الرئيسية
كلمة في الوداع… ذاكرة الألم ووفاء الموقف بقلم : المحامي محمد بشير رئيس بلدية سخنين السابق
شاعر الأمة محمد ثابت

كلمة في الوداع… ذاكرة الألم ووفاء الموقف
بقلم : المحامي محمد بشير رئيس بلدية سخنين السابق
التقينا قبل تسع سنوات في بيتنا، لقاءً لم يكن عابرًا في الزمن ولا عاديًا في المعنى. ومنذ ذلك التاريخ، وقبله وبعده، تتراكم في الذاكرة آلامٌ يتلو بعضها بعضًا، حتى يكاد الإنسان يشعر أن الفقدان صار رفيق الدرب، وأن الأمل يُختبر في كل محطة من محطات حياتنا الجماعية.
لقد فقدنا على امتداد هذه السنوات قامات وطنية وثقافية وفكرية شكّلت وجدان هذا الشعب، وأسهمت في صياغة وعيه ومسيرته: توفيق طوبي، إميل حبيبي، توفيق زيّاد، محمود درويش، سميح القاسم، محمد نفّاع، محمد بكري، وغيرهم من الشخصيات الوطنية، ومنهم الراحل جمال طربية. أسماء كبيرة لا يمكن للتاريخ أن يعيدها، لكنها أيضًا أسماء لا يستطيع النسيان أن يطويها، لأنها محفورة في الذاكرة الجماعية، وفي ضمير الناس، وفي تفاصيل الموقف والكلمة والالتزام.
واليوم، نودّع رفيقًا آخر من رفاق الطريق، الرفيق عصام. في مثل هذه اللحظات، تعجز الكلمات عن الإحاطة بحجم الخسارة، ولا يكون تعداد الخصال ضرورة، لأن سيرة الراحل ومواقفه معروفة لكل من عرفه أو التقاه أو سمع باسمه. لكن ما نشعر به نحن، وما نشترك فيه من ألم وحنين وافتقاد، لا يشعر به من يغادرنا؛ فالفقدان امتحان للأحياء، والاشتياق مسؤولية الذاكرة.
نشتاق إليكم، لا كأفراد فقط، بل كمواقف، وكقيم، وكحضور إنساني ووطني منحنا الإحساس بأن الطريق، رغم قسوته، يستحق أن يُكمَل. نشتاق إلى الكلمة الصادقة، وإلى الثبات في زمن التقلّبات، وإلى وضوح الانتماء حين يختلط كل شيء.
إن رحيل الرفيق عصام يضيف وجعًا جديدًا إلى سلسلة الأوجاع، لكنه في الوقت ذاته يحمّلنا مسؤولية أكبر: مسؤولية الوفاء، والحفاظ على المعنى، وعدم السماح للذاكرة أن تضعف أو تخون أصحابها. فالأشخاص يرحلون، أما المواقف الصادقة فتبقى، وتتحوّل إلى بوصلة تهدي الأجيال القادمة.
لروح الرفيق عصام السلام والطمأنينة،
ولزوجته الكريمة، وللعائلة، ولجميع الرفاق والمعارف، أحرّ التعازي،
وطول البقاء،
ولتبقَ الذكرى حيّة، شاهدة على زمنٍ كان فيه للموقف ثمن، وللكلمة شرف.


