نشاطات
العرقوب… حين تحترق العودة قبل الوصول نصّ إنساني عن فاجعة طريق العرقوب – اليمن
بقلم: الدكتورة فاطمة أبوواصل إغبارية
في طريقٍ جبليٍّ ملتفٍّ بين السحاب والهاوية، وعلى منعطفٍ يحمل اسمًا صار يُرعب القلوب: نقيل العرقوب، حدث ما لم يكن في الحسبان.
حافلةٌ تقلّ اثنين وأربعين راكبًا عائدين من غربتهم الطويلة، محمّلين بالشوق، بالهدايا الصغيرة، وبخطاباتٍ ممهورةٍ بدموع الفرح، توقّفت رحلتهم على باب الوطن… لكن النار كانت أسرع من الحلم.
فاجعة تتجاوز الحادث
لم يكن ما جرى مجرّد تصادمٍ عابر.
كان وجعًا يختصر الغربة، والحنين، والفقد، في مشهدٍ واحدٍ من لهبٍ ودخانٍ وصمتٍ ثقيل.
تصادمت الحافلة بسيارة صغيرة في منعطفٍ حاد، فانفجرت النيران لتبتلع المركبتين معًا، وتُغلق باب النجاة على الركاب.
ألسنة اللهب ارتفعت في سماء العرقوب، وأصوات الاستغاثة اختنقت تحت الرماد، فيما ظلت فرق الإنقاذ تحاول الوصول عبر طريقٍ وعرٍ طالما حصد الأرواح.
الوجوه التي كانت تبتسم قبل دقائق
أمهات علّقن قلوبهن على الطريق، ينتظرن أبناءً غابوا أعوامًا في الغربة.
آباء جلسوا عند الأبواب يتهيّأون لاستقبال الفرح، فاستقبلوا الفاجعة.
كانت الوجوه المرهقة بالعمل والاغتراب تستعد للطمأنينة، لكنّ القدر كتب نهايةً لم يقرأها أحد في النصّ.
الطريق الذي يأكل أبناءه
طريق العرقوب ليس جديدًا على الموت.
هو طريق جبليٌّ ضيّق ومتعرّج، افتقد الصيانة والإنارة والحماية منذ سنوات.
ورغم نداءات الأهالي، لا تزال الحوادث تتكرر فيه، ليصبح شاهدًا على الإهمال أكثر من كونه شاهدًا على السفر.
صرخة لا يجب أن تُنسى
هذه الفاجعة تضعنا جميعًا أمام سؤالٍ مؤلم:
كم من الأرواح يجب أن تُزهق قبل أن تتحرّك الجهات المسؤولة؟
وكم من الحافلات يجب أن تحترق، لندرك أن الطريق ليس مجرّد إسفلت، بل وعدٌ بالحياة يجب أن يُصان؟
حتى لا تتكرر المأساة
– إعادة تأهيل طريق العرقوب وتزويده بالحواجز، والإنارة، ومخارج الطوارئ.
– إنشاء نقطة إسعاف ودفاع مدني ثابتة في المنطقة الجبلية.
– فرض فحص دوري صارم على الحافلات العاملة بين المدن.
– إطلاق حملة وطنية للتوعية بالسلامة المرورية.
– تعويض أسر الضحايا وضمان حقوقهم المادية والإنسانية.
– محاسبة المقصّرين في البنية التحتية والإدارة المرورية.
ختامًا…
رحم الله من رحلوا، وشفى الله من نجا، وحفظ الله كل مغتربٍ يحلم بالعودة إلى وطنه سالمًا.
ولْيكن حادث العرقوب نداءً لا يُنسى، يُذكّرنا أن العودة حلمٌ لا يجوز أن يُطفئه الإهمال،
وأنّ الغربة مهما طالت، لا تستحق أن تنتهي على حافة طريقٍ مظلمٍ بين الجبال.
بقلم الدكتورة فاطمة أبوواصل إغبارية
كاتبة وباحثة أكاديمية، ومؤلفة أعمال أدبية وإنسانية توثّق الذاكرة والوجع العربي المعاصر.

