عواصم ثقافيه

تل السكن .. شاهد تاريخي على حضارتنا الكنعانية، يدمر بأيدينا

تل السكن .. شاهد تاريخي على حضارتنا الكنعانية، يدمر بأيدينا
الكاتب والباحث/ ناهض زقوت

أثناء عمليات الحفر في موقع تل السكن التاريخي قبل أيام تم العثور على جرة فخارية يعود تاريخها إلى العصر البرونزي أي قبل 3500 سنة قبل الميلاد، ومنذ اكتشاف الموقع عام 1998 تم اكتشاف العديد من الآثار، وقد جاء في نشرة وزارة السياحة والآثار قائمة بالآثار التي تم اكتشافها، وهي كالتالي: العثور على العديد من الطبقات الأثرية التي يتراوح طولها 4- 8 أمتار قدمت لمحة أولى عن تاريخ تل السكن، وكان عدد المستويات أو الطبقات تسعة وهذا يعني أن تسعة شعوب عاشت في المكان. والعثور على بعض الطبقات الأثرية في الموقع على جدران من الطوب المزجج وهي تعود للعصر البرونزي، وتميزت بارتفاع بلغ أكثر من 4 أمتار وعرض 10 أمتار، لا يوجد لها مثيل في المواقع الفلسطينية الأثرية مجتمعة. وتم العثور على بقايا منازل ومنشآت وأسطح مباني مبنية بالطوب الأحمر، وبقايا جدران وأسوار معمارية من الطوب اللبن، ويعود نظام أسوار المباني إلى أسلوب رفيع المستوى في العمارة لا يوجد له مثيل في العالم. والعثور على العديد من جدران المباني التي تميزت بتصميم داخلي مميز، من حيث وجود المقاعد والمرافق المختلفة، من غرف كبيرة المساحة وأخرى صغيرة، ومنطقة المعبد الذي كان على شكل غرفة مستطيلة واسعة فيها منصة. والعثور على العديد من المكتشفات التي تعود للحضارة المصرية الفرعونية، حيث عثر على فخار مصري الصنع تم استيراده مباشرة من وادي النيل، كما تم العثور على بقايا فخارية كنعانية تم صناعتها محليا في غزة، وذلك باستخدام الطين المحلي ولكنه على الطراز المصري. والعثور على بقايا فخارية مهجنة تجمع بين الآثار المصرية والفرعونية كالأطباق والصحون والأباريق وزجاجات ذات عنق وجرار بيضاوية، وأحواض للتحميم ومزهريات اسطوانية وأوعية للخبز. والعثور على سبعة واجهات لقصور تعود إلى السلالة الأولى من السلالات المصرية والتي أسسها مينا نارمر. والعثور على قطع لأختام اسطوانية حملت أشكال لحيوانات عرفت منذ العصر المبكر للتاريخ. واكتشاف تمثال ضفدع من الحجر الجيري الناعم، وقد وجد مثيله في معبد ابيدوس في مصر. والعثور على طواحين كنعانية مصنوعة من البازلت والحجر الكركاري، وعلى أنصال حجرية كنعانية، وآلات وسكاكين وفؤوس ورؤوس سهام، وعظام حيوانات مختلفة عاشت في المنطقة كالثيران البرية والغزلان والآيل الأحمر وفرس النهر.
إن هذه المكتشفات الأثرية التاريخية هي غيض من فيض تم اكتشافه في موقع تل السكن، وهي ثروة قومية لا تقدر بثمن، وهي تاريخ شعب كنعاني – فلسطيني عاش في المكان منذ فجر التاريخ.
يمثل موقع تل السكن الفترة التاريخية في العصر البرونزي القديم 3300- 2250 قبل الميلاد، وهو العصر الذي عاش فيه الكنعانيون العمالقة في ساحل غزة، ويقع تل السكن الأثري في شمال وادي غزة، تحديدا الآن في منطقة مدينة الزهراء وجامعة فلسطين، على تربة رملية كركارية بارتفاع 30 م عن سطح البحر. وقد قامت وزارة السياحة والآثار في عام 1999 بإغلاق المكان بعد اكتشافه، وجرت عمليات حفر وتنقيب بالتعاون مع المركز الوطني للبحوث العلمية الفرنسية.
وقد ساعد اكتشاف المكان في توضيح التاريخ القديم لغزة الكنعانية، وفي توضيح العلاقات المصرية الفرعونية مع الكنعانيين في فلسطين، من علاقات تجارية وعسكرية وإدارية، وذلك خلال الألفية الثالثة والرابعة قبل الميلاد.
إن هذا الموقع التاريخي الأثري الهام يتعرض اليوم إلى عملية تدمير ممنهجة من طرف سلطة الأراضي في غزة، حيث قامت بتوزيع قطع أراضى على الموظفين التابعين لحكومة حماس بدل مدخراتهم، وقد قام وفد من أساتذة التاريخ من الجامعات في قطاع غزة ووكيل وزارة الآثار من حكومة غزة في جولة مع عالم الآثار الفرنسي “جون باتيست امبير” يوم الجمعة الماضية، وشاهدوا بأعينهم التدمير القائم في المكان، وكتب الدكتور سامي أحمد أستاذ التاريخ في جامعة القدس المفتوحة، والدكتور أسامة أبو نحل أستاذ التاريخ في جامعة الأزهر على صفحاتهما على موقع التواصل الاجتماعي ما شاهدا من جريمة في موقع تل السكن الأثري. وقال أمامهما العالم الفرنسي وهو يتحسر على تجريف مثل هذا الموقع الذي ليس له مثيل كما يقول سوى موقع مشابه له في إيران، وأكد أن تاريخ هذا الموقع الذي تم تدمير جزءا كبيرا منه أنه يعود إلى نحو 5500 عام، أي قبل بناء الأهرامات في مصر.
يتساءل الدكتور أسامة أبو نحل على صفحته: لمصلحة من يتم تدمير المناطق الأثرية في قطاع غزة؟ هل توزيع أراضي هذه المنطقة الأثرية على الموظفين أهم من آثار بلادنا التي يجب المحافظة عليها؟.
إن موقع تل السكن يعد من أقدم المناطق الأثرية الكنعانية التي تم اكتشافها في فلسطين عامة وفي غزة خاصة، وأن تاريخ الموقع نقطة محورية في إثبات وجود الشعب الفلسطيني على أرضه منذ فجر التاريخ. لذلك نطالب الجهات المسؤولة بالوقف الكامل لهذه الكارثة الوطنية بحق تاريخ فلسطين الذي يسعى الاحتلال الإسرائيلي إلى تزييفه وتزويره بكل الطرق، وذلك بالعمل على وقف كل عمليات الحفر والتدمير والتراجع عن خطوة منح الموظفين الأراضي في المكان، وعدم السماح بضياع شبر واحد من هذا الموقع الأثري، ويجب المحافظة عليه فهو أمانة تاريخية في رقبة كل مسؤول وصانع قرار، والتاريخ لن يرحم كل العابثين في تاريخ ومقدرات الشعب الفلسطيني.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مدير عام مركز عبد الله الحوراني للدراسات والتوثيق – فلسطين

مقالات ذات صلة

إغلاق