الرئيسيةشعر وشعراء
قصيدة “سأعتزل”لشاعر الأمة محمد ثابت: اعتزالٌ للحب أم ثورةٌ على الخيانة؟( بقلم الشاعر والإعلامي : خالد المويهان ) ( مدير مركز الشعر الإعلامي )
في قصيدته “سأعتزل”، يُعلن الشاعر محمد ثابت—مؤسس شعبة شعر الفصحى باتحاد كتاب مصر—انسحابه الصريح من ميدان الحب، ولكن ليس لأنه عجز عن العطاء أو ضل الطريق، بل لأنه اصطدم بالخيانة، وانكشفت له ملامح الزيف الذي طالما اختبأ تحت ستار العاطفة.
موسيقى الحزن والثورة
يفتتح الشاعر نصَّه ببيت شديد الإيلام والوضوح:
“إلّا الغرامُ فجرحُهُ لا يندمِلْ
نادي عليّ فلن أجيبَ سأعتزِلْ”
هنا نسمع صوت القلب المجروح وقد قرر أن يقطع الحبال مع ماضٍ كان، ويبدأ رحلة الانفصال لا عن الحبيب فقط، بل عن الهوى ذاته. فالشاعر لا يعتزل علاقة، بل يعتزل العاطفة ككل. هذا موقف وجوديّ أكثر منه عاطفي، يحمل روحًا مأساوية تنبع من خيبة الحب، ولكنها تتحول إلى قرار واعٍ، لا بكاء فيه ولا تردد.
من الاستغاثة إلى الاشمئزاز
يتدرج الخطاب من محاولة للهروب من الحب سابقًا، إلى الاشمئزاز الكامل من الخيانة:
“قد عشتُ عمري أستجيرُ من الهوى
واليومَ بغضي للخيانةِ يكتملْ”
هذا التصعيد يُظهِر كيف أن التجربة لم تكن مجرد قصة عابرة، بل محطة تحوُّل نفسية وفكرية في حياة الشاعر. الخيانة هنا ليست فعلًا عابرًا، بل خيانة “وجودية”، تهدم صرحًا بُني على الثقة والمشاعر.
قطع كامل مع الماضي
“علِّي النداءَ فما لصوتكِ سامعٌ
مات الحنينُ فقد تلاشى أو قُتِلْ”
موت الحنين ليس بالأمر الهيّن. الحنين في الأدب العربي غالبًا ما يكون الحبل الأخير الذي يربط القلب بالماضي. حين يُعلَن موته—ويُقال “قُتِل”—فنحن أمام انفصال نهائيّ، لا رجعة فيه. الحبيب لا يعود معشوقًا، بل يتحوّل إلى رمزٍ للخذلان.
دين الرذيلة وهيئة الأفعى
الخطاب يشتد قسوةً في الأبيات التالية، حين يصوّر الشاعر الحبيبة لا كامرأة فقط، بل ككائنٍ خبيث:
“الحيّةُ الرقطاءُ أنتِ فحيحُها
من ذا يرى الموتَ البطيءَ ويحتملْ
سمُّ الأفاعي في شفاهكِ لم يزلْ
يبني مصائدَ؛ مَنْ سيدنو يشتعلْ”
هذه الصور البلاغية تعكس تحوّلاً جذريًا في رؤية الشاعر للأنثى المعنية—من محبوبة إلى أفعى، من مصدر للدفء إلى مكمنٍ للخطر. نلاحظ كيف يستخدم الشاعر ثنائية الحياة/الموت، فالحبيبة صارت تجسيدًا للموت البطيء، و”السمّ” ليس فقط في الأقوال، بل في “الشفاه”، حيث يفترض أن يكون موضع الحنان والقبل.
كرامة الحب وحدوده
“أفعالُكِ السَّوداءُ تهدمُ معبدي
والحبُّ إن فقدَ الكرامةَ يرتحلْ”
يصل النص هنا إلى ذروة فلسفية، حيث يُقدَّم الحب بوصفه معبدًا مقدسًا، لا يقبل التدنيس. فإن لم تصنه الكرامة، فلا مكان له. هذا البيت يعكس رؤية الشاعر الأخلاقية للحب، حيث لا قيمة لأي علاقة دون احترامٍ متبادل.
⸻
خاتمة:
“سأعتزل” ليست فقط قصيدة عن الحزن أو الهجر، بل هي بيان شعري حادّ، يتحدث فيه محمد ثابت بلسان رجلٍ انكشفت له حقائق القلوب، فاختار أن يستقيل من الحب حفاظًا على كرامته. القصيدة لا تذرف دموع الهجر، بل تُشهر سيف الوعي، وتُعلن الثورة على الخيانة، وتنصب الكرامة قاضيًا أعلى للحب.
بهذه الروح، يكتب شاعر الأمة نصًّا يُزاوج فيه بين الصدق العاطفي والبلاغة الشعرية، ليقدّم لنا قطعة من الأدب الذي يُقرأ لا فقط بالعقل أو القلب، بل بالوجدان كله
——
( بقلم الشاعر والإعلامي : خالد المويهان )
( مدير مركز الشعر الإعلامي )
——-
قصيدة سأعتزل٠ لشاعر الأمة محمد ثابت
—-
إلَّا الغرامُ فجرحُهُ لا يندمِلْ
نادي عليَّ فلن أجيبَ سأعتزِلْ
قد عشتُ عمري أستجيرُ من الهوى
واليومَ بغضي للخيانةِ يكتمِلْ
علِّي النداءَ فما لصوتكِ سامعٌ
مات الحنينُ فقد تلاشى أو قُتِلْ
عِيشي عَلَى دينِ الرذيلةِ وانعمي
قسماً بربِّي إنَّنِي لنْ أمْتثِلْ
الحيّةُ الرقطاءُ أنتِ فحِيحُهُا
من ذا يرى الموتَ البطيءَ ويحتمِلْ
سمُّ الأفاعي في شفاهكِ لم يزلْ
يبني مصائدَ ؛ مَنْ سيدنو يشتعِل
أفعالُكِ السَّوداءُ تهدمُ معبدي
والحبُّ إن فقدَ الكرامةَ يرتحِلْ
——-
قصيدة لشاعر الأمة
محمد ثابت
مؤسس شعبة شعر الفصحى باتحاد كتاب مصر
مؤسس نادي أدب قصر ثقافة البدرشين
مؤسس نادي أدب منف بالعجوزة

