مكتبة الأدب العربي و العالمي

رحلة السندباد العجيبة النصف الثاني و الأخير

في الأيام التالية شغلني التفكير بتلك العادة الغريبة..
وتملّكني الخوف من أن تموت زوجتي فيكون مصيري كحال صاحبي..
ولم يطل بي المقام حتى تحقق ما كنت أخشاه.. إذ أصيبت زوجتي يوماً بمرضٍ معدي.. ثم لم تلبث أن تدهورت حالها حتى وافاها الأجل.. فدخل علي الامير وجميع اصحابي يعزونني بنفسي وبزوجتي. فرحت أصيح بهم بأنني غريب ولا يصح أن تجري عليّ عاداتهم وتقاليدهم.. لكنهم لم يصغوا إلي فأمسكوني وأرغموني على المسير معهم نحو الجبل حتى بلغنا الصخرة الدائرية..
فعملوا معي كما عملوا مع جاري من قبل.. حيث انزلوني الى قعر مغارةٍ عميقة مع كوز ماءٍ وسبعة أرغفةٍ فقط..
ثم طلبوا مني فك الحبل فامتنعت عن ذلك فرموا عليّ الحبال ثم أوصدوا فوهة المغارة وانصرفوا..
رأيت في تلك المغارة أمواتاً كثيرين وعظاماً بالية وشممت روائح كريهة فضاقت نفسي حتى تمنيت الموت بسرعة..
فلمتُ نفسي على فراقي لبغداد.. وهجرة الخلّان والاوطان ، من أجل أن تكون نهايتي في هذا المكان..
حيث لا يعلم بي أحد.. ولا يفتقدني صاحبٌ ولا ولد..
ثم إني صرت لا أعرف الليل من النهار.. وأمسيت لا آكل حتى يكاد الجوع أن يقطعني.. ولا أشرب حتى يوشك العطش أن يصرعني.. وبتلك الطريقة ، إستطعت أن أصمد لخمسة عشر يوماً متتالياً وقد هزل جسمي حتى لصق جلدي بعظمي.. في الوقت الذي اتخذت لي مكاناً انام فيه بعيداً عن الجثث الطرية والمتفسخة..وفي إحدى المرات.. وبينما كنت مستلقياً بانتظار الموت وقد نفد ما لدي من طعامٍ وشراب .. وإذا بي أسمع صوت نبشٍ ومضغ.. ففزعت من رقادي وتبينت مصدر الصوت ، فإذا هو حيوانٌ من الوحش ، حالما رآني حتى فر هاربا..
فتبعته الى جوف المغارة فشممت نسيم البحر من حيث فر المخلوق..
ثم لمحت ضوءاً كبريق النجمة في عتمة المغارة.. فأتيته فإذا هو خرمٌ قد حفرته الوحوش من السباع والهوام وغيرها كي تدخل وتقتات على جثث الموتى..
فشع في عيني بريق الأمل وتحمست للنجاة.. فعدت الى المغارة وجمعت ما أمكنني من حليٍ وجواهر كانوا يزينون بها الموتى قبل إنزالهم، ثم وضعتها في صرةٍ وشددت تلك الصرة على كاحلي بالحبل الذي قيدوني به ثم قفلت عائداً الى الخرم الذي وجدته.. وكان ضيقاً للغاية ، لكنني تمكنت من الولوج فيه بسبب شدة نحافتي ، وجعلت أزحف من خلاله وأنا أتطلع الى نور الحرية الذي أمامي في الوقت الذي أسحب فيه صرة الجواهر من خلفي حتى تمكنت أخيراً من اختراق الجبل والوصول الى ساحل البحر..
فسجدت شكراً لله على خلاصي ثم سرتُ بمشقةٍ حتى أتيتُ شجراً من جوز الهند فطفقت أكسر ثمرة الجوز وأشرب مائها حتى ارتويت وعاد لي حولي وقوتي.. وبينما أنا على تلك الحالة..
وإذا بسفينةٍ تقترب من الساحل فلوحتُ لهم فأرسلوا لي قارباً صغيراً وسألوني عن شأني؟؟ فأخرجت لهم ما في الصرة من قلائدٍ ومجوهرات فرحبوا بي غاية الترحيب ثم حملوني معهم الى السفينة..
وهناك.. اجتمعوا جميعاً حولي وسألوني مجدداً عن سر وجودي في ذلك المكان المعزول خلف الجبل؟؟
فقلت لهم بأني كنت أسافر على ظهر مركبٍ فغرق بي فسبحت الى الساحل..
وقد خشيت أن أخبرهم بالحقيقة لئلا يكون معهم رجالٌ من سكان المدينة التي حاولت قتلي فيعيدونني الى أميرهم..
لذا فضلت السكوت.. واشتريت منهم ثمن مرافقتي لهم بما معي من مصوغاتٍ ذهبية فأكرموا مثواي وقدموا لي الطعام والشراب حتى ردت لي روحي ونشطت من جديد..
وبعد عدة أيامٍ من الخوض في البحر ، تعرضنا لعاصفة هوجاء.. مما حدا بنا الى أن نغير مسارنا الى جهةٍ مجهولة..
حيث رست بنا السفينة على إحدى الجزائر..
فبدت تلك الجزيرة مأهولةً لدي ، وكأني زرتها من قبل.. ثم سرعان ما تأكدت من أنها هي نفسها جزيرة الرخ..
وكان رفقائي البحارة قد نزلوا الى داخل الجزيرة.. فلحقت بهم كي أحذرهم من مغبة بقائنا على متن الجزيرة بوجود ذلك الطائر المخيف..
فوجدتهم قد أحاطوا ببيضة الرخ وهم يرشقونها بالحجارة ، فصحت بهم ونهرتهم أن لا يفعلوا ذلك وإلا انتقم منهم الرخ.. فما سمعوا كلامي حتى كسروا البيضة فسال منها ماءٌ كثير وقد بان فيها فرخ الرخ فأخرجوه وذبحوه وأخذوا منه لحماً كثيرا..
وبينما نحن كذلك.. وإذا بظلةٍ عظيمة تغطي رؤوسنا وغبرةٍ كثيفة تعمي أبصارنا.. فتطلعنا فإذا هو طير الرخ قد أقبل..
فلما عاين صغيره وما جرى عليه حتى صاح صيحةً عظيمة ، فحضرت أنثاه العنقاء وأخذا يحومان فوق رؤوسنا..
فانطلقنا نجري حتى صعدنا المركب وسحبنا المرساة ونشرنا الأشرعة وفررنا نبغي النجاة بأرواحنا ما استطعنا..
أما الرخ والعنقاء فقد غابا عنا زمناً ، ثم ما لبثا أن لحقا بنا وكلٌ منهما يحمل بين مخالبه صخرةً هائلة..
أطلق الرخ صخرته علينا فحاد الربان بالسفينة فأخطأتها الصخرة بمقدارٍ قليل.. غير أن المركب قامت بنا وقعدت من شدة وقوع الصخرة حتى رأينا قعر البحر من قوتها..
وإن كان الذكر قد أخطأنا لكن أنثاه لم تفعل.. فجائت صخرتها على مؤخر السفينة فحطمت الدفة وأغرقت المركب بمن فيها.. فغرق فينا من غرق وهلك من هلك..
أما الباقون وأنا من بينهم.. فقد تمسكنا بقطع السفينة المتناثرة وجال بنا الموج حتى ألقى بنا على شاطئ جزيرةٍ غريبة..
فنهضنا وتمشينا في الجزيرة فشاهدنا من بعيد قلعةً من حجر..
فأتيناها نطلب الطعام والماء فإذا هي متينة الأركان عالية البنيان لها بابٌ من خشبٍ مفتوح على مصراعيه..
فدخلناها فاكتشفنا أن كل ما فيها من كراسي وأدوات طعامٍ وغيرها، هي من الضخامة بحيث لا يمكن أن يكون أصحاب القلعة إلا قومٌ من العمالقة..
ثم شاهدنا كومةً كبيرةً من العظام البشرية والعديد من الهياكل العظمية فارتعبنا وقررنا المغادرة..
وما أن اتجهنا نحو البوابة حتى دخل منها ماردٌ جبار ذو أنيابٍ قاطعة ، له عينٌ واحدة وأذنان طويلتان تتدليان على كتفيه..
فلما رأيناه أرتعدت أبداننا واشتد خوفنا حتى صرنا كالصرعى من شدة الجزع..
قام المارد بإحكام غلق البوابة فحبسنا في الداخل.. ثم جلس على كرسيه وحشرنا جميعاً في زاوية الحجرة ومد أصابعه نحونا فقبض عليّ من بين أصحابي ورفعني من ساقي وقلّبني فصرت في يده كاللقمة الصغيرة ، وبدأ يجسني كما يجس القصاب ذبيحة الغنم.. فوجدني ضعيفاً من كثرة الحزن هزيلاً من شدة التعب وليس بي شيئٌ من اللحم.. فأطلقني وأخذ واحداً غيري..
ثم جاء بقضيبٍ من الحديد طويلٌ ومدبب وخرق به الرجل..
وبعدها أشعل ناراً حامية ووضع القضيب عليها ثم التهم الرجل بلقمةٍ واحدة وبصق عظامه..
وبعد أن فرغ من طعامه.. انطرح ونام على الأرض وهو يصدر شخيراً عاليا..
أما نحن فقد تباكينا على حالنا خشية أن نؤكل مثل صاحبنا.. حتى تمنّى بعضنا لو غرق في البحر ولم تأتي به الأقدار الى هنا..
فلما أصبح الصباح.. نهض المارد وخرج من القلعة ثم أغلقها خلفه..
فدرنا في المكان نبحث عن وسيلةٍ للخروج فما اهتدينا الى شيئ..
فلما حل المساء.. عاد المارد وحشرنا جميعاً في نفس الزاوية وأخذ يتحسسنا بأظافره القبيحة.. ثم التقط أحدنا وفعل به كما فعل بصاحبنا بالأمس، أكله وطرح عظامه أمامنا على الارض..
ثم استلقى قرب الموقد ونام على جنبه..
وبينما جماعتي يندبون أنفسهم.. إذ جمعتهم حولي واخبرتهم أننا إذا أردنا النجاة فعلينا هزيمة المارد..
فتعجب اصحابي وظنوا بأني قد جننت.. لكنني بينت لهم الطريقة.. حيث أمسكت بأحد تلك الأسياخ التي يستعملها المارد لشواء طعامه..
ففهموا قصدي وهبوا لمساعدتي فرفعنا جميعاً ذلك القضيب الحديدي ووضعنا طرفه على النار حتى توهّج من شدة الحرارة..
ثم حولنا القضيب المدبب جهة المارد وانطلقنا جميعاً بكل ما لدينا من قوة وطعنّاه في عينه فانطمست.. فهب صارخاً من رقدته وصاح صيحةً عظيمة انخلعت منها قلوبنا فهرولنا مذعورين ذات اليمين وذات الشمال..
أما المارد فقد صار أعمى وأخذ يتخبط في قلعته وهو يفتش عنا كالمجنون حتى أتى بوابة القلعة فحطمها وركض خارجا..
فلما رأينا البوابة مهشمةً حتى خرجنا من القلعة وهرولنا نحو ساحل الجزيرة نطلب الرحيل وقلوبنا تخفق بعنفٍ خوفاً من انتقام المارد..
فتكاتفنا جميعاً في صنع طوفٍ خشبي من بقايا سفينتنا المنكوبة حتى أتممناه على عجالة..
ثم دفعنا به الى البحر وركبناه وابتعدنا به عن الساحل..
لكننا ما كدنا نفرح بالخلاص ، حتى خرج لنا المارد من عمق الجزيرة تتبعه أنثى أكبر منه وأوحش.. فنزلا الماء خلفنا وخاضا البحر بسيقانهما حتى أوشكا أن يدركانا..
فأصابنا الهلع لدى اقترابهما وداخلنا خوفٌ عظيم..
لكن المارد خطا فوق حفرةٍ عميقة في قاع البحر فغاص فيها وغرق وانتهى أمره..
أما الانثى فقد توقفت مكانها وأخذت تزعق زعيقاً عالياً يكاد يصم الآذان..
ثم شرعت برفع الصخور من القاع وقذفها تجاهنا حتى أصابتنا إحداها فسحقت معظمنا ودمرت الطوف ، ولم ينجو منا إلا إثنان وأنا ثالثهم.. فتمسكنا بما تبقى من خشب وسبحنا مبتعدين ونحن ندفع الماء بأرجلنا حتى أعيانا التعب وكدنا نهلك..
لكننا أبصرنا من بعيد جزيرةً أخرى فعادت شعلة النشاط تتدفق في دمائنا فطفقنا نسبح حتى أدركنا الجزيرة..
فرقدنا على شاطئها قليلاً لنلتقط أنفاسنا.. وما كدنا نفعل ذلك حتى هاجمنا ثعبان هائل الحجم واسع الجوف ، فالتقط أحدنا بفكيه العظيمين وابتلعه.. فما سمعنا من صاحبنا غير صوت تحطم أضلاعه وهو في جوفه..
ففزعنا غاية الفزع.. وانطلقنا أنا وصاحبي نجري حتى أتينا شجرةً فتسلقناها.. أنا في الأعلى وهو أسفل مني..
فما هي غير ساعة.. حتى عاد الثعبان في طلبنا فأدركنا ونحن نرتعد فرقاً أعلى الشجرة..
فالتف بجسده حول الجذع وتسلق الشجرة حتى بلغ صاحبي الذي أسفل مني فالتقمه بأنيابه وبلعه الى كتفيه.. ثم سحبه للارض وواصل ابتلاعه وتكسير عظامه والرجل يستغيث صارخاً دون أن يكون بيدي شيئٌ لأفعله حتى أتى الثعبان عليه بأكمله ثم تركني وانصرف..
بت ليلتي تلك على الشجرة وأنا أرتجف من البرد والخوف والجوع..
فصرت أعاتب نفسي وأقول بأني أستحق جميع ما جرى لي بعد أن أنقذني الله من جميع المصائب والأهوال في رحلاتي السابقة.. لكنني لم أستقر في مدينتي الحبيبة بغداد حتى خرجت منها طمعاً في المزيد..
ثم بكيت وأقسمت أمام الله أنه لو أعادني سالماً الى بغداد فسأمكث فيها وأعتزل الترحال..
وبينما أنا على تلك الحال.. وإذا بي أشعر بالثعبان وقد حضر لالتهام وجبته الأخيرة..
فقزت من الشجرة وطفقت أجري هائماً على وجهي لا أعلم الى أين تقودني ساقاي حتى وجدت نفسي مقابل البحر مجددا..
فسقطت على ركبتاي وأنا ألهث حتى ابيضّ لساني من شدة التعب..
وبينما أنا افكر بالموت وقد اقترب.. وإذا بي أبصر ألواح الخشب، تلك التي تعلقنا بها وجئنا بواسطتها الى هذه الجزيرة ، وكانت من أقسى أنواع الخشب..فخطرت ببالي فكرة..
إذ قمت بالتمدد على أحد الالواح ثم وضعت فوقي لوحاً وعلى جانبي لوحاً وعلى الجانب الآخر كذلك ثم شددتُ الالواح حولي بعمامتي شداً وثيقاً حتى أصبحت كأني محشورٌ داخل تابوتٍ من خشب..
وما هي إلا لحظات حتى جاء الثعبان والتقم التابوت وأنا بداخله أنظر إليه كالميت خوفا.. فأخذ يعالج به ببلعومه فلم يقدر على تحطيمه وابتلاعه.. فلفظه خارج فمه..
ثم انهال بذيله ضرباً على تابوت الخشب فسارعت بالإنسلال حتى خرجت من بين الخشبات في اللحظة الأخيرة قبل أن يحطمه تماما..
وبعد أن فرغ من التابوت.. إلتفت الثعبان نحوي مجدداً وفتح فكيه وانقض عليّ.. فأغلقت عيناي وخبّأت رأسي بين ذراعيّ..
وهنا… خطف بمحاذاتي سهمٌ من نار، إستقر في حلق الثعبان..
ثم ظهر عددٌ من الرجال الغلاظ الداكني البشرة وهم يحملون المشاعل..
هاجم أولئك الرجال الثعبان وخوفوه بالنار حتى أجبروه على التقهقر والإنسحاب..
ثم عمدوا إليّ فشدوا وثاقي وقادوني معهم كالأسير وجعلوني أنضم في المسير مع عددٍ آخر من الأسرى فأصبحنا خمسة..
مر الرجال الأغراب بنا في وادٍ تنبت فيه أشجارٌ قصيرة ذات ثمارٍ زرقاء..
فقطفوا منها الشيئ الكثير ثم واصلوا المسير حتى بلغوا بنا قريتهم..
كان أولئك الرجال من قبيلةٍ بدائية يتكلمون فيما بينهم بلغةٍ لا نفهمها..
وفي القرية.. فكوا وثاقنا ثم قدموا لنا بعض الطعام الممزوج بعصارة تلك الثمار الزرقاء.. فأكل رفاقي الأسرى حتى شبعوا..
أما أنا فقد عافت نفسي الطعام ولم أشتهيه..
وكان رفاقي يتحدثون فيما بينهم ويقولون بأنهم قد أسائوا الظن بأفراد تلك القبيلة.. لأنهم يقومون بإطعامهم على أحسن وجه..
لكنني خالفتهم الرأي وأخبرتهم بأني أعتقد أنهم يضمرون لنا شرا..
وبعد قليل.. بدأ رفاقي يتصرفون بغرابة..
إذ مالت عيونهم وغابت عقولهم فصاروا يتخبطون في مسيرهم..
ثم أحضر لهم القرويون الكثير من الطعام الممزوج بتلك العصارة الزرقاء فأخذوا يلتهمونه كالمجانين.. فضحك عليهم القرويون وصفقوا لهم..
فلم أذق من ذلك الطعام لقمة.. واكتفيت بحشائش الارض..
وبعد عدة أيام..
إكتنز أصحابي من كثرة الأكل حتى ثخنوا ولم يقدروا على الحراك..
أما أنا.. فقد خشيت أن ينتقم مني القرويون عندما يكتشفوا بأني لا أشارك في الأكل.. فقمت بحشو ملابسي من الداخل بما استطعت من طعامٍ لففته بورق النبات ثم أحطته بالطين حتى لصق عليّ فبدوت كأني بدينٌ واسع البطن..
ثم حضر القرويون وقادونا جميعاً الى تلةٍ قريبة.. منصوبٌ على أعلى التلة خمسة أعمدة..
حيث قاموا بربطنا جميعاً على تلك الأعمدة ثم نضحوا فوق رؤوسنا زيتاً كريه الرائحة ثم تركونا وانصرفوا..
ومع ارتفاع الشمس الحامية عند الظهيرة.. أخذت أدمغتنا تغلي بفعل ذلك الزيت الغريب.. حتى فقد رفقائي وعيهم وساح من جلودهم دهنٌ أزرق غطى أجسادهم..
أما أنا فقد يبّست الشمس الطين الذي حوّطتُ بدني به.. فاستطعت تحطيمه بسهولة، ثم انسللت من ملابسي كما تنسلّ الفراشة من شرنقتها..
وفي تلك الأثناء.. عاد القرويون فأسرعت بالهرب والإختباء..
وهنا.. حضرت من الجو نسورٌ عملاقة..
هبطت تلك النسور على قمة الأعمدة.. ثم أخذت تضرب بمناقيرها رؤوس الأسرى فتفلقها ثم تلعق أدمغتهم..
وبعد أن فرغت من الرؤوس.. عمدت النسور الى أبدانهم فنهشت لحومهم..
كل ذلك والقرويون ينحنون أمام تلك الطيور.. فعلمت أنهم يقدسونها… لذلك يقومون بإطعامها هذه الأضاحي البشرية..
وبعد انتهاء النسور من وليمتها.. سرتُ في الجزيرة طويلاً وأنا أخشى أن يدركني القرويون فينتقموا مني شر انتقام..
وما زلت أحث الخطى بلا توقفٍ حتى بلغت جدول ماء.. فارتميت فيه وأنا اُوشك على الهلاك من شدة العطش..
وبعد أن ارتحت لبرهة.. رفعت رأسي فوجدت شيخاً يتمدد على حافة الجدول..
كان الشيخ طويلاً ضئيل الجسم طويل اللحية عاري الصدر والذراعين والساقين لكنه يأتزر بإزارٍ على وسطه..
اقتربت منه وسلمت عليه فرد السلام لكن بالإشارة..
فسألته ما سبب جلوسك هنا؟؟
فحرك رأسه بأسفٍ وأشار لي أن أحمله من ضفة الجدول الى الضفة الأخرى..
فحدثتني نفسي بأن أعمل معروفاً مع هذا الشيخ المسكين..
فتقدمت منه وحملته على كتفيّ.. ثم نقلته الى حيث أشار..
فلما بلغنا المكان ، أخبرته أن ينزل على مهل..
لكنه وفجأة… شدد ساقيه على رقبتي وامتنع عن النزول..
فنظرت الى ساقيه فإذا هما مثل جلد الماعز في السواد والخشونة!!!
ففزعت منه وأردت أن أرميه.. لكنه ضيّق الخناق بفخذيه على رقبتي حتى قطع نَفَسي فأظلمّت الدنيا في عيني ووقعتُ على الأرض مثل الميت..
فرفع هو ساقيه وأخذ يركلني على ظهري بقدميه.. لكنهما لم تكن قدمين.. بل حافرين!!! فرفعت نظري إليه فإذا هو مخلوقٌ عجيب بجسد إنسانٍ ورأس ماعزٍ ذي قرونٍ حادة..
زادت حيرتي من هذا الشخص الذي اعتلى رقبتي من جديد وأمرني أن أسير به الى حيث يشاء وإلا خنقني مجددا..
فاحتسبت أمري عند الله وسرت به الى أي مكانٍ يشير إليه..
فكنت أحمله الى الاشجار المثمرة فيمد يده ويقطف ويأكل ثم يطعمني البقايا..
وإذا رفضت أو تكاسلت ، فإنه يركل جنبيّ بحافريه ركلاً شديدا..
وهكذا مضت الأيام وذلك الشيطان قاعدٌ على رقبتي لا يفارقها لا ليلاً ولا نهارا..
وإذا أراد النوم ، لف ساقيه على عنقي ونام قليلاً ثم يقوم ويضربني فأنهض به مسرعاً لا أستطيع مخالفته خشية غضبه وانتقامه.. وصرت أوبخ نفسي على حمله والشفقة به حتى تمنيت الموت..
وفي أحد الأيام..
مررنا على وادي الأشجار ذات الثمار الزرقاء.. فتذكرت تأثير تلك الثمار العجيبة وما تفعله بالأذهان.. فتوصلت الى فكرةٍ لا تخلو من جرأةٍ ومخاطرة..
إذ جمعت ما استطعت جمعه من تلك الثمار.. ثم عصرتها في قارورةٍ فارغة كانت معي حتى امتلأت..
كل ذلك حصل والشيخ نائمٌ على كتفي وهو يشخر فوق رأسي..
فلما انتبه، شاهدني وأنا أستعد لشرب القارورة.. فإذا به يختطفها من يدي ويرتشف ما فيها حتى آخر قطرة ، وأنا أتوسل به أن يترك لي شيئاً فلم يفعل..
ثم واصلنا السير..
وبعد مسافة.. شعرت به وهو يتمايل على كتفي ثم ما لبث حتى سقط على ظهره وأسقطني معه..
فأزلت ساقيه عن عنقي بتمهّلٍ الى أن تحررت منه أخيرا.. فنهضت وأنا ما مصدقٌ بالخلاص..
لكنه فتح عينيه.. فلما رآني حتى صاح عليّ صيحةً عظيمةً أفزعتني.. فأسرعت وحملت حجراً ورضخت به رأسه فاختلط لحمه بدمه فمات غير مأسوفٍ عليه..
ثم جلست ألتقط أنفاسي وأنا في غاية السرور والإنبساط..
فتقدم مني راعي غنم.. فلما شاهد جثة الشيخ وقد تحولت الى مسخٍ قبيح، حتى هنّأني بالسلامة وأخبرني أن هذا الشيخ ما هو إلا شيطانٌ يعيش متطفلاً على رقاب الرجال منذ عشرات السنين ، ولا يتركهم حتى يقضي عليهم ويمتص أعمارهم..
ثم أشار إلي وقال :
لكنك الوحيد الذي لم يُفلت منه فحسب، بل وقضى عليه كذلك..
فشكرت الراعي وسألته عن طريق الخروج من هذه الجزيرة.. فأخبرني عن وجود سفينةٍ ترسو حالياً على الساحل الغربي للجزيرة..
بحثت في إزار الشيخ فعثرت على صرةٍ صغيرة، كانت مملوءةً بالأموال التي كان الشيخ يستولي عليها من ضحاياه.. فشكرت الراعي مرة أخرى ثم ودعته وانصرفت حتى أتيت السفينة.. فاشتريت منهم تذكرة الصعود بما معي من نقود..
وهكذا عدت من جديد الى البحر العجاج المتلاطم الأمواج.. فكان إن جعلني القبطان على قمة الصاري (وهو عمودٌ خشبيٌ طويل في منتصف السفينة)، أراقب من خلاله الأفق..
فحدث ذات يوم إعصارٌ هائل.. شفط مياه البحر وأقام السفينة وما أقعدها ، حتى كاد أن يقلب عاليها سافلها.. فلم ننجو منه إلا بأعجوبة..
فلما صحا الجو.. طلب مني الربان أن أرتقي الصاري.. ففعلت وليتني لم أفعل..
فقد أبصرت من بعيد جبلاً ذا قمةٍ حمراء، كانت السفينة تنجرف نحوه.. فأخبرت الربان بالأمر.. فلطم على رأسه وصاح :
لقد جرفنا الإعصار الى جبل القرود..
فقلنا :
وما جبل القرود؟؟
قال :
هو ممرٌ بحري.. ما سلكته سفينةٌ إلا ونالت منها القرود..
ثم لم نزل ننجرف حتى صرنا بمحاذاة الجبل.. فأمر الربان بنشر الاشرعة وتحريك المجاذيف لغرض الانطلاق بأقصى سرعةٍ لعلنا نتخطى ممر الموت هذا..
وبينما نحن كذلك.. وإذا بمئات القردة الضخمة تنزو علينا من قمة الجبل..
كانت القرود سوداء الشعر حمراء الأعين هائلة الجسد.. وكانت تطلق زعيقاً صارخاً يصم الآذان..
ثم أخذت ترمي علينا بالأحجار والصخور وجذوع الأشجار.. فاحتمى البحارة منها في باطن السفينة.. باستثنائي أنا، فقد بقيت متشبثاً بقمة الصاري لا أستطيع النزول..
فما زالت القردة كذلك حتى كسروا الصاري بصخورهم.. فهويت ساقطاً في البحر..
أما السفينة فقد تعدت المضيق ونجت من جبل القرود.. فتمسكت أنا بخشبة الصاري حتى قادني الموج الى سفح الجبل.. فشاهدت القرود وهي تنزل الى السفح طمعاً في إدراكي.. فغمرني من الروع ما لا يعلمه إلا الله.. وطفقت أجري كالمجنون بحثاً عن مهرب.. فلو أمسكتني القرود لنتفت اللحم بأنيابها ومخالبها عن عظمي نتفا..
وهنا.. شاهدت على الجبل صخرةً وخلفها مغارة.. فدخلت المغارة وحركت الصخرة حتى سددت المدخل..
ثم التفتُ خلفي فراعني أن أرى معي داخل المغارة أفعى عظيمة وهي ترقد على بيضها… فجلست كما المذهول وأنا أرتعد فرقاً خشية أن تشعر بي الأفعى فتميل عليّ وتأكلني… وبين أن أخرج فتقطّع القرود أوصالي..
فمكثت على تلك الحال وقد انكمشتُ بجسدي فلم أصدر أي صوتٍ حتى حل الليل..
فنهضت وزحزحت الصخرة وخرجت من المغارة.. فإذا بالقردة قد يئست مني فعادت الى أوكارها في أعلى الجبل..
فحمدت الله على النجاة وتمشيت في الجزيرة.. فإذا هي جزيرةٌ واسعة يخترقها نهرٌ سريع الجريان..
فتمشيت على شاطئ ذلك النهر فوجدت أنه يدخل في قلب جبلٍ عظيم لم أرَ أكبر منه..
ففكرت بأنني إذا بقيت هنا فستتمكن مني القرود في النهاية لا محالة.. فقادني تفكيري وحبي للبقاء، الى أن أجمع العديد من أخشاب الجزيرة.. وكانت من خشب الصندل..
ثم جمعت ألياف النبات ففتلتها وعملت منها حبالاً وربطتها على تلكم الأخشاب حتى صنعت لي طوفاً صغيرا..
وقبل شروق الشمس.. كنت قد أبحرت على بركة الله في ذلك الطوف على النهر ذو الجريان المضطرب.. فأخذ الماء يتلاعب بالطوف ذات اليمين وذات الشمال، فربطت نفسي بطوفي جيداً كيلا أسقط فتتهشم رأسي على الصخور..
واستمر الطوف بالإنجراف مع النهر حتى اخترق بي صفحة الجبل.. فشاهدت نفسي أنساق داخل ممرٍ طويلٍ تحت الجبل يضيق حيناً ويتسع حيناً آخر..
ثم تضائل حجم النفق فجأةً حتى أخذت أطراف الطوف تحتكّ بجوانب النفق، ورأسي يحتك بسقفه.. فتمددتُ بوجهي على الطوف تماما، وأنا في غاية القلق من أن أنحشر بطوفي في ذلك المكان المظلم العميق داخل الجبل..
وبعد ساعةٍ من الترقب..
لاح لي أخيراً ضوء النهار.. فخرجت من الجبل وأنا كالشبح من كثرة الهزال والخوف.. فغبت عن الوعي، لكن كان هناك بعض مراكب الصيادين على النهر، والذين ما إن أبصروني حتى أمسكوا بطوفي وأخذوني الى شاطئ مدينة، ثم حملوني الى كبير التجار فيها، وكان رجلاً عاقلاً كريما.. فأخذني الى بيته واعتنى بي حتى تعافيت والحمد لله..
ثم أخبرته بخبري فهنّئني بالسلامة وقال :
إعلم يا سندباد إنك قد جئت من مكانٍ ما ذهب إليه أحدٌ قط إلا وهلك، وهو جبل القرود..
ثم إني مكثت عنده ثلاثة أيام..
فلما كان اليوم الرابع جائني كبير التجار وقال :
اليوم عليك يا سندباد أن تأتي برفقتي لتعاين بضاعتك.. إن شئتَ بعتها وإن شئت خزنتها لك..
فاستغربت كلامه وقلت في نفسي :
عن أي بضاعةٍ يتحدث هذا الرجل؟؟
لكنني كرهت أن أخالفه فمضيت معه الى السوق..
وهناك.. عرضوا بضاعتي في المزاد أمام التجار.. فكانت بضاعتي عبارة عن طوف الأخشاب الذي أحضرني الى هنا، فقد تبين أنه كان من خشب الصندل الممتاز الذي ليس له مثيلٌ في المدينة..
وبعد المزاد.. وصل سعر الطوف الى عشرة دنانير ذهب..
فالتفت إليّ كبير التجار وقال :
وأنا أزيدك عشرةً من عندي ليصبح المجموع عشرين ديناراً ذهبا.. فإن شئتَ يا سندباد بعته لي.. وإن شئت خزنته لك في مخازني الى العام المقبل حتى يغلى ثمنه..
فقلت له :
قد بعتك إياه يا عم..
ثم أن كبير التجار لم يتركني لحالي بل قد غمرني بفضله وساعدني على الإستقرار في المدينة بما معي من مال..
كما قام بتعييني ككاتب في ميناء المدينة، حيث أقوم بتسجيل جميع البضائع الواردة والصادرة من الميناء الى السفن وبالعكس..
فلما وجدني صادقاً أميناً وأهلاً للثقة حسب قوله، قرر أن يزوجني ابنته الوحيدة..
إذ أخبرني أنه لن يجد أفضل مني كي يأتمن ابنته لديه بعد رحيله عن الدنيا..
فشكرته على حسن ظنه بي.. لكنني وقبل أن أقبل عرض الزواج، إقتربت منه وهمست في اُذنه قائلا :
أنتم هنا لا تدفنون الرجال وهم أحياء مع زوجاتهم المتوفيات.. أليس كذلك؟؟
فضحك هو ضحكةً شديدة ثم قال :
سامحك الله يا سندباد… لا يابني، نحن لا نفعل ذلك..
وهكذا تم الزواج على بركة الله..
وبعد أشهر..
توفي كبير التجار.. فورثت ابنته جميع أملاكه وأمواله.. وأصبحت أنا الوصي عليها..
لكنني بقيت على وظيفتي في الميناء.. والسبب هو أني كنت أحنّ للعودة الى بغداد.. فقد طال فراقي عنها زمناً طويلا.. لذا تراني أطالع السفن القادمة والمغادرة لعلّي أحظى بسيفنةٍ تحملني الى معشوقتي الأثيرة..
وفي يومٍ من الأيام..
وبينما كنت أؤدي عملي في الميناء.. وإذا بسفينةٍ ليست بغريبةٍ عني تصل الى الميناء..
فصعدت على متنها وقمت بتدوين البضائع التي تم أنزالها منها.. ثم التفتُ الى الربان وسألته إن كانوا قد انتهوا من تفريغ البضائع؟؟
فأخبرني أن في العنبر بضاعةٌ لشخصٍ قد غرق في البحر.. وأنه يحتفظ بها لأجل أن يعيدها الى أهله في بغداد..
فلما سمعت بكلمة (بغداد) حتى خفق قلبي وهفا فؤادي، فقلت فوراً للربان :
وما اسم ذلك الشخص؟؟
أجاب :
اسمه السندباد..
هنا.. دققت النظر جيداً في الربان فإذا بي أعرفه… إنه الربان الذي استأجرته لقيادة السفينة في أول سفري..
وتلك السفينة هي ذاتها سفينتي التي استأجرتها من البصرة..
آنذاك.. أمسكت بالربان وقلت له بلهفة :
أبشر يا سيدي.. فأنا والله السندباد.. والبضاعة بضاعتي والسفينة سفينتي..
لكن الرجل فاجئني بأن دفعني عنه ثم أخذ يهزّ يديه بخيبة أملٍ وقال :
لا حول ولا قوة إلا بالله.. ما بقي في هذا العالم ذمةٌ ولا ضمير..
ثم نظر إليّ باستهزاءٍ وصدمني بقوله :
ظننتك رجلا… لكنك لست سوى سفيهٍ ووضيع..
فاستغربت وقلت :
لماذا تقول ذلك؟؟
فقال :
كلما دخلتُ ميناءاً وذكرتُ قصة سندباد وبضاعته، يأتيني شخصٌ ويقول (أنا سندباد)..
ثم التفت نحوي وقال بأسف :
أما تستحي من نفسك؟؟.. لقد نظرت إليك فتوسمت فيك الخير والصلاح.. لكنني كنت مخطئا..
فقلت له :
أنت لست بمخطئٍ يا سيدي الربان (ثم ناديته باسمه وأضفت..) أنا السندباد… وهاك الدليل على ما أقول..
هنا.. أخرجت له عقد السفينة والذي كنت لا أزال محتفظاً به بين طيات ملابسي، وكان ممهوراً بأسم وختم الربان وكذلك باسمي وختمي..
وفوق ذلك رحت أحكي له تفاصيل البضاعة، وكذلك بعض الوقائع التي حصلت بيني وبينه بدقائقها التي لا يعلمها إلا الله ونحن الإثنان..
فلما اتضح له حقيقة مقالي، قربني إليه وبكى ثم عانقني وقال :
أنت السندباد؟؟؟ أنت السندباد حقا……!!!!!!
فما زال يردد باسمي وهو ما مصدق بنجاتي.. فأخبرته بخبر الجزيرة التي اتضح أنها سمكةٌ جبارة، وما جرى عليّ بعد ذلك مما لا يطيقه عقل إنسان، فكيف بخوض تلك المواقف والعيش في أدق تفاصيلها؟؟
لكن لولا لطف الله تعالى ورأفته بي، لكنتُ الآن في خبر كان..
ثم قبّل الربان رأسي وهنئني بالسلامة وأعاد لي بضاعتي وسفينتي..
وبعد ذلك.. أطلعتُ زوجتي حول عزمي ونيّتي على السفر الى بغداد بعد أن هيئ الله لي سفينةً مؤاتية بطريقةٍ لم أكن لأحلم بها..
فوافقتني زوجتي وطلبت مني أن نمضي معاً على بركة الله..
فأوكلتني زوجتي على بيع جميع أملاكها في تلك المدينة وتصفية كل الأصول المتعلقة بها..
وبعد أن أتممت ذلك، انطلقنا بحمد الله وتوفيقاته نخوض البحار تلو البحار، بلا معوّقات أو أخطار، ودون أن يقطع طريقنا حوتٌ أو إعصار..
الى أن وصلنا في نهاية المطاف الى البصرة.. ومنها سرنا على ضفاف نهر دجلة صعوداً الى بغداد..
فلما بلغتها.. هويت ساجداً شكراً لله وقبّلت تربتها..
وكان ذلك آخر العهد مني على الرحلات وخوض غمار الهَلَكات..

تمت بحمد الله.

من قصص حكايا العالم. الاخر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق