مقالات

إلى صديقي ” لبنان بعلبكي ” مرسيل خليفة

وَرِثْتَ من جنوبك يا ” لُبْنَانْ ” الوِرْثَ الذي آلَ بِكَ إلى نصبٍ لاسمك وصَيَّرَكَ ثانيه في إيقاع شموخه . ورثت منه شدّته .وورثت منه ما تبطّن فيك وما تداعى .
عصا القيادة المتكلمّة بصحبة الأوركسترا والأنغام تروي قصتّك في مراياها . ومن عجين الثقة بيديك تصنع خبزك الجنوبيّ الطيّب المذاق . كم كان عليك أن تقضي من الوقت لكي تعرف أنك كنت أنت ، مثل اسمين ينشأ منهما معنىً ؟!
أنت ممّا تعلمت في كونك المفتوح على رياح الرحيل في جنوبي الجنوب وجدت على طريق عبورك إلى فضاء لا يسيّجه نشيد . وأنت ما أنت تحمل صليب أهلك . وأنت أنت لأن جنوبك مقيم فيك ، أينما ارتحلت . يصطحبك مثل ظلّك مُقامَ المكان في المكان . أودعتْ في داخلتك ما له من شَحيح إيراث وقضيت طفولتك وصباك ترتع في أرجاء وصايا والدك عبد الحميد بعلبكي ، وتحفظ تعاليم أمك ، وشققت لنفسك سبيل الذهاب إلى غدك ، لم تمسح من صدرك ما تعلمته من التعاليم ، ولو أن أقاليم القلب والروح اتسعت وترامت اطرافها في البعيد ، فتوسعت لها في المكان مكاناً وبنيت لبيت أهلك في الخيال نصب ذكرى ليبقى شاهداً زماناً وزَمانا .
دعنا نرسم الحكاية ونرمّم ما بين شقوقها من صدوع ونصنع من أرخبيلها جزيرة نلوذ بها ممّا يخلفه الزمان .
لن أتقمص دور السارد فازاحمك على ما ليس لي ، وانسخ بوْحك المحبّر بمداد قلم الرصاص على ورق ورد النوتة.
سقط البيت الحميميّ لِقَمْشِ النّص حاجة كحاجة عصا القيادة إلى المخطوطة الموسيقيّة . نكتب ما نسترجعه من تحت أطلاله . نرمّم الرواية بما يطيب لنا من نوتات ، فلك أكثر الماضي وفضل التذكّر .
سأدعوك إلى قيادة النص الموسيقي ليطمئن قلبك أولاً فقد شبّت في ذاكرتنا حرائق التهمت منّا أرضنا وتقحّل أكثرها .
لن يفرّق الزمان من ألوان لوحات أسامة ونبرات صوت سميّة وميزان إيقاع سلمان .
فتعال نبعث الروح في أشياء عالمنا وما ينظّف قلمنا ما انتاب شطراً في الرواية من السواد . دعنا نرى الهناك من هنا لنحرّره .
ليس مهمّاً بعد اليوم ان يحبنا أحد . نلقي نظرة دامعة في هذا المكان سقط البيت في أرض الشواهد . خيالات تهيم في سديم الليل اللولبي ، يتدفّق منه هباء من هطل القذائف . تشتبك خيوط الصُوَرْ في عتمة النهار . أهلنا يَعْدُون في كل الجهات بَعْثَرَتْهُمْ ريح الحقد على قارعة الطريق . أنين يسكن أيامنا ويشردنا عن أرضنا أمام هذا الدمار الشامل .
كيف استطاعت مخالب حرب العدو الضروس أن تغرس حقدها في أجسادنا وفي صدورنا ؟!
كيف نُشفى من حمّى هذا الجنون ؟!
كيف نسرد متاعنا الشحيح من ماضٍ غائر في الغياب .
( لوحة : عبد الحميد بعلبكي )

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق