مكتبة الأدب العربي و العالمي
قصة_مسعود الجزء الاول
خرج مسعود من كلية الطب يصفر ويتمشى بخطى سريعة نحو دراجته الهوائية العادية كان سعيد جدا بفقره ومقتنع بكل ما أتاه الله من ممتلكات وأحباباً لديه صديقان يكاد لا يفترق عليهما كان يحمل أوراق بحثه في علم الجينات
حتى كادت سيارة حمراء أن تنهي حياته تبعثرت الأوراق في الشارع كانها تمطر وسمع الجميع مكابح السيارة التي توقفت بقوة وإذ بفتاة تضع نظارات تخرج منها وفيها بعض صديقاتها ملوحة له بيدها : هل انت أعمى أيها الأحمق
كيف الخطأ خطأك أنت متهورة في القيادة مجنونة ثم انحنى وبدأ يجمع أوراق بحثه بغضب أما هي فقط وضعت كعبها العالي على إحدى الأوراق ومزقتها قائلة توجه الكلام لصديقاتها : هذا الفقير الأحمق قال عني مجنونة أليس كذلك
توقف الجميع متسمرا ينظر إلى المشهد وإلى تطور الأحداث جمع حتى الورقة الممزقة أمام كعبها ورفع رأسه إذ بها تصفعه صفعة قوية وتصرخ في وجهه :المرة الأخرى لا تتحدث بهذه الطريقة حتى تعلم مع من تتكلم أنا ابنة السيد محمود أغنى رجل في هذه البلدة أيها الوغد
تماسك نفسه وكأنه لم يتلقى أية ضربة لا بد أن يحترمها في الأخير هي أنثى رغم وقاحتها أمسك بأوراقه ورحل صامتا أمام أصدقائه وامام كل الحشد الذي تخندق حوله
دخل إلى البيت دون إلقاء السلام على خالته عائشة قد هرمت وهي جالسة على كرسي تشاهد صور ألبوم قديمة تحرك نظاراتها تارة يمينا ويسارا وتنظر إلى صورة زوجها العسكري الشهيد استغرقت بضع ثوان حتى شعرت بدخوله وقامت من مكانها تناديه إبنى مسعود تعالى نتغذى سويا كنت في انتظارك
شرف مسعود الى الطاولة مع خالته وهما يتبادلان الحديث عن القصص القديمة وبعض الأغاني الأمازيغية العريقة لم يجعلها تشعر باضطرابه وما حدث له في الكلية يسد عليها فراغ رحيل أولادها الست غالبا ما تذرف دموعا وتقول لقد ربيتهم با ابني مسعود قدمت لهم كل ما لدي والآن تفرغوا لأزواجهم ونسوني
يحضنها مسعود ويقول :خالتي عائشة سأتزوج ونسكن معك أنا وزوجتي وأجعلك جدة أبنائي آنسي الآن أمرهم
من سيخبر كبدي بذلك يا ابني إنهم أبنائي وأحبهم
أنت تعلمين طغاة يا خالتي الآن إذا أخرج الرجل زوجته من منزله يعاقبه القانون ولكن إذا وضع الرجل أمه لدار المسنين لا يحرك ساكنا
أنهى الإثنان حديثهما كما أنهيا وجبة الغداء غادر الشاب البيت متجها إلى الميكانيكي الذي يتعلم عنده هذه الحياة عند شباب الفقراء لا بد لك أن تدرس وتعمل في نفس الوقت على الأقل لتغطي بعض الحاجيات.إرتدى بذلة عمله الملطخة بزيت المحركات وجلس مع العم ياسين صاحب المحل يتحدثان عن عمله…
توقفت سيارة أمام المحل وترجلت منها الفتاة التي كادت أن تدهس مسعود أمام الكلية دخلت إليهما وحيت ثم قالت : عم ياسين تفحص فرامل سيارتي رجاء
أشار العم ياسين إلى الشاب ليقوم بهذا العمل لكنها أوقفته قائلة :هذا الشاب لن يلمس سيارتي أبدا رجاء يا عم تكفل أنت
عاد الشاب تاركا بعض المفاتيح في يد الميكانيكي وجلس قرب محول سرعة لسيارة ما يتفحصه رغم أنه لا يفهم شيء من ذلك إلا أنه يحاول الهروب من التوثر وشدة المشهد كما يفعل البشر دائما لكنها لم تتركه :هااي يا شاب
قال نعم ماذا تريدين ؟
قالت أنصحك ألا تحشر أنفك في أمور من هم أكبر منك شأنا
قال من الأكبر مني شأنا أأنت ؟
قالت بوسعي شراؤك وشراء بيتك أو طردك من هذا العمل لو أردت
ضحك الشاب ضحكة خفيفة ورد عليها :كانت أمي تقول دائما أن المال يفسد الإنسان أحيانا وكانت على حق
قالت ربما أمك عاشت فقيرة وكانت تواسيك بهكذا أحاديث من الأحسن أنها لم تلتحق ب نوادي الليل لتطعمك
وكأنها غرزت سيفا في قلبه بكلامها هذا،كيف تحدثت عن أمه المتوفية منذ زمن طويل بهذه الطريقة حتى تجمد في مكانه
تجمد مسعود في مكانه قليلا وقام من جلوسه وقال بلهجة كأنه يعتريه بكاء خفيف إسمعي يا فتاة أمي رحلت منذ زمن بعيد وعاشت بشرف أكبر من أي شخص أما مسؤولية المال والشراء بعض الأشياء لا تشترى ولا تباع الإنسان قد يعيش بالمال لكنه لن يحيا بدون كرامة وبدون احترام
لم تتأثر الفتاة بحديثة أبدا فقط ردت عليه ببرود درس في الأخلاق رحيل أمك أحسن من أن تنظر إلى شخص وقح مثلك
نزع بذلة عمله ووضعها أمام الفتاة وقال بكبرياء :لا بأس حتى العمل الذي تحدثت عنه قد تركته الآن الرزق بيد الله وليس بيد البشر
ثم غادر الشاب دون أن يشرح للميكانيكي ماذا حدث،طبعا سيطرده فالمجتمع عندهم مجتمع نفوذ ومال ليس مجتمع أخلاق واحترام،حتى الصديق الذي قد تظن نفسك تثق فيه تمام الثقة قد يبيعك مقابل ترقية
غادرت الفتاة بعد إصلاح سيارتها وعاد الشاب الى منزل خالته مضطربا يشتهي قيلولة قبل حلول العصر لعله يواسي رحيل أمه
رن هاتف الفتاة وناولته لتجيب أباها لا يتصل بها عادة في مثل هاته الأوقات لكنها كانت تستمتع بالموسيقى الصاخبة في سيارتها الجميلة أطفأتها ثم أجابت والدها :مرحبا أبي
أجابها بخوف شديد وبسرعة حتى كادت لا تلتقط كلماته كلها :إبنتي اصيبت أمك بنوبة قلبية نحن في المستشفى ثم أغلق الخط
لم تقم بردة فعل حتى كادت تتوقف سيارتها أزاحت رجلها عن دواسة الوقود دون وعي ثم حركت رأسها كأنها استيقظت من غيبوبة ثم قالت بلا إرادة : أمي ماذا ثم أجهشت بالبكاء وأسرعت نحو المستشفى
مرت يومان على وفاة أم ليلى الشابة وهي منهارة تمام الإنهيار ألغت كل محاضراتها ولقاءات أصدقائها ولا تريد الخروج من البيت ولا تكاد تأكل شيء
لم تكن لديها القوة لتواجه أحد حتى أخبرها والدها أن تخرج في نزهة لوحدها وتبتعد قليلا عن ضوضاء العزاء وكثرة الناس في البيت فوافقت بأن أومأت برأسها دون حتى أن تتكلم ثم غادرت…
تكاد الشمس تغيب وهي تتمشى بجانب بستان يتوسط المدينة تزينه خضرة وورود بيضاء حمراء جلست في إحدى الكراسي الخشبية تتأمل الليل وتكاد تذرف دموعا غزيرة
لاحت ببصرها ميمنة وميسرة والتقطت ذاك الشاب جالس وعلى الأرض ويقطع بعض الخبز وقطط كثيرة تحوم حوله وتأكله كادت أن تتبسم لكن الحزن أحاط بكل أحشائها
تذكرت كل ما قالته عن أمه وأنه مر بموقف مثل موقفها مسحت بيديها من على وجهها وأعادت شعرها الجميل الأسود إلى الوراء ورفعت رأسها للسماء تستنشق الهواء
كأنها ترسل رسالات إلى أعماقها بأن تتقوى وتتصلب،فالأمر لا مفر منه وأمها الغالية رحلت.قامت من مكانها تتجه نحو الشاب ببطئ لكنها لم تقدر انتابها دوار شديد حتى كادت تسقط واستندت على شجرة محاولة أن تنظر بشكل أوضح
كان يقربها الشاب بضع أمتار فقط ولو استدار الى يمينه سيكتشف وجودها لكن ذلك لم يحدث.
عادت ليلى إلى وعيها واستأنفت المشي الى جوار الشاب جلست على جدع شجرة وقالت بصوت خافت ومبهم :ماذا تفعل ؟
ألقى إليها الشاب نظرة وأعاده إلى قططه وقال :لا شيء قد يثير آهتمامك !
شعرت بتهربه من الحديث واستأنفت بقوة : أنا آسفة على حديثي معك عند الميكانيكي
قال لا مشكلة يا فتاة نسيت الأمر
قالت كيف نسيت الأمر ؟
قال لا أحكم على أحد يا فتاة لكل أسبابه الخاصة ولا أحد منا مكتمل
لم يسألها ماذا تفعل في مثل هذا الوقت بالخارج ولا شيء آخر إستمر بعمله بسعادة وتارة يحدث قططه
#قصة_مسعود
الجزء الاول
المصدر مواقع التواصل الإجتماعي