الرئيسية

مؤتمر أدباء مصر: رسالة إهمال للوعي والهوية

شاعر الأمة محمد ثابت

مؤتمر أدباء مصر: رسالة إهمال للوعي والهوية
———–
عُقد مؤتمر أدباء مصر هذا الشهر في لحظة ثقافية دقيقة، حيث تواجه الساحة الأدبية تحديات وجودية. لكن الحدث الأكثر دلالة لم يكن في الجلسات النقاشية أو الأوراق المقدمة، بل في المقاعد الفارغة الذي كان من المفترض أن يشغلها السيد رئيس المؤتمر، والسيد وزير الثقافة، هذا الغياب لم يكن مجرد تغيّب عن فعالية، بل كان رسالة واضحة تعيد تأكيد نمط مزمن من الإهمال النخبوي والمؤسسي للأدباء والمثقفين، وعليه فمن الطبيعي أن نجد نفس الإهمال والاستهانة من المستويات الأدنى في السلم الإداري، ممن يتعاملون مع الأدباء، خاصة الذي تحملوا عبء تنشيط وتفعيل الحركة الأدبية خاصة في نوادي الأدب بقصور الثقافة، فأضافوا مسئولية جديدة الى مسئولياتهم الحياتية التي تثقل كاهلهم، ويبدعون رغم ذلك.
تستمر تقاليد التهميش والتجاهل لصنّاع الكلمة في مصر، فمنذ عقود تتعامل الأجهزة الثقافية الرسمية مع الأدباء كـ”زينة” في المناسبات الرسمية، لا كشركاء في صياغة الوجدان الوطني، لذا نجد المختارين والمكرمين على المستويات الرسمية والنخبوية غالبا ما يكونوا من ضعاف الموهبة أو حتى مدعيها، فيما يقبع الموهوبون في غياهب الإحباط، مما صنع هوة سحيقة بين القائمين على المؤسسة الثقافية وبين المبدعين الحقيقيين الذين يعيشون هموم الكتابة والابداع، فبينما كان الأدباء يناقشون قضايا المصير والإبداع والذي هو العمود الفقري للهوية المصرية، كان الغياب يشير إلى أولويات أخرى.
في الماضي السعيد، كانت الدولة المصرية تدرك القيمة الرمزية للمبدعين وتحرص على الحضور الرسمي في مثل هذه المحافل، مما يعطي شرعية ووزناً للحدث وللقائمين عليه، ربما حين كانت الثقافة مسئولية الأدباء والمثقفين، أما اليوم فقد أصبح الحرص على حضور مهرجانات الممثلين والمطربين هو الأولوية الأولى لدى المسئولين حتى عن الثقافة، فلم تعد الثقافة إحدى أولوياتهم، وهذا يزيد من إحساس المبدعين الجادين بأنهم يعملون في فراغ مؤسسي، فلم يعد المثقف والأديب يحتلان المكانة التي كانت لهما في الخمسينيات والستينيات، عندما كان رأيهما مسموعاً ومؤثراً.
وتطرح هذه الحالة عدة أسئلة مصيرية:
• هل تمتلك الدولة المصرية رؤية ثقافية استراتيجية تليق بتاريخها وتراثها، أم أن الشأن الثقافي أصبح مجرد إدارة روتينية لأنشطة وفعاليات؟
• كيف يمكن بناء جسور الثقة بين الأدباء والمؤسسة الرسمية في ظل هذا الإهمال؟ هل يمكن تحقيق شراكة حقيقية؟
• هل يملك الأدباء القدرة على تنظيم أنفسهم في هيئات ومؤسسات مستقلة تدافع عن مصالحهم وتقدم رؤى بديلة؟
مصر الآن في هذه الفترة أحوج ما تكون إلى استعادة دورها الثقافي الإقليمي والعالمي، تحتاج إلى رسائل معاكسة تماماً لما نرى من سطحية وتفاهة، تحتاج إلى حضور دائم، وحوار متواصل، لاختيار المبدعين الحقيقيين الذين يستطيعون استعادة الريادة المصرية، واعتراف بقيمة المبدعين الحقيقيين الذين يحملون عبء الهوية والذاكرة والتاريخ والجمال.
فالمبدع هو من يصنع وعي المجتمع ويحافظ على هويته وليس من يشغل المنصب، هو كل من يكتب قصيدة، يصوغ فكرة، ليخلق عالماً من الكلمات، ربما قد حان الوقت ليدرك الأدباء قوتهم الذاتية، ويبدأوا في صياغة مشروعهم الثقافي المستقل، بعيداً عن انتظار المقعد الفارغ الذي قد يظل فارغاً. فالثقافة في النهاية تصنعها الشعوب.

بقلم

شاعرة النجوم إلهام عفيفي

إغلاق