الرئيسيةشعر وشعراءمنظمة همسة سماء

قراءة نقدية للدكتورة فاطمة أبوواصل إغبارية لقصيدة ” ساحرتي” للشاعر الهندي (أ د عبد الله السُّلّمي)

الدكتورة فاطمة ابوواصل إغبارية

سَاحِرَتي

وَسَاحِرَتِي كَأَنَّ بِهَا خَفَاءً
فَلَيْسَ تَبِيتُ إِلَّا فِي إِزَارِي

كتَبْتُ لها القَصَائِدَ لَا أَرَاهَا
تَغَنَّتْ أَوْ تُغادِرُ مِنْ جِوارِي

فَأَيْنَ تَبِيتُ مِن دُونـي فَإِنِّي
لَأَسْهَرُ طولَ ليلِي بانتِظارٍ

وَذاكَ الطَّيفُ يَنْتَابُ بِلَيْلِي
ومَا أَدْرَاكِ ما حُزنِي وَنارِي

فَرَرْتُ ؟ فلَا حَمِيمٌ أو خَلِيلُ
بذي الحَالاتِ تَبَّا لِلْفِرَار

فكَيْفَ الصَّبُّ يُولَعُ بالغَرامِ
يَفِرُّ وَلَمْ يَزَلْ فِي ذَا النَّهارِ

أبِنتَ السِّحْرِ عِندَكِ كلُّ سِحْرٍ
فكيفَ أَفِرُّ مِن قَيدِ الإِسَارِ؟

(أ د عبد الله السُّلّمي)

أولاً: عنوان القصيدة – العتبة النصية “ساحرتي”

  • العنوان جاء بصيغة النداء والإضافة، مما يضفي على النص مسحة حميمية وعلاقة شخصية مباشرة.
  • الكلمة تحمل أبعادًا جمالية وغيبية: “السحر” ليس فقط عشقًا، بل هو انبهار، فقدان إرادة، وتأثير يتجاوز العقل والمنطق.
  • توحي اللفظة بـ سلطة الأنثى الموصوفة، وهيمنة حضورها حتى في الغياب، مما يشكّل تمهيدًا لجو القصيدة الذي سيطغى عليه التعلّق والتوجّع.

 ثانيًا: اللغة والأسلوب

  • اللغة في القصيدة فصيحة واضحة، تميل إلى الجزالة والصفاء، وتحمل سمات الشعر العربي الكلاسيكي من حيث النظم، الوزن، واستعمال الصور البلاغية.
  • استخدم الشاعر الأسلوب الخطابي والإنشائي بكثرة (النداء، التساؤل، التعجب، الاستفهام) لإشراك القارئ في التجربة النفسية.
  • تتكرر أدوات مثل: “فليس”، “فأين”، “فكيف” مما يعكس التوتر الداخلي، والانفعال العاطفي.

 ثالثًا: الموضوع والمضمون

القصيدة تنبني على ثنائية الحضور والغياب، أو الحب والافتقاد، وتكشف عن علاقة غير متوازنة بين العاشق (الشاعر) والمعشوقة (الساحرة).

نلمح في القصيدة عدّة محاور:

  1. الحبيبة الغائبة أو المتمنّعة:
    “فليس تبيتُ إلا في إزاري”
    “كتبتُ لها القصائد لا أراها”

    • هنا حضور جسدي خيالي مقابل غياب واقعي.
    • الشاعر يعيش في حالة وهمٍ لذيذ ومعذِّب.
  2. اللوعة والانتظار:
  3. “لأسهرُ طولَ ليلي بانتظار
    • الليل، الحزن، السهر… أدوات تقليدية للتعبير عن الحرقة العاطفية.”
  4. الفرار والانكسار:
    “فررتُ؟ فلا حميم أو خليل”
    “تبًا للفرار”

    • هنا لحظة صدق مؤلمة، تتخلل النص في وسطه، تشي بتوتر داخلي ورفض لحالة الهروب من العشق، كأنه يلوم نفسه.
  5. السحر كرمز للهيمنة الأنثوية:
    “أبنتَ السحر؟ عندكِ كلُّ سحرٍ”6  استخدام المفردات ذات الحمولة الغيبية (ساحرتي – الطيف – السحر – القيد) يعمّق حالة الافتتان والانقياد.

 رابعًا: الإيقاع الموسيقي

  • الشاعر يكتب على بحر الوافر، وهو بحرٌ يمتاز بجزالة الإيقاع ويشيع في الشعر الغنائي والوجداني.
  • الالتزام بالقافية الموحدة (-اري) يعزّز وحدة الأثر النفسي والانسياب السمعي، رغم أنها قد تقيد المعنى أحيانًا.
  • يوجد انسجام بين الوزن والمحتوى، فإيقاع الوافر هنا يعكس الخفقان الشعوري، والتموّج العاطفي بين الرجاء واليأس.

خامسًا: الصور الشعرية والبلاغة

  • الشاعر يوظف صورًا بلاغية تقليدية بطابع وجداني:
    • الطيف الذي يزور بالليل: صورة مشهورة في الشعر العربي ترمز للذكرى والحنين.
    • القيد والإزار والسحر: كلها رموز تشي بالخضوع العاطفي وغياب السيطرة.
    • “كتبتُ لها القصائد لا أراها” → صورة مؤلمة عن عدم التفاعل أو التبادل العاطفي.
  • الصور ليست مبتكرة على نحو حداثي، لكنها مُفعمة بالعاطفة وصادقة التأثير.

 سادسًا: المنهج النقدي المطبق

هنا ، يمكنني الجمع بين

  • المنهج البنيوي: عبر تحليل البناء الداخلي (اللغة، الأسلوب، الإيقاع).
  • المنهج النفسي: إذ تكشف القصيدة عن صراع داخلي، وتُظهر حالة نفسية من التعلّق والانكسار والقلق.
  • المنهج الجمالي: يركّز على موسيقى الشعر وصوره وقيمه الجمالية.

الخلاصة والتقويم العام:

قصيدة “ساحرتي” هي مرآة لقلب شاعر عاشق، يكتب من عمق الحنين، ويتقن رسم مشاعره بالكلمات كما يرسم الفنان لوحته بالألوان الداكنة والدافئة معًا.

لغة الشاعر عذبة، عاطفته صادقة، وشكواه ممزوجة بجمال شعري يجعل المتلقي يشعر أنه شريك في الألم، لا مجرد قارئ عابر.

نعم، الصور مألوفة، لكن صدق الإحساس يرفعها إلى مرتبة الشعر النابض.

الإيقاع يحتضن الحروف بحنان، والغياب يتحوّل إلى حضور ساحر في ثنايا الأبيات.

إنها قصيدة كتبت بمداد الشوق، وحرّرتها نار التعلّق…

فجاءت مثل “طيفها” تمامًا: تسكن القلب دون أن تُرى، وتترك أثرًا لا يُنسى

 القوة:

  • صدق التجربة.
  • لغته الشاعرية الرصينة.
  • حفاظه على التوازن بين العاطفة واللغة.

 نقاط يمكن تطويرها:

  • الابتعاد قليلًا عن الصور التقليدية لصالح الخيال الطازج.
  • تنويع البناء الإيقاعي أو اللعب بمستويات الدلالة بشكل أعمق.

 

خاتمة القراءة

القصيدة تمثل نموذجًا ناضجًا للشعر الغنائي التقليدي العربي، متقن من حيث البناء، ومشحون بشعور صادق.

إنها ليست فقط بوحًا، بل هي حالة شعرية مكتملة الأركان، تسير بنا من التعلّق إلى اللوعة إلى التساؤل، في سردية وجدانية تُحاكي نفوس العشاق والموجوعين بالغياب

شاهد أيضاً

إغلاق
إغلاق