مقالات

بمناسبة يوم اللغة العربية أيضا.

لبنى ياسين

سألتني إحداهن : كيف تتحدث مع زوجها المثقف الذي يستخدم مصطلحات معقدة عصية على فهمها، مما يشعرها بالخجل والحرج أمامه….وكانت هذه إجابتي.

أن تصبحي مثقفة في ساعتين

لعلك صديقتي لم تجارِي آخر صيحات العصر، ولم تنضمي إلى قائمة المثقفين الذين يتناولون الكلمات بمنتهى البراعة بالشوكة والسكين، فيقف المستمع أمام حديثهم مبهوراً، دون أن يفهم شيئاً، ودون أن يستطيع الاعتراف بأنه لم يفهم شيئاً لئلا يتهم بالبلادة والتبلد والغباء والجهل والأمية والتصلب والرجعية ما إلى ذلك من اتهامات معلبة جاهزة في متناول الجميع التقاذف بها وفي أي وقت، بمجرد أن أشار أحدهم إلى أن الحديث كان أعلى من مستوى فهمه المتواضع، وبالطبع اللوم دائماً على الفهم المتواضع، لا على الكلمات المعقدة المتقافزة هنا وهناك.
لذلك صديقتي سوف أضع في تصرفك بعض الكلمات البراقة على فاترينة واضحة، وبذلك بامكانك أن تأخذي تلك الكلمات، وتنثريها حسب المقال والحضور، إما كالملح، رشة خفيفة بين عباراتك، أو كالبصل..قطع كبيرة وواضحة تثقب عين الناظر وسمعه،
وميزة تلك الكلمات صديقتي الغالية، أنها مطاطية بحيث تصلح للحديث عن طعام الطفل وحفاضته، كما تناسب حديثاً سياسياً، وبالتأكيد هي أكثر من مكانها في الأحاديث الأدبية، أما الاقتصادية..فهي ما خلقت إلا للنقاشات الاقتصادية.
لنبدأ بكلمة “أجندة” : رغم أنها تبدو سياسية للوهلة الأولى، إلا أنه بامكانك استخدامها في عدة مواضع، مثلاً: ضمن “أجندة “التربية الخاصة بك، في أي وقت تريدين “انتزاع” حفاضة طفلك نهائياً عن “خلفيته” الكريمة؟، وهنا أود الاشارة إلى أن “الخلفية” هي من الكلمات “التوعوية”” الحداثية” الثقافية “المطاطية” بحيث يمكن أن تعني “خلفية طفلك”، و””مرجعية” أهم الأشخاص الذين سمعت بهم في القنوات الفضائية”، في نفس الوقت..ألم أقل لك أنها مطاطية..جداً؟!
خطاب: كلمة خطاب يجب أن تحل محل أي كلمة أخرى تعني التواصل، أو تعني ما أردت إيصاله من خلال تصرفك أو حديثك، وستتعلمين تدريجياً أن تضعيها في عدة مواقع استراتيجية…مبدئياً وكشرح مبسط لإنسان مبتدأ أستطيع اعطائك مثالاً بسيطاً:” ما نوعية “الخطاب” بينك وبين زوجك أغلب الأحيان، هل يستخدم في تعامله معك “أجندة ديكتاتورية”، أم أنه ديمقراطي؟ استعيني بدراسة “خلفيته” الاجتماعية لمعرفة سبب استخدامه هذا الخطاب، وبذلك تستطيعين فرض “أجندتك “الخاصة في التعامل”.
نزعة: كلمة في غاية البساطة، لكن ميزتها أنه بامكانك أن تجعليها في غاية التعقيد، وكمثال بسيط، ” هل لدى زوجك أي نزعة للسيطرة؟ هل لديه “نزعة” عدوانية ضد “الشخوص” ؟ وهل لديك أي “تأويل” لتلك النزعة؟ وهل يمكنك “تأطير” أفعاله ضمن “بؤرة “العداونية؟ وهل يحدث أي”انزياح” في أفعاله و”خطابه اللغوي” في وجود “شخوص” بعينها؟”، وللعلم فإن كلمات ” الشخوص، بؤرة، انزياح، هي كلمات ثقافية بحتة، وباستخدامك لها فقد أثبتت أنك مثقفة أكثر من سارتر نفسه.
حيثيات: وقد تعتقدين أنها كلمة ثقيلة وصعبة، إلا أنها حقيقة في غاية البساطة، أورد لك مثالاً: ” لكي تدركي “حيثيات” كلمة ما أو فعل قامت به صديقتك ووجدت أنه غير مبرر لسبب ما، لا بد من “التغلغل” إلى “جوانياتها”، بحيث تستطيعين “كشف” “الاسقاطات المفصلية” التي” تزامنت” مع الفعل المشار إليه، و”أبعاد” ذلك الفعل، أو تلك الكلمة، وهل هناك أي” احتدام ممنهج” لمشاعر الغيرة أو الحسد أدى إلى “تصعيد”” درامي” في دواخلها على “مستويات” مختلفة من الأفعال غير الارادية, أو الارادية “، وهنا أيضا يمكنني الاشارة إلى أن كلمات مثل:” تزامنت، مفصلية، احتدام، تصعيد، درامي، دواخل، مستويات…” كلها كلمات ترتقي إلى مستويات أعلى من التثقيف، ويمكنك استخدامها دائما في أي مكان، حتى لو في وصفة لطبخة من طبخات أمك..تعطينها لصديقتك.
يمكنك القول مثلاً:” أن النار الهادئة والمنخفضة أمر” مفصلي” وفي غاية الأهمية على عدة “مستويات” في “الاشتغال” على الطعام للوصول بالطبخة المطلوبة إلى “تصعيد” في الطعم يباري أفضل المطاعم “الممنهجة” على الطعام التقليدي لحضارة هذا البلد، باعتبار أن الطعام جزء أساسي من” ثقافة الوطن”.
أو أن كنتاكي وماكدونالد تحاول “تغريب” الطعام التقليدي، بفرض “أجندتها” الخاصة عبر الوجبات والعروض المقدمة، وأنه علينا “الاشتغال” عبر “رؤى مدروسة” لكي نقاوم عملية “المحو” التي تتعرض إليها ثقافتنا، وخير وسيلة لذلك هو العودة إلى طعام جداتنا.
وطبعا كلمة “تغريب” من أهم ما يمكن زرعه بين الجملة وأختها، للتأكيد على هويتك الثقافية، وخير أداة “للاستدلال” على ذلك نظرات الدهشة والاعجاب، والصمت الذي ستعاينيه بشكل “محسوس وملموس” بعد خطابك المذكور، إذ أن أكثر “الشخوص المحتدمين” في المكان لن يتجرؤوا على الاعتراف بأن “خطابك الحداثي” فاق قدرتهم على الفهم، وبذلك يمكنك “الاسترسال” قدر ما تشائين في الحوار، باستخدام هذه “التقنيات “، ولن تجدي من “المتلقي” إلا أذناً صاغية، وفاهاً مشدوهاً، وعيناً صاغرة..
وحرصاً مني على أكبر قدر من الاستفادة، وضعت الكلمات المقصودة، والتي تجعل منك شخصاً مثقفاً بين قوسين، وما عليك سوى جمعها في صفحة، ومذاكرتها جيداً، لن يستغرق منك الأمر كثيراً، وأعتقد أن ساعتين هو أقصى ما تحتاجينه لحفظها والتدرب على استخدامها، ومبروك..أصبحت مثقفة…ودمتم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق