الرئيسيةشعر وشعراء

موجٌ ونار: بين الانكسار والكبرياء في مواجهة الحب ٠ لشاعر الأمة محمد ثابت ٠ ( بقلم / خالد المويهان ٠ الكويت ) ( مدير مركز الشعر الاعلامي )

في قصيدته “موجٌ ونار”، يعيدنا محمد ثابت إلى المساحات الحارقة للحب، تلك التي لا تعرف التوازن، وتُفضي إما إلى الاحتراق أو الغرق. عنوان القصيدة وحده كافٍ ليُعلن عن التوتر الداخلي الذي يحكم ثنائية النص: “الموج” الذي يرمز للتقلب واللاإستقرار، و**“النار”** التي تحيل إلى الاحتراق العاطفي والاحتدام النفسي. إنها قصيدة تنطق من عمق جرح رجلٍ أحب، فانكسر، ثم نهض بكبريائه كمن يتحدى ذاته والآخر.

رفض الحب: البداية التي تكسر التوقعات

القصيدة تبدأ بجملة صادمة:

“لا تقبلي حبي!! ولا تبكي عليّ!!”

هنا يُباغتنا الشاعر برفضه للمألوف. لا توسّل، لا شوق، لا استجداء. بل رفضٌ قاطع ومؤلم للحب ذاته. ويُتبع ذلك باعتراف صريح:

“أنا لم أعد لكِ ذلك الرجل التقي!”

بهذا الاعتراف، ينهار النموذج التقليدي للعاشق الذي يظل وفيًا مهما قست الظروف. نحن أمام رجل متحوّل، لم يعد كما كان، ربما بسبب خيانة، أو خذلان، أو حتى تحوّل داخلي أفضى به إلى التمرد على صورة “العاشق الطاهر”.

استدعاء الماضي:

رغم هذا الرفض المبدئي، يعود الشاعر سريعًا إلى تذكّر ما كان:

“فيما مضى… كان الفضا… يدري حقيقة ما أريد”
“والناس تدري… أن أشواقي تزيد”

يتكشّف هنا عمق الجرح، وأن الكبرياء ليس إلا قشرة تخفي قلبًا كان ينبض عشقًا وصدقًا. والمفارقة أن الحبيبة اختارت غيره، رغم صدقه، لتتركه وحيدًا على “برّ الهوى”، حيث لا شاطئ ولا مأوى.

الوجع في صور شعرية قوية:

من أبرز ما يميز القصيدة هو الصورة الشعرية المكثفة والعنيفة:

“والموج يأكل من صباي، والنار تسري في دماي”

إنها استعارات قوية تعبّر عن الغليان الداخلي. الشاعر لا يصف فقط شعوره، بل يجعله محسوسًا، ملموسًا، قابلًا للرؤية والسماع. هذا النوع من التصوير يُقرّب القارئ من الألم، ويجعله يعيشه مع الشاعر.

نقطة التحول: الكبرياء بعد الانكسار:

ثم تأتي المفاجأة:

“فبكيت حتى لا بكاء…”
“فملأت نفسي كبرياء…”

هنا ننتقل من مرحلة الألم إلى التمرد. الشاعر، بعد أن بلغ قاع الانكسار، قرر أن ينتشل نفسه منه، لا عن طريق النسيان، بل عبر الاعتزاز بالذات. الكبرياء هنا ليس عُنجهية، بل آلية دفاع ضد الانهيار الكامل.

الاستقلال العاطفي:

في أواخر القصيدة، تتصاعد نبرة القوة والحرية:

“فالعشق من دون ارتواء، والعيش من دون اشتهاء”

تصريحات تؤكد أن الحب لم يعد مغريًا، وأن الحرمان المتكرر قتل الشغف ذاته. وربما أهم بيت في هذا التحول هو:

“إن تقبلي حبي… وإن لا تقبلي، فرضاكِ لا يُرضي غروري”

إنه إعلان صريح بالاستقلال العاطفي. لم يعد رضا الحبيبة هو المبتغى، بل باتت الكرامة فوق كل شيء.

الخاتمة: قطيعة نهائية مع الحب والحياة

“إني مللتكِ والحياة…”

الختام مأساوي لكنه واعٍ. الشاعر لا يعلن فقط خروجه من علاقة، بل من حالة شعورية كاملة. الملل هنا وجودي، لا عاطفي فقط، وكأن الحب ذاته فقد مبرراته.

خاتمة المقال:

“موجٌ ونار” ليست مجرد قصيدة حب فاشل، بل قصيدة ولادة جديدة لرجلٍ من رماد الخذلان. هي قصيدة تقول: الحب إن لم يُبادَل بصدق، يصبح نارًا تحرق وموجًا يغرق.

شاعر الأمة محمد ثابت، في هذه القصيدة، يقدم نصًا ثريًا لغويًا وعاطفيًا، يزاوج فيه بين الجمال الجارح والصدق الصارخ، ليؤكد مجددًا أن الشعر ليس ترفًا لغويًا، بل صرخة روح تمرّدت على كل شيء… حتى على الحب

( بقلم / خالد المويهان ٠ الكويت )
( مدير مركز الشعر الاعلامي )

——
مَـوْجٌ وَنـَار !! قصيدة لشاعر الأمة
مُحَمَّد ثـَابِت
———————
مَـوْجٌ وَنـَار !!
لاَ تـَقْـبَلِي حُـبِّـي !!
وَلاَ تـَبْكِي عَلَـىَّ !!
أَنـَا لَـمْ أَعُـد
لَـكِ ذَلِـكَ الـرَّجُـلَ الـتَّقِـيّ !!
فِيمَـا مَضَـى …:
كَـانَ الفَـضَـا …:
يـَدْرِي حَـقِيقَـةَ مَـا أُرِيـدْ !!
وَالـنَّـاسُ تـَدْرِي …:
أَنَّ أَشْـوَاقِـي تـَزِيـدْ !!
وَأَنـَا …:عَلَى بـَرِّ الهَـوَى
أَهْـوَاكِ لاَ شَـيْـئٌَ جَـدِيـدْ !!
وَرَضِيتِ أَنـْتِ بِمَـا سِـوَاىْ !!
وَالمَـوْجُ يـَأْكُـلُ مِـن صِـبَـاىْ !!
وَالـنَّـارُ تـَسْـرِي فِي دِمَـاىْ !!
وَالـقَلْبُ يـَنْـزِفُ وَالـوَرِيـدْ !!
وَرِضَـاكِ أَوَّلُ مَـا أُرِيـدْ !!
فـَبَـكَـيْتُ حَـتَّى لاَ بـُكَـاءْ !!
وَسَمِعْتُ أَنـَّاتِ الإِبـَاءْ !!
فَـمَـلأْتُ نـَفْسِـي كِـبْـرِيـَاءْ !!
وَمَضَـيْتُ أَفـْعَـلُ مَـا أَشَـاءْ !!
فـَالعَـيْشُ مِـن دُونِ اشْـتِهَـاءْ !!
وَالعِـشْـقُ مِـن دُونِ ارْتـِوَاءْ !!
وَالـيَـوْمُ لِيْ …؛وَغَـدٌ عَلَىّ !!
إِن تـَقْـبَلِي حُـبِّي …؛
وَإِن لاَ تـَقْبَلِي
فـَرِضَـاكِ لاَ يـُرْضِـي غُــرُورِي !!
إِن فـَاجَـأَتـْكِ حِـكَـايـَاتِـي
فـَأَنـَا هَشِـيـمٌ مِـن جُـذُورِي !!
أَنـَا لَسْـتُ أَرْجُـو مِـنْـكِ طَـوْقـَاً
لِلنَّـجَـاةْ !!
إِنـِّي مَـلَـلْـتُكِ وَالحَـيَـاةْ !!
إِنـِّي مَـلَـلْـتُكِ وَالحَـيَـاةْ !!
————
قصيدة لشاعر الأمة
محمد ثابت
مؤسس شعبة شعر الفصحى باتحاد كتاب مصر
مؤسس نادي أدب قصر ثقافة البدرشين
مؤسس نادي أدب منف بالعجوزة

إغلاق