مقالات

لماذا قطع الرؤوس؟ / بقلم عثمان النمر

قطع مجهولون لسان الشاعر اليمني الشاب وليد الرميشي عقاباً له على قصائد عبر فيها عن رأيه بحرية تجاه الأحداث الجارية في بلده، خلال الثورة الشعبية والشبابية التي اطاحت نظام الرئيس السابق علي عبدالله صالح .
وقطع زبانية النظام حنجرة المغني السوري إبراهيم القاشوش وألقوا بجثته في نهر العاصي، عقاباً له على اغنياته الحماسية التي حشدت نصف مليون متظاهر في حماة، ضد النظام .
واليوم يجد عناصر “داعش” المتطرفون شغفاً في اشهار المدى والسكاكين لذبح الناس وقطع رؤوسهم، في المناطق التي يسيطرون عليها في شمالي العراق وفي شمال غربي سوريا .
قد يكون مفهوماً، وإن لم يكن مقبولاً، أن يقطع نظام أو أزلامه لسان شاعر، وحنجرة مغن معارضين، لأن الشاعر الفذ بين الناس رحمة – كما يقول العقاد، ولأن المغني الصيدح يأسر الاسماع والقلوب . وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يقول لشاعره حسان بن ثابت إن شعره على الكافرين أشد من وقع النبل .
ويثور السؤال المنطقي لماذا هوس عناصر داعش بجز الأعناق وقطع الرؤوس؟
قال الشاعر: “أنت بالروح والعقل إنسان”، ولكن الخوارج الجدد الذين انتشروا من القبور، لا يؤمنون أصلاً بالإنسان الروح والإنسان العقل، لأنه ضد مشروعية وجودهم، هذا إذا كان لوجودهم مشروعية، لذلك يصوبون بشدة ضد هذه الروح الإنسانية، وضد العقل، لأنهم بلا روح وبلا عقل .
يقول الفقهاء إن الروح من الله وكرم بها الإنسان، بعكس الحيوان الذي ليس له روح، بل حياة . فكيف يكون الدواعش بروح إذا كانوا أضل من الضواري . فالوحوش لطبع مركب فيها خلقت لتقتل لتأكل، ولم نسمع في العالمين وحوشاً تقتل لتلهو، لكن الخوارج الجدد الذين خرجوا من الدين كما يخرج السهم من الرمية، يفعلون ذلك بسادية وتلذذ .
يقتل البغاة الجدد لأن الأرواح التي تجابههم تذكرهم بالغيابات التي خرجوا منها، وكهوف التاريخ التي انبعثوا منها، والظلمة المحلكة التي تطمس انسانيتهم وتجعلهم يتنكبون الطريق المستقيم .
لقد حدث تطور جديد في السلالة البشرية، فبعد أن كنا نظن أن الإنسان العاقل “هومو سابينا” هو آخر حلقات التطور البشري، ها هي سلالة جديدة من البشر نتجت عن طفرة مجهولة، تجعل من المصدوق تسمية الناتج الجديد “الإنسان المجنون” (او هومو مانيا) .
السلالة الجديدة من البشر تتلذذ بجز الرقاب وقطع الرؤوس، لخلل في تركيبتها النفسية، فهي لا تستطيع أن تتعامل مع إنسان له رأس داخله عقل يعقل ويفكر ويتدبر ويفهم ويفقه ويدرك .
هم إذن أعداء التفكير، مصممون آلياً وإيديولوجيا للقتل والإعدام والإفناء، ولا حصة لهم من عقل، لذلك ليس غريباً أن يقتلوا العقل وأن يبيدوا الرؤوس القادرة على التفكير، لأنها مضاد طبيعي لأيديولوجيتهم الأحادية العمياء .
قطع رؤوس الناس قد يكون محاولة يائسة لإلغاء العقل وسيادة عقلية القطيع حتى يسهل القياد والانقياد .

مقالات ذات صلة

إغلاق