مكتبة الأدب العربي و العالمي

الْعَجُوزْ قِصَّةٌ قَصِيرةْ

بقلم أ د / محسن عبد المعطي محمد عبد ربه.. شاعر وناقد وروائي مصري

” يَا عَجُوزُ يَا مَدْرَسَةُ , كُـلـُّكَ فَنٌّ وَهَـنْدَسَةٌ ” هَكَذَا كَانَ يُغَنِّي الْعَمُّ شِنْدِي , وَقَالَ لِي : الْعَجُوزُ كَانَ يَشْرَبُ الشَّايَ بِطَرِيقَةِ مُعَلِّمِينَ , يَـنْظُرُ إِلَى كُوبِ الشَّايِ بَعْدَ كُلَّ جَرْعَةٍ فَقُلْتُ لَهُ : “أَنْتَ سَـتَظَلُّ تَشْرَبُ كُوبَ الشَّايِ هَكَذَا وَتَـتَـأَمَّلُ فِيهِ؟!” الْعَجُوزُ هَذَا لَقَبٌ لَهُ وَلَيْسَ اسْماً , سَـأَلَنِي أَحَدُ الْأَطْفَالِ الْأَذْكِيَاءِ : مَا اسْمُ الْعَجُوزِ الْحَقِيقِي يَا عَمُّو ؟ قُلْتُ لَهُ : اسْمُهُ مُحَمَّدٌ , قَالَ الطِّفْلُ نُورُ : وَمَا حِكَايَةُ الْعَجُوزِ يَا عَمُّو ؟ قُلْتُ لَهُ الْعَجُوزُ هَذَا يَا نُورُ يَا وَلَدِي لَقَبٌ لَقَّبـُوهُ بِهِ , وَمَنْ لَقَّـبَهُ بِهَذَا اللَّقَبِ يَا عَمُّو ؟! لَقَّـبَهُ بِهَذَا اللَّقَبِ أَبُوهُ , وَلِمَاذَا لَقَّـبَهُ بِهَذَا اللَّقَبِ ؟! لِأَنَّهُ رِيَاضِيٌّ وَذَكِيٌّ جِدًّا , وَقَالَ الطِّفْلُ رَاضِي : اِحْكِ لَـنَا يَا عَمُّو حِكَايَةً مِنْ حِكَايَاتِ الْعَجُوزِ, ضَحِكَ الْعَمُّ وَقَالَ: كَانَ الْعَجُوزُ أَيَّامَ طُفُولَتِهِ يَطْـلُبُ مِنَ الْحَلاَّقِ أَنْ يَحْلِقَ لَهُ شَعْرَهُ بِالْمُوسِ , وَقَالَ حُسَامُ مُـتَعَجِّباً : وَهَلْ هُـنَاكَ إِنْسَانٌ فِي الدُّنْـيَا الَّتِي ارْتَوَتْ بِالنِّيلِ يَحْلِقُ شَعْرَهُ بِالْمُوسِ يَا عَمُّو ؟! قَالَ الْعَمُّ رِيَاضٌ: عَجَائِبُ الدُّنْـيَا كَثِيرَةٌ يَا حُسَامُ وَلِلَّهِ فِي خَـلْقِهِ شُـئُونٌ , وَإِذَا عُرِفَ السَّـبَبُ بَطُلَ الْعَجَبُ , قَالَ رَشْوَانُ : مَاذَا تَقْصِدُ يَا عَمُّو رِيَاضُ ؟! ابْـتَـسَمَ الْعَمُّ وَقَالَ: هُـنَاكَ أُنَاسٌ يَا بُـنَيَّ الْعَزِيزَ ـ يَحْلِقُونَ لِأَنَّهُمْ مَرْضَى, وَرُبَّمَا يَكْشِفُ اللَّهُ كَرْبَهُمْ وَيصِحُّونَ ,أَيْ تَعُودُ إِلَيْهِمْ صِحَّـتُهُمْ بَعْدَ الْحِلاَقَةِ , وَهُـنَاكَ أُنَاسٌ يُحِسُّونَ الْإِرْهَاقَ وَالتَّعَبَ وَالصُّدَاعَ ,وَخَاصَّةً فِي الْأَمَاكِنِ الْمُـتْرِبَةِ الْمَلِيئَةِ بِالْعَواصِفِ, رُبَّمَا يُحِسُّ هَؤُلاَءِ النَّاسُ ( بِالْفَوَقَانِ ) بَعْدَ الْحِلاَقَةِ وَهُنَاكَ أُنَاسٌ تَعَوَّدُوا عَلَى ذَلِكَ , قَالَ حَمْدِي : هَلْ رَأَيْتَ يَا عَمُّو رِيَاضُ أُنَاساً يَحْلِقُونَ رُؤُوسَهُمْ عَلَى ( الزِّيرُو )؟ قَالَ الْعَمُّ رِيَاضٌ: نَعَمْ يَا بُـنَيَّ , كُنْتُ فِي أُوغَـنْدَا وَهِيَ دَوْلَةٌ إِفْرِيقِيَّةٌ شَقِيقَةٌ مِنْ دُوَلِ حَوْضِ النِّيلِ وَكَانَ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ يَذْهَـبُونَ إِلَى مَحَلِّ الْحِلاَقَةِ , رِجَالاً وَنِسَاءً وَأَوْلاَداً وَبَـنَاتاً وَيَحْلِقُونَ رُؤُوسَهُمْ عَـلَى ( الزِّيرُو ) وَلاَ يَجِدُونَ فِي ذَلكَ حَرَجاً عَلَى الْإِطْلاَقِ, قَالَ فُؤَادُ : مِنْ فَضْلِكَ يَا عَمُّو رِيَاضٌ أَخْبِرْنِي , كَـيْفَ يَحْلِقُ الْحَلاَّقُ الشَّعْرَ بِالْمُوسِ ؟! قَالَ الْعَمُّ رِيَاضٌ: يَا بُـنَيَّ الْحَلاَّقُ يُنَفِّذُ ذَلِكَ عَلَى مَرْحَـلَـتَـيْنِ , اَلْمَرْحَـلَةُ الْأُولَى: يَحْلِقُ الشَّعْرَ بِمَاكِينَةِ الْحِلاَقَةِ , وَالْمَرْحَـلَةُ الثَّانِيَةُ : يَضَعُ الْحَلاَّقُ مَعْجُونَ الْحِلاَقَةِ عَـلَى فَرْوَةِ الرَّأْسِ وَيُرَغِّيهِ تَمَاماً كَحِلاَقَةِ الذَّقْنِ , ثُمَّ يَحْلِقُهُ بِالْمُوسِ, قَالَ سَمِيرُ: مِن فَضْلِكَ يَا عَمُّو رِيَاضُ ,سُؤَالٌ أَخِيرٌ قَالَ الْعَمُّ : تَفَضَّلْ يَا بُـنَيَّ , قَالَ سَمِيرُ :هَلِ الْأَلْقَابُ مَسْـأَلَةٌ جَـيِّدَةٌ فِي الشَّرِيعَةِ الْإِسْلاَمِيَّةِ ؟ قَالَ الْعَم رِيَاضٌ : الْأَلْقَابْ الْـقَـبـِيحَـةُ لَـيْسَتْ مَطْـلُوبَةً يَا سَمِيرُ , وَقَدْ نَهَانَا اللَّهُ ـ عَـزَّ وَجَلَّ ـ عَنْ أَنْ يُـنَادِى أَحَدُنَا الْآخَرَ بِلَقَبٍ يَكْرَهُـهُ , قَالَ تَقِيُّ الدِّينِ: مِنْ فَضْلِكَ يَا عَمُّو رِيَاضُ اذْكُرْ لَنَا نَصَّ الْآيَةِ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى ذَلِك , قَالَ الْعَمُّ رِيَاضُ : (هَايِلٌ) يَا تَقِيُّ, هَـيَّا نَـتْـلُو الْآيَةَ الْمَلِيئَةَ بِالْآدَابِ الْإِسْلاَمِيَّةِ الْمُـتَـنَوِّعَةِ, قَالَ تَعَالَى : ( وَلاَ تَـنَابَـزُوا بِالْأَلْقَابِ )11 سُورَةُ الْحُجُرَاتِ ، قَالَ شَرِيفُ : وَإِذَا كَانَ اللَّقَبُ حَسَناً يُحِبُّهُ مَنْ لُقِّبَ بِهِ, فَمَا رَأْيُكَ فِي ذَلِكَ يَا عَمُّو رِيَاضُ؟ قَالَ الْعَمُّ رِيَاضُ : إِذَا كَانَ اللَّقَبُ جَـيِّداً-( كَالْفَارُوقِ ) لَقَبِ سَـيِّدِنَا عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ لُقِّبَ بِهِ لِأَنَّهُ كَانَ يَفْرِقُ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْـبَاطِلِ-فَلا بَـأْسَ بِهِ .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق