأنهما في الحقيقة لا يستطيعان تغيير وتحسين الكثير من حياة ملايين العمال من أصحاب الدخل المحدود أو الموظفين من الطبقة المتوسطة، ولا مساعدة الكثير من الطلبة واالشباب في الحصول على فرص افضل في العمل أو تقليل فوائد قروض الدراسة . أو قروض شراء العقارات وقروض الإئتمان المصرفي (الكردت) لأنهما في النهاية (كلينتون و ترامب) يمثلان مصالح أصحاب رؤوس الأموال وسياسات مالكي البنوك. والإثنان قدما وعودا وتنازلات لأصحاب رؤوس الأموال لتمويل حملاتهم الانتخابية. بعبارة أخرى كلينتون وترامب كلاهما جزء لا ينفصل عن تلك المنظومة الرأسمالية، وهما بعيدان كل البعد عن الطبقات التي تعاني من سوء الأوضاع الإقتصادية والإجتماعية.

والحقيقة كان المرشح الديمقراطي المنافس لكلنتون (برني ساندرس) قد حاول في الكثير من المناسبات أن يدفع كلنتون للكشف عما حصل في اجتماعها مع الأغنياء وأصحاب رؤوس الأموال في بورصة نيويورك ( وول ستريت) ، أو أن تقدم أهم ما دار من النقاط الرئيسية، لكن كلنتون تجنبت الإجابة على هذا السؤال ولم تتطرق اليه ألبته. بل حتى ترامب نفسه لم يسالها عن ذلك ولم يتطرق له في المناظرات التي حصلت بينهما لاحقا.

على المواطن الأمريكي أن يدرك أن ممثلي الحزبين قد قدما وعودا كبيرة ورائعة، لكن في النهاية لن يحققا أي شي منها. كلنا نتذكر الرئيس (بوش) الأب حين أعلن وأمام كل العالم ونقلتها كل الشبكات التلفزيونية والفضائيات قائلاً:

” read my lips, no new taxes”، يعني ( إقراؤا شفتي، لا مزيد من الضرائب). لكن هذا لم يحدث أبداً. في الواقع الضرائب استمرت وتصاعدت، بل إن أول شيىء أقره بعد فوزه هو التأكيد على الضرائب وإبقائها على حالها. والحال نفسه حين فاز الرئيس (أُوباما) إعتقد الكثيرون وخاصة الامريكان من أصل أفريقي أن الكثير من التغيير سيطرأ على حياتهم نحو الأفضل. بل إنهم سيكونوا في مكان أفضل ومستوى معيشي أعلى كونه أفريقي أمريكي. لكن ما حصل في الواقع إن حوادث القتل وعمليات الإستهداف صارت أعلى من أي وقت آخر، خاصة إطلاق النار من الشرطة اودى بحياة عدد غير قليل منهم. بل إن القضاء لم يقف معهم ولم يدان شرطيا قاتلا واحدا. إضافة إلى تعرض الكثير المهاجرين غير الشرعيين إلى أكبر حملة إبعاد وترحيل لم تشهدها أمريكا من قبل.

إن النظر إلى إن (كلنتون وترامب)على إنهما مختلفتين هو ذرٌ للرماد في العيون. فالإثنين يمثلان حزبين نخرهما الفساد والاسترخاء واللامبالات، الاثنان ينتميان الى حزبين يسيران بخطى حثيثة ضد أمال وحاجات الملايين من ألامريكان وبصالح الطبقة المسيطرة وتقوية الاحزاب التي ينتمون اليها ويمثلونها. فضلا عن الدور القذر الذي مارساه ضد الشعوب العربية بشكل خاص منذ زمن طويل، وما زالا يتدخلان في رسم سياسة الشرق الاوسط ودعم حكام رجعيين ودكتاتوريين بكل الطرق وبمختلف الأشكال. لقد تحول هذين الحزبين الهرمين الى اداة تقف بوجه التغيير والتطور نحو افق أكثر ضمانة للانسانية وتوقها لعالم خال من التفرقة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. وهما أبعد عن أحلام وطموحات الشعب الأمريكي قياسا بما تمتلكه الولايات الأمريكية من ثروات وصناعات متقدمة وأبحاث وزراعة ونظام تعليم متطور. لقد آن الوقت للتفكير خارج الزجاجة والخروج عن السرب لإنشاد حياة أفضل وأكثر مساواة في فرص العمل والدراسة والتطور المعيشي للكثير من ذوي الدخل المتوسط والمحدود بشكل يحفظ لهم كرامتهم .

مقالات ذات صلة

إغلاق