لا تسأل البحر عن صداقته، تقول اللغة العربية على لسان حافظ ابراهيم
أنا البحر في أحشائه الدر كامن
فهل سألوا الغواص عن صدفاتي
قد لا يخفى على أحد أن المقصود بلغة الضاد هي اللغة العربية. لكن ما سبب هذه التسمية؟ دعونا نبحث لنرى، نجد في معجم مجهرة اللغة لابن دريد أن أحرف اللغة موجودة في كل اللغات ما عدا العين، الصاد، الضاد، القاف، الطاء، الثاء، وإنما سميت العربية بلغة الضاد لكثرة استعمال الحرف وليس لغيابه عن باقي اللغات لأن هناك حروف خمسة غير الضاد. وهذا هو قول مكي بن طالب وأكد القول الجاربردي وابن جماعة، والجاحظ نقلا عن الأصمعي في كتابه البيان والتبيين يقول: ليس للروم ضاد ولا للفرس ثاء، ولا للسريان ذال… ألخ. وأما المتنبي فقد أكد في ببت شعر ان الضاد موجود في اللغة العربية فقط هذا ما قاله وفسره البرقوق عن ببت الشعر الذي قاله المتنبي..
وبهم فخر كامن نطق الضاد
وعوذ الجاني وغوث الطريد
أما إبراهيم أنيس فقال: إنما سميت بلغة الضاد لصعوبة نطق الحرف على غبر العربي. لكن سيبويه لم يذكر في كتابه شيء عن حرف الضاد ولا سبب تسمية اللغة بهذا الحرف، وبرأيي لو قدر لسيبويه تسمية هذه اللغة بغير اللغة العربية لسماها بلغة (حتى) فقد مات ولم يفرغ من حتى وهو القائل اموت وفي نفسي شيء من حتى لكثرة تنوعها وكثرة اوجه إعرابها وحالاتها واكتسابها الظرفين معا الزمان والمكان. لكن الدكتور حسن ظاظا يقول إن الضاد من الحروف السامية التي احتفظت بها اللغة العربية واندثر في باقي اللغات السامية. والطريف ذكره أن الضاد القديمة مخرجها من حافة اللسان اليمنى او اليسرى او الحافتين معا وهو مخرج قريب من حرف اللام ويعد مخرجها أقرب من مخرج حرف الظاء فهي ظاء زائدة انحرافية مخرجها يقترب من طرف اللسان من الثنايا. أما الضاد المعاصرة والتي كانت في زمن النبوة فمخرجها من طرف اللسان مع اللثة والجدير ذكره أن الضاد في زمن التدوين مختلفة عن القديمة والمعاصرة. دعونا إذا نفكر قليلا في هذا كله نجد أن الضاد ليس الحرف الوحيد المفقود من باقي اللغات أو من لغة من اللغات ولا يمكن أن يكون لصعوبة نطقه واستبعد أن يكون السبب أنه هو الحرف التي حافظت عليه اللغة العربية واندثر في اللغات السامية. إذا لم يبقى إلا احتمال كثرة استعماله. وحتى ندرس هذا الاحتمال علينا أن نغوص؛ فالدرر لا توجد إلا في الأعماق ونسأل هل يجوز أن ننسب لغة بأكملها إلى حرف، وإذا جاز فلماذا لم ننسب اللغة مثلا إلى (الوا) لأهمية هذا الحرف في حالاته المتنوعة؛ واو الحال، واو الإشباع، واو الزائدة، واو رب، واو الجماعة، واو المعية، واو العطف، واو الاستئناف، واو الاسماء الخمسة، واو جمع المذكر السالم، واو القسم، واو الجزاء، واو بحسب ما قبلها، واو الثمانية، والواو البينية التي تجمع وتفرق بين متناقضين. وماذا عن الهمزة.. همزة الوصل وهمزة القطع وهمزة على الالف وعلى الياء وعلى الواو وعلى نبرة وعلى السطر وأول الكلمة وأخر الكلمة، وماذا نقول عن الحركات فوجود حركة أو تغيرها يغير المعنى كما سنرى لاحقا. وايضا من المعروف أن الصغير ينسب للكبير وليس العكس. اي لغة تنسب لحرف؟! مثلا من تكون لغته الاصلية عربية يكون عربي أي الافراد والامة العربية تعرف من خلال اللغة. لأنها هي الكبير، وإذا ما قسنا الأمر على القرآن الكريم نلحظ أن العربية نسبت له، لأنه هو الكبير هنا. «ولقد أنزلناه قرآنا عربيا» أو نقول العربية لغة القرآن. لنبحر قليلا فقد نخرج بدرة مختلفة عن الدرر السابقة، ولنسأل لماذا الضاد؟ ولماذا قرأنا عربيا؟ أولم يكن الله قادر على أن ينزل القرآن على قوم يمتلكون نفس صفات سكان شبه الجزيرة العربية لكن لغتهم مختلفة؟ أولم يكن الله قادر على جعل لغة سكان شبه الجزيرة (أية صفة أخرى) غير العربية أو أية لغة أخرى غير العربية؟ بلى والرسالة المحمدية كانت بلغة قومه لأن اللغة العربية إعجاز والقرآن تحدى هذا الإعجاز. / فلو كان البحر مداد تمده سبعة أبحر ما نفذت كلمات ربي / لكن نرى أن العربية وسعت القرآن الكريم ووسعت كلمات ربي وشرحها وتفسيراتها. اية لغة عظيمة تلك التي استوعبت كلمات ربي؟!. وأيضا لأن قواعد ومفردات اللغة العربية قادرة على استيعاب كل حالات الوصف دون الإشارة لذلك، فعندما نقول على سبيل المثال الحمد لله هنا تأتي على حالة محددة على نعمة أو مصيبة أو على كثرة أو على قلة أما عندما نقول لله الحمد فهنا نخص الحمد بالمطلق وهذا واضح دون الاشارة. وايضا في الفعل الواحد يتغير المعنى والإعراب عند تغير الإشارة على الحرف من الضمة إلى الفتحة أو الكسرة أو السكون أو حتى الشدة فما كان معلوما يصبح مبني للمجهول بوجود الضمة أول الفعل ومن كان منصوبا يصبح مرفوعا بوجود الضمة أخر الفعل وينسب له الفعل والأمثلة كثيرة متنوعة بتنوع حالات الإعراب. ولا ننسى الاسماء فتغيير تلك الحركات قد تؤدي إلى تغير المعنى مثال ذنوبهم بضم أول الكلمة تعطي معنى الذنب والاثم. ونفس الكلمة بفتخ أولها تعطينا معنى الحبال أو السلاسل. ولنتذكر ال التعريف الذي يحول النكرة إلى معرفة. إضافة لذلك فتبديل موقع حرف بآخر نحصل على كلمة أخرى وتتدخل الرياضيات بما يسمى التوافيق اي عدد الأحرف خلفه عامله / تضرب الاعداد ببعضها/. أي كلمة من أربعة أحرف يكون عدد الكلمات المشتقة من 4 هو 4* 3*2*1= 24 كلمة ومن 3 هو 6 كلمة وعند البحث نجد لتلك الكلمات معاني. وبالرغم من أننا أبحرنا لكن مازلنا على الشاطئ فلنغوص إلى الاعماق لعلنا نجد لؤلؤة مختلفة عما وجدوه السابقون ونعود لطرح السؤال ذاته لماذا لغة الضاد؟ ولكي اجيب على هذا السؤال سأنزع عني عباءة حرف الضاد لألبس عباءة فعل الضاد. وأرى لو أننا حذفنا حرف العلة من الضاد يصبح الضد وهذا هو الذي أقصده فلو أخذنا كل فعل من الافعال وعكسنا حروفه لحصلنا على فعل يكون أحد معانيه الكثيرة يحمل ضد المعنى الأصلي… على سبيل المثال الفعل أكل معناه: تناول، أخذ بعكس فعل أكل نحصل على فعل لكأ ومعناه: رمى، أعطى. والفعل شرع أحد معانيه باشر، مضى، أندفع وعكس الفعل عرش.. أحدى معانيه أقام، ثبت، أبطأ. والفعل در.. كثر وسال ونثر أما عكسها رد.. سد، رجع، سحب. شاهد وعكسها داهش بحذف حرف العلة من الفعلين نجد شهد أي نظر وامتد بالنظر، وحدق وتأمل عكسها دهش أي رأى ومنع امتداد البصر، أذهل حير وذهب العقل من الدهش وكذلك الأمر. في فعل دس معناه وضع خلسة ويحمل معنى امتداد الفكرة أو الشيء أو اليد، أو مكر وعكسها سد اي منع وحجز وأغلق. و في الفعل وعكسه (غرف وفرغ – لظى وأظل – لز، وزل – مرض وأضرم) أفعال التضاد فيها واضحة دون البحث عن بعض المعاني. وأقول لكل محبي اللغة العربية ما زالت الدرر كامنة لمن يشاء البحث عنها. وللمدافعين عنها والخائفين عليها من بعض المفردات الأجنبية والتي تناولتها الألسن على أنها انفتاح وحضارة، أن هذا لا يتعدى اللفظ في المجالس وشأنها شأن المفردات العامية والتي قد تمتد جذورها إلى العبرية أو التركية، ولا يخفى على الباحث في أصول اللغات بأنها تنتمي لجذر واحد. وما يجعلنا أكثر اطمئنانا هو القرآن الكريم / وأنا نحن أنزلنا الذكر وإنا له لحافظين/ فالقرآن محفوظ وبالتالي لغته محفوظة، وأية عظمة لهذه اللغة بأنها لغة القرآن. ولغة الضاد بغض النظر عن سبب التسمية فنحن نعشقها هكذا على حالها وننتمي إليها أفراد وأمة.