مقالات
“شَعبَوِيّة ” بقلم رياض الصالح
سامحيني يا عزيزتي الوهميّة .. فحتماً ما أطرحه عليك من أمور ستُصَعِّبُ مَهَمّة إيجادك أصلاً في هذا العالم الذي أصبحتُ أُدرِكُ أنّني لا أحتمِلُ انتمائي إليه .. ولا أدّعي بذلك أفضليّةً ولا نظرةً فوقيّة، إنما هو مجرد سردِ بعض استيائي من عدم قدرتي على تقبّل الواقع ولا التكيّفَ مع الدارج من الأوضاع ولا تعلّم مهارات لغة التواصل مع الدائرة المحيطة ..
لا أريد الحكم على الكلّ بسبب جزءٍ لا أتناسب معه بشكلٍ من الأشكال .. لكنّني أكادُ أُجنُّ كلَّ يوم وأنا أصادفُ مواقفاً تستثير غيظي وتشيط بغضبي وتقلبُ مزاجي وتُفعّل هذا الدماغ الذي تعِبَ من كثرةِ التحليل والتفكير وربط كل شعرةٍ أو شعورٍ بخيطٍ لعلّه يصل إلى حلٍّ لا يطالبه به أحد لمشكلةٍ أو مشاكلَ لا ينتبه لها أحدٌ كذلك ..
لا تقولي لي يا عزيزتي وتقاطعين كلامي ب” ما دخلك أنت ودع الخلق للخالق “، لا تكرري أقوال الحكماء أو أولئك الأنانيين الذين ينظرون إلى مصالحهم الخاصة ويبحثون عن سعادةٍ تخصهم فقط، وحل لمشكلةٍ تخصهم فقط، فيبتعدون عن أيّةً فكرةٍ أو شخصٍ أو قضيّةٍ تعكّرُ مزاجهم، وتوجع رؤوسهم، أو حتى تؤثّرُ في ملامح وجوههم وأشكالهم التي اعتادوا وحرصوا على إظهارها للآخرين كلّ يوم لتُشكّلَ النمط الذي يحبون الظهور به لما له من خصائص في تسيير الحياة كما يريدون ..
ستسأليني حتماً ما الذي حدث .. ولماذا تكتب بهذه السوداوية الآن .. سأختصر لك الحكاية .. كنت في مصنعٍ أشتري منه بعض ما يلزم تجارتي .. فاستغرقت في متابعة شجارٍ سخيفٍ جرى بين بعض العمّال العرب في المصنع .. ليتني لم أستمع لذلك الصراخ ذو الترددات المختلفة .. وليتني تجاهلت الشتائم المتطايرة من جميع الجهات .. وليتني لم أدقّق في تفاهة المشكلة وتحوّلها لاحقاً لمشكلةٍ شخصيّة بين الأطراف المتنازعة .. ثمّ تفاقمها لتنمّرٍ مقيت بين العائلات والانتماءات .. ليتني لم أنتبه إلى المدراء اليهود وهم يتضاحكون بسخرية على هذه التفاهة المتكررة بشكلٍ يومي ويهزّون رؤوسهم بحركةٍ تشيرُ إلى وضعٍ ميئوسٍ منه للتغيير أو الإصلاح .. ليتني مضيت في طريقي ونسيت ما حدث..
تراشقت الأفكار في ذهني يا عزيزتي وهي تستعيد ذكرياتٍ قريبةٍ أو بعيدة من حياتي، كلها تشتكي من شَعبَوِيّةِ العقليّة العربيّة.. تراجع فيما تعلم كلّ ما ساهم في تشكيل هذه العقلية واستنساخها في جميع مجالات الحياة لدينا حتى الثقافيّ والعلمي والجدّيّ منها .. أعلم أن هذا المصطلح قد يكون غريباً بعض الشيء .. لكنّه يدغدغُ شعوراً معيّناً في نفسي يظهر كُلّما رأيتُ دعايَةً مصريّةً لمُنتجٍ ما على التلفاز .. عندما أتساءل عن تفاهة الطريقة التي يروّجون بها لمنتجاتهم .. ثم أتساءلُ إن كان المخرج أو صاحب فكرة الإعلان يعلمُ أن معظم العامّة من الشعب والتي ستتابعُ الإعلان هي من الفئة التي ستستجيب له، وستدركُ الهدف من هذا الإعلان بغض النظر عما فيه من استخفاف بالعقول وسماجةٍ في طرح الفكرة ونوعٍ من الكوميديا البلهاء التي تلامسُ روحَ المُشاهدِ العربي حتى لو اختلفت مع سمته الخارجي ومكانتهُ الاجتماعيّة ..
ستنصحيني يا عزيزتي بتغيير البيئة والارتقاء قليلاً بمخالطة فئة أو طبقة أخرى من أولئك النخبويين البعيدين عن تلك الشعبوية ??!! ممكن، أو بصراحة .. لا أعلم .. فلعلّ المشكلة بي أنا وليست في الآخرين .. فأنا كثير الصدمات .. خطير التحولات .. سريع التأثّر .. ملتهبٌ بالأحاسيس .. فقد لا أليقُ بكوْني حَكَماً أو مُنَظّراً ولا حتى مراقباً أو ناقداً لمثلِ هذه الأمور فشهادتي مجروحة وقلبي ممتليء ..
لكنني أرجو أن تتفهمي اعتراضي على كل هذا ولست المعترض الوحيد .. وتتفهمي اتهامي للكثيرين بالخوف من التغيّر للأفضل والسكوت عن المطالبة بالتغيير .. لا يفرقُ مع أحدٍ أن تشكّل حياتُهُ فرقاً .. ولو على مستوى حياته ذاتها .. لذلك تقبّلي كلماتي اليائسة وأنا أرى الأجيال اللاحقة تُقلَدُ الأجيال السابقة بالشخصيّة، مهما بلغت من تقدّم وتعلُّم وإذا تغيّرت قليلاً فإلى ما هو أسوأ بتقليدها لما عند الغرب من نفايات فقط لسهولتها وتركها ما لديهم من خيرٍ لصعوبته، ويظلّ الحال هو الحال حتى يختفي من يعترض أو يطالب بأي نوعٍ من التغيير .. يا عزيزتي
# بقلمي
# رياض الصالح