اتخذ قوم شجرة صاروا يعبدونها ..
فسمع بذلك ناسك مؤمن بالله فحمل فأساً و ذهب إلي الشجرة ليقطعها ..
فلم يكد يقترب منها حتي ظهر له حائلاً بينه و بين الشجرة وهو يصيح به : مكانك أيها الرجل !!
لماذا تريد قطعها ؟!
– لأنها تضل الناس
– و ما شأنك بهم ؟؟ دعهم في ضلالهم!!
– كيف أدعهم .. ومن واجبي أن أهديهم؟؟
– من واجبك أن تترك الناس أحراراً يفعلون ما يحبون ..
– إنهم ليسوا أحراراً ..إنهم يصغون إلي وسوسة الشيطان ..
– أو تريد أن يصغوا إلي صوتك أنت؟!
– أريد أن يصغوا إلي صوت الله ..
– لن أدعك تقطع هذه الشجرة ..
– لا بد لي من أن أقطعها ..
فأمسك إبليس بخناق الناسكو قبض الناسك علي قرن الشيطانو تصارعا طويلاًإلي أن انجلت المعركة عن انتصار الناسك ..
فقد طرح الشيطان علي الأرض و جلس علي صدره و قال له : هل رأيت قوتي ؟؟
فقال إبليس المهزوم بصوت مخنوق: ما كنت أحسبك بهذه القوة دعني و افعل ما شئت ..
فخلي الناسك سبيل الشيطان وكان الجهد الذي بذله في المعركة قد نال منه فرجع إلي صومعته واستراح ليلته ..
فلما كان اليوم التالي حمل فأسه وذهب يريد قطع الشجرة وإذا إبليس يخرج له من خلفها صائحاً : أعدت اليوم أيضاً لقطعها؟!
– قلت لك لابد لي من أن أقطعها ..
– أو تظنك قادراً علي أن تغلبني اليوم أيضاً ؟؟
– سأظل أقاتلك حتي أعلي كلمة الحق ..
– أرني إذن قدرتك !!
و أمسك بخناقهفأمسك الناسك بقرنه و تقاتلا و تصارعا إلي أن أسفرت الموقعة عن سقوط الشيطان تحت قدمي الناسكفجلس علي صدره و قال له: ما قولك الآن في قوتي؟!
– حقاً إن قوتك لعجيبة دعني و افعل ما تريدلفظها الشيطان بصوته المتهدج المخنوق ..
فأطلق الناسك سراحه و ذهب إلي صومعته واستلقى من التعب و الإعياء حتي مضي الليل و طلع الصبح فحمل الفأس و ذهب إلي الشجرة ..
فبرز له إبليس صائحاً فيه : ألن ترجع عن عزمك أيها الرجل ؟!
– أبداً لابد من قطع دابر هذا الشر ..
– أتحسب أن أتركك تفعل ؟!
– إن نازلتني فإني سأغلبك فتفكر إبليس للحظة ورأى أن النزال و القتال و المصارعة مع هذا الرجل لن تتيح له النصر عليه فليس أقوى من رجل يقاتل من أجل فكرة أو عقيدة ..
ما من باب يستطيع إبليس أن ينفذ منه إلي حصن هذا الرجل غير باب واحد : الحيلة ..
فلتطف للناسك و قال له بلهجة الناصح المشفق : أتعرف لماذا أعارضك في قطع هذه الشجرة ؟!
إني ما أعارض إلا خشية عليك و رحمة بك فإنك بقطعها ستعرض نفسك لسخط الناس من عبادها مالك و هذه المتاعب تجلبها على نفسك؟؟
اترك قطعها و أنا أجعل لك في كل يوم دينارين تستعين بهما علي نفقتك و تعيش في أمن و طمأنينة و سلامة !!
– دينارين ؟!
– نعم في كل يوم تجدهما تحت وسادتك ..
فأطرق الناسك مليا يفكر ثم رفع رأسه و قال لإبليس : ومن يضمن لي قيامك بالشرط ؟؟
– أعاهدك علي ذلك و ستعرف صدق عهدي ..
– سأجربك ..
– نعم جربني ..
– اتفقنا ..
ووضع إبليس يده في يد الناسك وتعاهدا و انصرف الناسك إلي صومعته و صار يستيقظ كل صباح و يمد يده و يدسها تحت وسادته فتخرج بدينارين حتي انصرم الشهر ..
وفي ذات صباح دس يده تحت الوسادة فخرجت فارغة ..
لقد قطع إبليس عنه فيض الذهب ..
فغضب الناسك و نهض فأخذ فأسه و ذهب إلي قطع الشجرة فاعترضه إبليس في الطريق وصاح فيه : مكانك !! إلي أين ؟؟
– إلي الشجرة أقطعها ..
فقهقه الشيطان ساخراً : تقطعها لأني قطعت عنك الثمن!!
– بل لأزيل الغواية و أضيء مشعل الهداية ..
-أنت ؟!
– أتهزأ بي أيها اللعين ؟!
– لا تؤاخذني .. منظرك يثير الضحك ..
-أنت الذي يقول هذا أيها الكاذب المحتال !؟
و انقض الناسك علي إبليس وقبض علي قرنه وتصارعا لحظة وإذا المعركة تنجلي عن سقوط الناسك تحت حافر إبليس فقد انتصر و جلس علي صدر الناسك مزهواً مختالاً يقول له : أين قوتك الآن أيها الرجل ؟!
فخرج من صدر الناسك المقهور صوت كالحشرجة يقول : أخبرني كيف تغلبت أيها الشيطان ؟!
#فقال له إبليس : لما غضبت لله غلبتني و لما غضبت لنفسك غلبتك ..
لما قاتلت لعقيدتك صرعتني ولما قاتلت لمنفعتك صرعتك !!.