مكتبة الأدب العربي و العالمي

قصة_مسعود الجزء_الثاني

تجمد مسعود في مكانه قليلا وقام من جلوسه وقال بلهجة كأنه يعتريه بكاء خفيف إسمعي يا فتاة أمي رحلت منذ زمن بعيد وعاشت بشرف أكبر من أي شخص أما مسؤولية المال والشراء بعض الأشياء لا تشترى ولا تباع الإنسان قد يعيش بالمال لكنه لن يحيا بدون كرامة وبدون احترام

لم تتأثر الفتاة بحديثة أبدا فقط ردت عليه ببرود درس في الأخلاق رحيل أمك أحسن من أن تنظر إلى شخص وقح مثلك
نزع بذلة عمله ووضعها أمام الفتاة وقال بكبرياء :لا بأس حتى العمل الذي تحدثت عنه قد تركته الآن الرزق بيد الله وليس بيد البشر

ثم غادر الشاب دون أن يشرح للميكانيكي ماذا حدث،طبعا سيطرده فالمجتمع عندهم مجتمع نفوذ ومال ليس مجتمع أخلاق واحترام،حتى الصديق الذي قد تظن نفسك تثق فيه تمام الثقة قد يبيعك مقابل ترقية

غادرت الفتاة بعد إصلاح سيارتها وعاد الشاب الى منزل خالته مضطربا يشتهي قيلولة قبل حلول العصر لعله يواسي رحيل أمه

رن هاتف الفتاة وناولته لتجيب أباها لا يتصل بها عادة في مثل هاته الأوقات لكنها كانت تستمتع بالموسيقى الصاخبة في سيارتها الجميلة أطفأتها ثم أجابت والدها :مرحبا أبي

أجابها بخوف شديد وبسرعة حتى كادت لا تلتقط كلماته كلها :إبنتي اصيبت أمك بنوبة قلبية نحن في المستشفى ثم أغلق الخط

لم تقم بردة فعل حتى كادت تتوقف سيارتها أزاحت رجلها عن دواسة الوقود دون وعي ثم حركت رأسها كأنها استيقظت من غيبوبة ثم قالت بلا إرادة : أمي ماذا ثم أجهشت بالبكاء وأسرعت نحو المستشفى

مرت يومان على وفاة أم ليلى الشابة وهي منهارة تمام الإنهيار ألغت كل محاضراتها ولقاءات أصدقائها ولا تريد الخروج من البيت ولا تكاد تأكل شيء

لم تكن لديها القوة لتواجه أحد حتى أخبرها والدها أن تخرج في نزهة لوحدها وتبتعد قليلا عن ضوضاء العزاء وكثرة الناس في البيت فوافقت بأن أومأت برأسها دون حتى أن تتكلم ثم غادرت…

تكاد الشمس تغيب وهي تتمشى بجانب بستان يتوسط المدينة تزينه خضرة وورود بيضاء حمراء جلست في إحدى الكراسي الخشبية تتأمل الليل وتكاد تذرف دموعا غزيرة

لاحت ببصرها ميمنة وميسرة والتقطت ذاك الشاب جالس وعلى الأرض ويقطع بعض الخبز وقطط كثيرة تحوم حوله وتأكله كادت أن تتبسم لكن الحزن أحاط بكل أحشائها

تذكرت كل ما قالته عن أمه وأنه مر بموقف مثل موقفها مسحت بيديها من على وجهها وأعادت شعرها الجميل الأسود إلى الوراء ورفعت رأسها للسماء تستنشق الهواء

كأنها ترسل رسالات إلى أعماقها بأن تتقوى وتتصلب،فالأمر لا مفر منه وأمها الغالية رحلت.قامت من مكانها تتجه نحو الشاب ببطئ لكنها لم تقدر انتابها دوار شديد حتى كادت تسقط واستندت على شجرة محاولة أن تنظر بشكل أوضح

كان يقربها الشاب بضع أمتار فقط ولو استدار الى يمينه سيكتشف وجودها لكن ذلك لم يحدث.
عادت ليلى إلى وعيها واستأنفت المشي الى جوار الشاب جلست على جدع شجرة وقالت بصوت خافت ومبهم :ماذا تفعل ؟
ألقى إليها الشاب نظرة وأعاده إلى قططه وقال :لا شيء قد يثير آهتمامك !

شعرت بتهربه من الحديث واستأنفت بقوة : أنا آسفة على حديثي معك عند الميكانيكي
قال لا مشكلة يا فتاة نسيت الأمر
قالت كيف نسيت الأمر ؟
قال لا أحكم على أحد يا فتاة لكل أسبابه الخاصة ولا أحد منا مكتمل
لم يسألها ماذا تفعل في مثل هذا الوقت بالخارج ولا شيء آخر إستمر بعمله بسعادة وتارة يحدث قططه

ظلت ليلى تراقب مسعود وهو منشغل مع قططه ومنسجم مع الجو الليلي كانت لديها الرغبة في أن تبدأ الحديث معه مجددا لكنها لا تعلم من أين تبدأ

بدأت تفكر في أن تغادر المكان وتفكر أن تبكي وتفكر في أن تحاور أحيانا تأتي حالة شتات للإنسان مفبرك الأفكار والأحاسيس ولا يعلم ما يريده

لكن الفتى حدثها أخيرا وبطريقة ظريفة كأنه يتعرف عليها أول مرة : أما أنت ماذا تفعلين في هذا الوقت خارج البيت الحدائق لا تناسب مقامك

شعرت بشيء من الإهانة من حديثة لكنها تعترف لنفسها أنها كانت شخصا قبيحا ثم أجابته بعد أن بدأت بالبكاء وبتقطع :
ف…فقدت أمي ثم آنهارت أمامه بالبكاء أمامه فقط قام إلى جانبها وحضنها بدون وعي منه لم تقاوم أو ترفض فقط خرت قواها بين يدي مسعود كأنها طفلة صغيرة فقدت دميتها وتبكي بحرقة

لم يقل شيء قط تركها بحالها حتى تهدأ تعجب في عجلة الحياة الغريبة قبل أيام لم تتركه يلمس سيارتها واليوم هي بين يديه تبكي وتختبئ في حضنه لم يكمل تخيلاته حتى أمسكت بيده معتذرة منه وقطرات الدموع تكتسح وجنتيها الجميلتين : أنا آسفة آسفة حقا لأنني تحدثت عن أمك بذلك السوء سامحني

مسح دموعها وأقامها من مكانها ووضع يديه على كلى كتفيها قائلا : ما مر قد مر يا آنسة نسيت الأمر فقط كوني قوية الآن لتتجاوزي هذه المرحلة أمامك مستقبل كطبيبة أو جراحة لا تفقدي الأمل

شعرت بالدفئ من كلماته وحديثة وبعض الإهتمام الحقيقي الذي فقدته منذ أيام شكرته بابتسامة تكاد تكون مصطنعة وتبادلا بعض الكلمات حتى وصل برفقتها أمام بيتها القريب وودعها
عاد الشاب سعيدا بما حصل له مع الفتاة لم يقترب من فتاة الى هذا الحد لم يكن ينظر إلى الناس من باب المال أو الجاه كان الإحترام والحب والاهتمام وطيبة القلب عملات بنكه في العلاقات الإجتماعية شغل قصيدته الجميلة أصابك عشق أم رميت بأسهم على شكل أغنية وبدأ يردد معها الكلمات رغم أنها تذكره برحيل أمه إلا أنها تشعره بوجودها قربه أيضا

مر ببائع الورد واقتنى ثلات ورود لخالته عائشة حمراء وبيضاء وصفاء لم تستغرب منه لكنها سألته عن قصة الألوان ولم يكن له إلا أن يجيب :الأحمر للحب يا خالتي والأصفر للإهتمام والشوق والأبيض للتسامح وصفاء القلب

إبتسمت جدته في وجهه وقالت : هل هذا هو الشاب الذي يهتم بجسم الإنسان والجراحة والحالات أم أنك تغيرت من حلم أن تكون طبيب إلى شاعر وكاتب أنت غريب

مرت شهور والشابان يحبان بعضهما حبا جميلا يتشاركان كل شيء رحلاتهم وخرجاتهم دروسهم حتى اليوم الأخير من الإمتحانات خرج مسعود من الكلية سعيدا بكل الجد والجهد الذي قدمه لكن تلك السعادة لم تكتمل حين شاهد ليلى حبيبته تركب سيارة شاب آخر وتقبله والضحكة والبسمة لا تفارقان وجهها

كاد أن ينهار أمام الجامعة لكنه لم يصدق الأمر حتى اقترب بما فيه الكفاية من الإثنان نظرت إليه ليلى بدورها ثم توقفت عن الابتسامة وتلوح للشاب الآخر أن يقود السيارة ليبتعدا

أثناء ذلك فهم كل شيء واستوعب كل شيء وضاق عليه صدره ويكاد يصرخ بقوة كبيرة في وجه كل شيء لكنه تماسك ورحل من المكان الى أعلى مدرجات الملعب البلدي لكرة القدم جلس مكتئب الوجه مشتت الشعور والأفكار

ينتابه قليل من البكاء على كل ما أضاعه مع فتاة بورجوازية لم تنظر إليه في الأخير حتى نظرة شكر حمل نفسه من الملعب الى بيت خالته عائشة دخل وجلس أمام التلفاز يشاهد بعض الرسوم المتحركة ثم غفى

يتبع ……

عن قصص حكايات العالم الاخر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق