منوعات
تقول_إحداهن : إستمع لما قالت
تقول_إحداهن : كنت في طريق عودتي من الدراسة برفقة صديقتي، فباشرت الأمطار تهطل علينا فجأة..
ورغم محاولتنا الإسراع في سيرنا تفاديا التبلل قدر الإمكان، إلا أن غزارتها منعتنا، فلجأنا إلى دكان قريب نحتمي بسقفه..
كان الدكان قريبا جدا من منزلنا، وهذا ما اشعرني بالإرتياح عكس صديقتي التي كان منزلها لا يزال بعيدا عنا،
حينها ابتسمت وقالت لي: طوبى لك! منزلك هنا، أنا التي لازال ينتظرني الكثير حتى أبلغه.
لم أعرف هل أشعر بالإرتياح لقرب منزلنا أم بالحزن على صديقتي التي خشيت التقدم خوفا من تبلل ثيابها..
وما احزنني أكثر هو عجزي التام عن دعوتها للدخول لمنزلنا حتى يخف المطر، فمنزلنا ليس بتلك الفخامة التي تجعلني لا أخجل من دعوتها إليه، فحاله رثة، وجدرانه مهترئة، خصوصا بعد هذا المطر..
أكيد أن أمي قد ملأت أرضيته دلاء تحصر داخلها قطرات المطر المتسللة من شقوق سقفنا،..
فبعد إصابة والدي في عمله لم يعد قادرا على إصلاحه لنا، ترددت كثيرا في دعوتها من دونها، إرتبكت، توترت، خجلت جدا، اعلم أنها صديقتي ولن تسخر من منزلنا وتشققاته، ستتفهم، ستدعي عدم اهتمامها، لكن والدتها ستسألها وستخبرها عنه، وقد تخبر باقي صديقاتنا أيضا، ستسخر بعضهن مني ويتغامزن سرا علي، والبعض الآخر سيشفقن على حالي..
كل تلك الأفكار ظلت تدور في رأسي، تصدني عن دعوة صديقتي التي كانت على الأغلب تنتظر مني دعوتها، فحاولت المغادرة بعد نفاد صبرها ولم أقو حتى على منعها!
حينها فتح الباب بغتة، كانت أمي وهي ترقب عودتي في ذاك الجو الماطر، فطلبت منا الدخول مباشرة دون تردد أو خجل، فرحبت بصديقتي ودعتها لتناول الغداء معنا فقد أعدت خبزا شهيا لم تستطع صديقتي مقاومته، وأثناء ذلك، طلبت منها إعطاءها رقم هاتف والدتها لتخبرها أنها عندنا، أكيد أنها قلقة عليها، فكان ردها:
_ لا تقلقي يا خالة، سأخبرها عند وصولي.
_لكنها ستقلق من تأخرك!
_لن تعلم بتأخري، هي ليست هنا، لذا لا تقلقي.
_ آآ فهمت، هي في العمل.
_ كلا، في بيت جدي.
قالتها والدموع تتجمع في عينيها، أخفتها بابتسامة مفاجئة وهي تمدح خبز أمي وبأنها لم تتناول مثله.
ازعجتني اسئلة أمي حينها حتى أوقفتها، فقد كان واضحا عليها التردد والخوف وهي تجيبها، والمزعج أكثر هو حال صديقتي التي يبدو أنها بعيدة عن والدتها بسبب مشاكل مع والدها وربما طلاقهما، ومع هذا لم تخبرني عنها، لعلها هي الأخرى شعرت بالخجل أيضا من شقوق بيتها، فاختارت التستر عليها خوفا من سخرية الغير أو اشفاقهم عليها، فظلت تختصر الأجوبة تارة وتارة تتهرب منها.
حينها أدركت أن بيتنا ليس البيت الوحيد المشقوق كما كنت أظن، كل البيوت مشقوقة، كلها تقطر بالماء..
إما من سقفها أو على وسائدها، وأن كل شخص له طريقته في التستر عليها واختيار الوقت والأشخاص المناسبين للبوح بها، وبما انها اختارت الصمت لعل المياه تعود لمجاريها احترمت قرارها، ولم اسألها عنها، حتى هي الأخرى لم تسألني عن شقوق بيتنا ولم تلمح لي عليها.
واكثر من ذلك، جعلتني مع الأيام أحبُ بيتنا ولا أرى فيه عيبا، ففرحتها بزيارتنا ذلك اليوم وحبها لخبز أمي الذي فتح شهيتها، وأسكت جوعها وغمر قلبها بالدفء العائلي الذي كان ينقصها، جعلني أتغير كثيرا، فباشرت دعوتها لبيتنا كلما فاجأنا المطر، وعندما تزهر أزهار حديقتنا الصغيرة التي أحبتها، وحتى عندما تعد أمي خبزا شهيا نطيب به خاطرها..
كنت ادعوها وأدعو غيرها دون تردد أو خجل..فكل البيوت_مشقوقة سرا أو علانية، وبيتنا رغم شقوقه الكثيرة فيه من الحب والجمال ما يكفي لتحبه كل القلوب وتستأنس بين جدرانه، فهو يحمل داخله دفء بيوت مدينتنا بأكملها
العبرة: نعم كل البيوت تعاني من شقوق داخلية ربما صغيرة أو كبيرة . لكن التفكك_الأسري أصعب بكثير من شقوق الحيطان والسقف .
-فالبيت الذي تسوده المحبة والرضا والقناعه والدفء ولو كان من خشب يكون أفضل بكثير من بيوت نراها بأعيننا من الخارج قصورا يُحسد عليها أصحابها ولكن لا يعلم ما بداخلها إلا الله وساكنيها.
فهنيئا للبيوت الدافئة بالمحبة والقناعة والرضا .
البيوت ليست جدران وحيطان وأسقف فقط ولكن هي أنفس تغوص في أحزانها وافراحها.
لا نعلم حال كل منا فهناك من انقطع بهم السبيل.