مقالات

بصمات قائد: ترك الأثر في رحلة الحلم والعمل والنمو

بقلم الدكتورة / سارة عبد الله القحطاني

  • في عالم يتسارع بلا هوادة، حيث تظهر التحديات كجبال شاهقة، تكمن القيادة في القدرة على تسلق هذه الجبال، لا بمفردك، بل مع فريق يثق في رؤيتك ويتبع خطاك. لم تكن القيادة بالنسبة لي مجرد إصدار الأوامر أو ترتيب الخطط، بل هي فن التأثير، الإلهام، والتحفيز. في هذه المقالة، أدعوكم لتتبعوا خطواتي في رحلة أن أصبح قائدة تترك بصمة إيجابية ليس فقط في مجال العمل، ولكن في كل جانب من جوانب الحياة التي أتفاعل معها. سنستكشف معًا مسيرتي، مستخلصين الدروس من النجاحات والصعوبات، وكيف يمكن لكل امرأة أن تنقش طريقها في عالم القيادة بثقة وحزم.

الرحلة تبدأ من التعليم
كانت بداية رحلتي نحو القيادة متجذرة في اختياري لمجال الطب، وهو قرار لم يأتِ من فراغ. منذ الصغر، شعرت بانجذاب قوي نحو مساعدة الآخرين وإحداث فرق في حياتهم، وكان الطب هو السبيل الأمثل لتحقيق هذا الهدف. بدأت رحلتي الأكاديمية في الجامعة، حيث كان العام الأول مكرسًا لبناء أساس قوي في العلوم الأساسية. مع تقدمي في الدراسة، بدأت أختبر التخصصات المختلفة داخل الطب. كل عام كان يحمل معه تجارب جديدة وتعلمًا عميقًا في مجالات مثل الجراحة، الطب الباطني، وطب الأطفال. أدركت خلال هذه الفترة أن الطب ليس مجرد علاج أمراض، بل هو فن التعامل مع الإنسان في أكثر لحظاته ضعفًا،
الخبرة العملية: تحويل المعرفة إلى أفعال
بدأت رحلتي العملية بشكل جدي في مارس 2021، حين انضممت إلى برنامج الامتياز في مستشفيات حكومية متعدده. كانت هذه السنة مليئة بالتنوع والتحديات، حيث أتيحت لي الفرصة للعمل في عدة أقسام طبية وتطوير مهاراتي في مجالات متعددة. لكن القسم الذي برز بشكل خاص كان قسم الطب الوقائي وطب المجتمع. هنا تعلمت أهمية الوقاية كركيزة أساسية في تحسين الصحة العامة، وكيف يمكن للطبيب أن يلعب دورًا حيويًا في الوقاية من الأمراض قبل وقوعها.
في صيف نفس العام، قررت أن أضع نفسي أمام تحدٍ أكبر، فانضممت إلى قسم الطوارئ بمستشفى بأحد المستشفيات الحكومية كطبيبة متدربة للشفت الليلي. خلال هذه الفترات الليلية، كنت أتعامل مع حالات طارئة ومعقدة، حيث كان عليّ تقييم وتشخيص واستقرار الحالات بسرعة ودقة. العمل تحت ضغط شديد ليلاً علمني أهمية الهدوء والتركيز في مواجهة الأزمات.
في النهار، كنت أعمل كطبيبة عامة في مركزعلاج طبيعي متخصص بالعمود الفقري و الرقبه بالرياض. هناك، تعلمت كيفية تقديم رعاية شاملة للمرضى الذين يعانون من مشاكل العمود الفقري والرقبة بدون تدخل جراحي، من خلال تعاون متعدد التخصصات بين الأطباء وأخصائيي العلاج الطبيعي. هذه التجربة النهارية كانت مختلفة تمامًا، حيث ركزت على العلاجات التحفظية والتواصل الوثيق مع المرضى لفهم احتياجاتهم وتحقيق أفضل نتائج ممكنة.
بعد هذه التجارب المكثفة في الرياض، انتقلت إلى الدمام في أغسطس 2022 لأعمل كطبيبة مقيمة في قسم النساء والولادة. خلال هذه الفترة، قدمت الرعاية الصحية للنساء في جميع مراحل الحمل والولادة. كانت هذه التجربة غنية بالتعلم والتحديات، وحصلت خلالها على شهادة دعم الحياة المتخصصة للنساء والولادة، مما عزز من قدراتي في التعامل مع الحالات الحرجة.
مع بداية فبراير 2023، عدت إلى الرياض و عملت كطبيبة مقيمة بمركز متخصص بالكلى. هنا، قدمت خدمات رعاية الطبية للمرضى الذين يخضعون لغسيل الكلى أو ينتظرون عمليات الزراعه. هذه التجربة أكدت لي أهمية التخصص والدقة في الرعاية الطبية، وكيف يمكن للتفاني في العمل أن يحدث فرقًا كبيرًا في حياة المرضى.
تجربة أخرى محورية في حياتي كانت مشاركتي في موسم الحج لعام 2023 كطبيبة طوارئ في مكة المكرمه. خلال فترة تواجدي هناك لمدة شهر، واجهت تحديات لم أكن أتخيلها. التعامل مع المرضى من مختلف الجنسيات وتنظيم الحشود الكبيرة والعمل تحت ضغط شديد على مدار الساعة، كلها كانت تجارب صقلت شخصيتي وزادت من قدرتي على التحمل والإدارة في الظروف القاسية.
وفي مارس 2024، جاءت نقطة تحول حقيقية في مسيرتي عندما تم تكليفي برئاسة قسم التعليم الطبي والتدريب بنفس المركز. في هذا الدور القيادي، أصبحت مسؤولة عن تطوير وتنفيذ البرامج التعليمية والتدريبية للمهنيين الصحيين. هذه الفرصة سمحت لي بتطبيق كل ما تعلمته من خبرات سابقة في تحسين نوعية التعليم والتدريب في المجال الطبي، وتعزيز بيئة من التعلم المستمر والتطوير المهني.
كل خطوة في هذه الرحلة كانت مليئة بالتحديات والفرص التي ساهمت في تشكيل شخصيتي كقائدة. من خلال التعامل مع المرضى في أصعب الظروف، والعمل مع فرق متعددة التخصصات، والتعلم من كل تجربة، تمكنت من تحويل المعرفة النظرية إلى أفعال عملية تحقق تأثيرًا إيجابيًا حقيقيًا في المجتمع الطبي.
القيادة في مجال التعليم الطبي
بعد رحلة غنية بالتجارب والتعلم في مختلف المجالات الطبية، جاءت نقطة تحول حقيقية في مسيرتي المهنية عندما تم تكليفي برئاسة قسم التعليم الطبي والتدريب في مارس 2024. كانت هذه الفرصة بمثابة تحدٍ جديد تمامًا، يتطلب مني تطبيق كل ما تعلمته خلال سنوات عملي السابقة في مجال مختلف: التعليم الطبي.
أصبحت مسؤولة عن تطوير وتنفيذ وتقييم البرامج التعليمية والتدريبية للمهنيين الصحيين في المركز. كان الهدف هو تعزيز مهارات ومعرفة الأطباء والممرضين والفنيين، لضمان تقديم أفضل رعاية ممكنة للمرضى. من خلال هذا الدور، أدركت أن القيادة في مجال التعليم الطبي ليست مجرد تنظيم الدورات والمحاضرات، بل هي فن تهيئة بيئة تعليمية تشجع على التعلم المستمر والابتكار.
لم يكن العمل سهلاً. فقد واجهت تحديات في تغيير الثقافة التقليدية للتعليم الطبي، ولكن بدعم من فريق ملتزم ومتحمس، تمكنا من تحقيق تغييرات ملموسة. بدأنا نرى تحسنًا في أداء المتدربين وارتفاعًا في مستويات الرضا بينهم. كان الشعور بالإنجاز عظيمًا، خاصة عندما نرى الأثر الإيجابي على جودة الرعاية التي نقدمها للمرضى. تعلمت من خلال هذه التجربة أن القائد في مجال التعليم الطبي يجب أن يكون مستعدًا للاستماع والتعلم من الآخرين بقدر ما يعلمهم. التواضع كان صفة أساسية ساعدتني على تقبل الأفكار الجديدة والتكيف مع التغييرات، مما عزز من قدرتي على قيادة فريق متنوع ومتعدد التخصصات نحو تحقيق أهداف مشتركة. الخاتمة
الخاتمة
القيادة ليست مجرد منصب أو لقب، بل هي رحلة مستمرة من التعلم، النمو، والتطور. رحلتي الشخصية من بداية التعليم الطبي إلى تولي مناصب قيادية متعددة كانت مليئة بالتحديات والفرص التي شكلتني كقائدة. تعلمت أن القائد الناجح هو الذي يملك القدرة على التأثير الإيجابي في حياة الآخرين، سواء من خلال تقديم الرعاية الصحية المتميزة، أو من خلال تدريب وتوجيه الأجيال القادمة من المهنيين الصحيين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق