الرئيسية

قراءة في بعض نصوص شاعر الأمة محمد ثابت عزالدين

شاعر الأمة محمد ثابت

قراءة في بعض نصوص شاعر الأمة محمد ثابت عزالدين

بقلم / علاء سليمان أحمد

” في البدء كانت الكلمة ”

بالكلمةِ قال تعالى كُن .. فكان ، بالكلمة أرسل وعلم الإنسان ، وبالكلمة تواصل الإنسان مع الإنسان

بالكلمة تواصل الإنسان حتى مع حيواناته الأليفة وبعض الطيور وروّض بها المفترسات

وبالكلمة أمر حاسوبه الذكي أن يعمل ، بالكلمة تعمل حتى آلات الصراف الآلية ، وعن أهمية الكلمة يطول الكلام ..

وفي الكلمة وبالكلمة نسبح ونغوص في أعماق بحور الشعر ، نقتبس من دُرر القصائد البراقة

وما أجمل من أن تكون هذه القصائد لشاعرٍ مرهف , خلوق , ثائر , عطوف .

وشاعرنا اليوم هو الأستاذ الشاعر / محمد ثابت عزالدين مؤسس شعبة شعر الفصحى باتحاد كُتاب مصر ومؤسس نوادي الأدب بإقليم شمال الصعيد وهو غنيٌ عن التعريف في وسطنا الأدبيِ

فقد قرأت له عددا من الدواوين مثل ” امرأة طاغية ” ” عروس القمر ” ” لماذا أنت ” ” لا تخجلي ” وغيرها ، واليوم أسبح في قراءة بعض قصائده منها المكتوب قديما ومنها المكتوب حديثا

من هذه القصائد قصيدة ” ضيَعتَني ”

ففي قصيدة ” ضيَعتَني ” التي وصلت فيها الذات الشاعرة إلى أعلى درجات الرقة والحس المرهف

والنقاء الشعوري أيضاً , ورغم شقاء المحب وإحساسه بالظلم من قبل المحبوبة إلا أنه استخدم عبارات

تحمل معني الحب والرقي أيضاَ في خطابه للمحبوبة فاستخدم عبارات مثل ” يا سيدي ” يا قاتلي

أي سيدي الذي هو قاتلي .. الذي هو سيد هذا القلب فنجد أن العبارة تحمل دلالات عدة تتسم بالهيمنة كما تحمل شيئا يميل إلى بعض القسوة ومن خلال الطرح نجده يصل إلى حد الظلم كما أن هذا النداء أيضاَ هو نداء حميمي يعكس مدى الحب وتعلق الذات بالمحبوب ..

ويا للغرابة عند سماعنا لهذا النداء فنسمع أو نقرأ يا سيدي وكأنه يقول يا حبيبتي ، يا مليكتي ، وأيضا يا قاتلي وكأنه يناديها .. يافاتنتي ..

” ارفع يديك قتلتني ” وهذا التوسل المضمخ برائحتَة البراءةِ والحكمةِ معاً ..

” ضيعتني ” هو نص أقل ما يقال عنه أنه رائع .. نابع من عمق الذات الشاعرة وبرغم كل ما يحمله النص من ألم ومعاناة للذات إلا أننا نجد شاعرنا يتنقل برشاقة من بيت إلى بيت ومن شطر إلى آخر

يرفض ، يعاتب ، يحتج ، بأسلوب شعري رفيع المستوي وبصور شعرية رائعة دونما أي تعقيد دلالي وهذه السمة هي سمة السهل الممتنع .

إلى أن يصل لنهاية النص بصورة هي في غاية الرومانسية والتفاني في الحب ” قدري أموت على يديك فضمني ..

” ضيِّعتَني ”

ضيِّعت قلبي مثلما

ضيِعتَني

وكفرت بالعهد الذي

أعطيتني

يا سيِّدي

يا شانقي

والدمع يملئ مقلتي

ارفع يديك قتلتني

ذُبِح الفؤاد بداخلي

وتناثرت أشلاؤه

ماذا جنيت فخنتني

ضَيِّعتني

وأخذت من كفي الصغيرة

كل شيء يا حبيبي بعتني

وتركتني

ما بين شكي واحتضاري

أصطلي ما أصطلي

وتركتني

وحرمتني حق الحفاظ

على هواك

بداخلي كي لا يضيع

حرمتني

وشققت صدري في الخلاء بخفةٍ

وزعمت أنك مسكني

جرحتني

أشقيتني

لملم جراحك من دمي

فالحب صار مضيعي

أشقيتني

ماذا جنيت

ظلمتني

ما كان قصدي

أن أضيع على يديك

ظلمتني

قدري وفائي في هواك ومقتلي

قدري أموت على يديك ..

فضمني ..

وفور خروجي من قصيدة ” ضيَّعتَني ” ودخولي إلى قصيدة ” عن السودان لا تسأل ” لأكتشف أن الشاعر رغم أطروحاته الذاتية والعاطفية ورقة وعذوبة كلماته ورغم المعاناة ورغم الألم ، إلا أنه لم ينشغل عن الحس الوطني أو لم يشغله حب الأنثى عن حب الوطن ، فنراه مهتما بوجع أو أوجاع الوطن وليس وجع الحبيبة الأنثى فحسب ..

نراه أيضاً متابعاً جيداً للأحداث التي تحدث في بلدان العالم العربي من حولنا .

وذروة الأحداث بالأمس القريب بالسودان الشقيق

” عن السودان لا تسأل ”

هنا السودان . لا تسأل

لا تسأل عن الأمة ..

هنا المغدورُ والمصلوب والمقتول في

دمه ..

هنا ( دقلو )

يُبيد الناس قاطبةً

بلا دينٍ بلا شرفٍ

هنا ( لولو )

ولحم الناس في فمهِ

ومن في الكون غير الله نسأله

عن وطنٍ

يغوصُ اليوم في همَ

هنا وطني

يموت بكل زاويةٍ

هنا شيخٌ

هنا طفلُ

هنا أمة ..

في براعة استهلال استهل الشاعر النص بهذا البيت ” هنا السودان . لا تسأل ” أي كل ما نراه على شاشات التلفاز من أحداث في السودان من قتل وتعذيب وإبادة جماعية ودمار هو في السودان فلا تستغرب..

ولسان حال الشاعر يقول : أعرف أنك ستصاب بالدهشة والاستغراب يا كل من تشاهد ما يحدث في هذا البلد الذي كان ينعم بالأمن والسلام والسهول والوديان والغابات ، بالماء والخضرة ، بمناظر الطبيعة الخلابة ، بالوجوه السمراء والقلوب البيضاء ..

هنا ” دقلو ” ( الطاغية )

هنا المغدور والمصلوب والمقتول

في دمه

هنا “لولو” ( السفاح )

وعن النص في إيجاز حتى لا أطيل فقد لخص الكثير .. فقد اكتفى الشاعر بعرض الصور والمقاطع التي نراها من خلال نشرات الأخبار والمواقع الإخبارية لما يحدث في السودان ولكن بأسلوب التأكيد ليدع لنا

قراءة المسكوت عنه في النص ..

والمسكوت عنه كثير ويطرح أسئلةً عدة .. منها على سبيل المثال : لمن المصلحة في ما يحدث في السودان ؟

هل هي دولة بعينها أم عدة دول ؟ هل هي صراعات قبلية أو طائفية أم عرقية ؟ مَنْ يمول مَنْ ؟ ،

تكمن قيمة النص الجيد في أنه لا يجعلك تستقبل كل ما يريد الشاعر قوله دفعة واحدة من خلال نص مباشر طويل ، بل بنص مكثف يدفعك للتفكير والبحث أيضا .

ومن هذه القصيدة ننتقل لقصيدة أخري بعنوان ” ومرّ الشّك ” ويمر الشاعر/ محمد ثابت بنفس الخفة والرشاقة وأسلوبه الذي يجعلك تألف القصيدة وتعايشها وتعيش معها

ولَمَّا كانَ حُبُّكَ سرْمديَّا

هتفتُ بهِ وأسْمعتُ الثُّريَّا

وأخْبرتُ النّجومَ بأنَّ قلْبي

يُعَانِدني ولا يصْبو إليَّا

كأنِّي فاسقٌ يهوى المعاصِي

وكنتُ أريدُ أن أبقى ولِيَّا

وجاءَ الشَّوقُ يمحو خطَّ عمْري

يُدمرُنِي ولا يحْنو عَلَيَّا

ومرَّ الشَّكُ في مجْرى هوانَا

يُحَرِّقُ ما لديكَ وما لَديَّا

على قَدرِ الوفاءِ يكونُ لَوْمي

فَهَاتِ الرَّدَّ والأعْذَارَ هَيَّا

فَمِنِّي الصِّدْقُ والْحُبُّ المُصَفَّى

ومِنْكَ الغَدرُ كَي نَشْقى سَويَّا

فتهْجُرنِي البِحورُ مع القوافِني

ونَطْوي صفْحةَ العُشَّاقِ طَيَّا

ولأن النص الشعري بطبيعته هو انعكاس لحالة الشاعر أو الذات الشاعرة كأنه مرآة تعكس ما بداخل الشاعر لنقرأ وكأننا نشاهد ما يدور بداخل هذه الذات الشاعرة من تصاعد الأحداث والصراع العاطفي من خلال الصور المتلاحقة التي ينتجها النص الشعري

( ولَمَّا كانَ حُبُّكَ سرْمديَّا ) .. كعادة الشاعر محمد ثابت في براعة الاستهلال يخبر محبوبته ويخبرنا بما كان من حبِ دائم التوهج حبا أبدي

( هتفتُ بهِ وأسْمعتُ الثُّريَّا ) .. مشهد .

( وأخْبرتُ النّجومَ بأنَّ قلْبي يُعَانِدني ولا يصْبو إليَّا ) .. مشهد أخر

( كأنِّي فاسقٌ يهوى المعاصِي وكنتُ أريدُ أن أبقى ولِيَّا ) .. احترافية تصوير الحالة

( وجاءَ الشَّوقُ يمحو خطَّ عمْري يُدمرُنِي ولا يحْنو عَلَيَّا ) ويستمر الشاعر في تصوير وتسجيل كل الطوارئ التي تطرأ على هذه الحالة الشعورية

( ومرَّ الشَّكُ في مجْرى هوانَا يُحَرِّقُ ما لديكَ وما لَديَّا ) براعة في تصويرمشهدية الحالة وما فعله الشك من دمار عاطفي وحرق أشياء بالطبع هي وردية في الأصل

( على قَدرِ الوفاءِ يكونُ لَوْمي ) شطرة هى تبدو وكأنها اعتيادية لكنها ليست هكذا .

إنها تكشف وتبرر لنا سبب كل هذه الصور والمشاهد المتلاحقة

)فَهَاتِ الرَّدَّ والأعْذَارَ هَيَّا

فَمِنِّي الصِّدْقُ والْحُبُّ المُصَفَّى

ومِنْكَ الغَدرُ كَي نَشْقى سَويَّا ) تصوير حالة اليأس التي وصلت لها الذات الشاعرة ببراعة أيضا

( فتهْجُرنِي البِحورُ مع القوافِني

ونَطْوي صفْحةَ العُشَّاقِ طَيَّا ) يختم الشاعر قصيدته أيضا بمشهد ختامي بحت ليترك لنا إعمال العقل والتفكير ومشاركته في الحالة الشعرية والشعورية ..

ومن هذه القصيدة انتقل لقصيدةٍ أخرى بعنوان ” العطرُ الجميل ”

القصيدة

يستهل شاعرنا قصيدته كما عودنا ببراعة استهلال

(مَازلتُ في عَينَيك ِ أستبقُ المنى

والسحر والنور الذي ملئ الدُنا

والهمس من شفتيك

والحب الأصيل …… وبحس غنائي أيضا يطربنا بغنائية النص ، ولربما اختار بحراً من بحور الشعر الصافية ذو التفعيلة الواحدة وهو بحر الكامل ولربما اختارته القصيدة نفسها

 

أو فرضته لينتج نصاَ بطبيعتهِ غنائيا أو بطبيعة بحر الكامل .

 

ناهيك عن حرفية الكتابة

 

(( أنا ما عرفتك كي أصوغ

 

قصائدي

 

أو أكتب الحرف الأخير

 

أنا شاعرٌ لا يستطيع الشعر

 

قهري !!..

 

والقوافي والهوى لا ..

 

يستحيل !! ))

 

تعددت أساليب الطرح الشعري في هذه المجموعة من القصائد الذي صاغها الشاعر بذكاء وبوعي ينبع من خبرتهِ

في الكتابة وموهبته المتفردة ، مما جعل الحديث عن قصائدهِ يطول لكني أثرت أن أوجز في حديثي عن شاعرنا وعن قصائدهِ حتى لا أطيل واكتفيت بما قل ودل ولكن في الحقيقة نحن أمام شاعر يطول الحديث عنه فتحياتي للشاعر الصديق الخلوق الأستاذ محمد ثابت عز الدين شاعر الأمة

إغلاق