مقالات
رؤية هذه السلسلة يكتبها د. محمد طلال بدران – مدير دار الإفتاء والبحوث الإسلامية 3
* الشباب بين التوجهات الحديثة والالتزامات الدينية (3)
– في مقالنا السابق، تطرقنا إلى أهمية تحقيق التوازن بين الالتزام الديني والانفتاح على التوجهات العصرية، أما في هذا المقال، فسوف نستعرض بعض الآليات التي يمكن أن تساعد الشباب المسلم على بناء شخصيتهم وهويتهم الدينية، مستندين إلى بعض النصوص التي تقدم إرشادات واضحة حول هذا التوازن، ومن هذه الآليات:
– إستراتيجية الاعتدال وفقًا للتوجيهات الإسلامية
يأتي مفهوم “الاعتدال” في الإسلام كمنهج حياة، حيث قال تعالى: ﴿وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ﴾ (البقرة: 143)، مما يشير إلى أهمية أن يكون المسلم متوازنًا في حياته، ليس بمعنى البعد عن الحياة العصرية، بل الانخراط فيها بروح إيجابية دون المساس بالقيم الدينية.
– التمسك بالمعايير الشرعية في السلوك
حثّ النبي ﷺ الشباب على الاستقامة في السلوك، خصوصًا عند القيام بالعمل، حيث قال: “إِنَّ اللهَ يَحِبُّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُمْ عَمَلًا أَنْ يُتْقِنَهُ”، مما يعزز قيمة الأداء المتقن في كافة المجالات، سواء كانت دينية أو حياتية، ويمكن للشباب الاستفادة من هذه التوجيهات في حياتهم العملية والدراسية، حيث إن الالتزام بالمعايير الإسلامية في الأخلاق والسلوك يعزز هويتهم دون أن يمنعهم من النجاح أو التفوق.
– المشاركة في المجتمع والتطوع
يدعو الإسلام إلى المشاركة المجتمعية وتعزيز روح التعاون، كما ورد في قوله تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾ (المائدة: 2). يتيح هذا التوجيه القرآني للشباب فُرصًا للمشاركة في العمل التطوعي والخدماتي في المجتمع، مما يعزز شعورهم بالانتماء ويتيح لهم فرصة تطبيق مبادئهم الدينية في حياتهم اليومية.
– التعلم والتأمل في نعمة العقل
يشجع القرآن الكريم على التفكر والتدبر، حيث قال الله تعالى: ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ﴾ (النساء: 82)، مما يعزز قيمة التفكير النقدي ويحث الشباب على التأمل في الأمور، واكتساب مرونة فكرية تساعدهم على التمييز بين ما يتوافق مع القيم الإسلامية وما لا يتوافق معها، ويمكن للشباب من خلال هذا المنطلق أن يبنوا وعيًا نقديًا تجاه الأفكار العصرية، فيميزوا الصالح منها ويبتعدوا عن ما يتعارض مع تعاليمهم وقيَمهم التي يحملونها.
– دور المؤسسات التعليمية والدينية
في كل مرّة نذكر بهذا الدور الهام للمؤسسات الدينية والمجتمعية حيث تتضح أهمية المؤسسات في توجيه الشباب من خلال تنظيم برامج تربوية مستندة إلى تعاليم الإسلام، حيث قال رسول الله ﷺ وسلم: “كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ”، مما يلقي على عاتق هذه المؤسسات مسؤولية توجيه الشباب وتنمية قدراتهم، وتوفير بيئة تعليمية تجمع بين المعرفة الدينية والعلوم الحديثة…وللحديث بقية بمشيئة الله تعالى.
– صباحكم طيب ونهاركم سعيد وآمن وجمعة مباركة، ولنُكثر من الدعاء لتفريج الكروب وإخماد نار الحروب، ولا ننسَ الصلاة على خير مبعوث للعالمين، محمد ﷺ.
مقالة رقم (1780)
13 جمادى الأولى. 1446هـ
الجمعة 15.11.2024 م
باحترام:
د. محمد طلال بدران (أبو صُهيب)