مكتبة الأدب العربي و العالمي

حكاية #البائع_نديم الجزء الثاني

وفي أحد الأعياد خرج السّلطان في موكب عظيم، يطوف في طرقات دمشق، وقد احتشد النّاس في الأزقة والنّوافذ والأسطح، ينظرون إلى الزّينة ،والفخامة ،ويهتفون بحياته، وكان السّلطان يركب عربة مذهّبة ،ويطلّ من النافذة، وبجانبه يسير نديمه والوزير أبو محمد على جوادين مطهّمين من أحسن الخيل ، وكان لا يحظى باهتمام الناس أحد بعد السلطان سوى ذلك الفتى الذي كان وسيما عسلي العينين، بل إن بعض البنات كنّ ّ يبتسمن له ،ويلوّحن له بمناديلهن ،وفطن السّلطان الشابّ له ،واغتاظ من نديمه ،وأقسم أن لا يأخذه معه بعد الآن ليكون الاهتمام له وحده .
وبينما كان الموكب يتقدم في الأزقة،، وقفت فتاة حسناء، في إحدى الشرفات ،وما إن مرّت أمامها العربة حتى أشارت إليها بيدها ،ورمت وردة حمراء ، فرآها السّلطان وكذلك الوزير والنّديم، وكلّ واحد منهم ظنّ أنها تقصده هو دون الآخرين ،وبعد مضي يوم على الاحتفال، لم يصبر السّلطان عل البنت الجميلة ،ولبس زيّ التجار،وأخذ معه هديّة من العطر والحرير . ،وخرج من القصر خلسة، في المساء، من غير أن يشعر به أحد، ومضى إلى البيت الذي رأى فيه الفتاة ، ودقّ الباب، فخرجت له خادمة عجوز ،فأعطاها وردة ، وقال: إنها لسيّدتها ،فغابت قليلا، ثم رحّبت به، وقادته إلى غرفة مفروشة بالزرابي وفي وسطها طاولة من خشب الصندل ومقاعد فجلس ،ورجته، أن ينتظر قليلاً، وهي لا تعرف من يكون، ولم تلبث أن رجعت حاملة صينية فيها فخذ خروف مشوي ،وكأسا من النّبيذ،،ورغيفا ،وشيئ من ملح، ثم وضعت الطعام بين يديه، وأخبرته أن يتعشّى ،ويرتاح حتى تأتي سيدتها لإستقباله .
وما إن خرجت الخادمة، حتى شمّر السلطان عن ساعديه، وأتى على كل ما وضعته العجوز بين يديه من طعام، فالتهم الفخذ ،ومعه الرّغيف ، ولم يترك شيئا سوى العظام ، وشرب النبيذ، وقعد ينتظر، وهو يمنّي نفسه، بليلة جميلة ،وبعد طول انتظار، دخلت عليه الخادمة، وحين نظرت، إلى الصينية ، ظهر االامتعاض على وجهها المجعّد، ، ثم اعتذرت إليه، وأخبرته أن سيدتها تشعر بصداع ،وتريد أن تستريح ، فغضب السلطان وأراد أن يصرخ في وجه العجوز لكنه تذكر أنه ليس في قصره ،وسينفضح أمره إن أصر على رؤية الفتاة، و لم يجد غير الخروج ، فحمل نفسه، ورجع مغتاظا يجر أذيال الخيبة فكيف تجرأ تلك اللعينة على السخرية منه ،وهو سلطان البلاد وكل شيئ فيها ملكه‏
وفي مساء اليوم التالي، تزيّى الوزير بزي نجار، وخرج إلى نفس البيت، فاستقبلته العجوز لما رأت الوردة في يده وأحضرت له نفس الطّعام الذي قدمته للسلطان من قبله فأكل كل شيئ وترك الصّينية فارغة ،ولما دخلت العجوز وجدته يمصّ في عظمة ،وقد أعجبه اللحم ،فكان مصيره مثل السّلطان ،فخرج ذليلا، وهو يسبّ ويلعن، ورجع إلى القصر ليجد امرأته تسأله أين أختفى هذه اللّيلة .وفي اليوم الثّالث استأذن الفتى السّلطان في الخروج ليروح قليلا عن نفسه، ولن يتأخّر كثيرا ، فأذن له الملك، فتسلّل إلى البيت الذي رأى الفتاة في شرفته، وقرع الباب، فخرجت له الخادمة، فأراها وردة حمراء كما فعل السّلطان والوزير، فرحّبت به، وقادته إلى الغرفة التي قادت إليها من قبل الملك ثم الوزير، وقدمت إليه صينية مثلهما، ثم خرجت. ،ونظر الفتى إلى الطعام أمامه، فعمد إلى الفخذ ففصل عظمه عن لحمه، ثمّ أفرغ كأس النّبيذ وسط الصّينية، وأخيرا أخذ الرّغيف ورشّ عليه الملح، ثمّ غسل يديه، وقعد ينتظر، ولمّا دخلت الخادمة، ورأت ما فعله إبتسمت،و أخبرته أنّ سيّدتها في انتظاره مع الطعام والشّراب ، وقادته من يده إلى غرفتها التي فاحت منها رائحة العطر ،والعود الهندي …

يتبع الحلقة 3

عن قصص حكايا العآلم الآخر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق